مخيمات الشمال السوري وسط شتاء قاتل: ماذا تفعل حكومة المعارضة والمنظمات الإنسانية؟

مخيمات الشمال السوري وسط شتاء قاتل: ماذا تفعل حكومة المعارضة والمنظمات الإنسانية؟

تستمر في مخيمات الشمال السوري معاناة النازحين. وسط شتاء قاسٍ. ويحذّر كثير من العاملين في المجال الإغاثي من كارثة إنسانية. بعد أن قطعت الثلوج الطرقات عن المخيمات. وانعدمت مواد التدفئة بشكل كامل عن العائلات فيها. فضلاً عن انهيار عدد كبير من الخيم، التي لا تقي أصلاً  من برد الشتاء. وازدياد احتياجات الأهالي، التي تفوق المساعدات المحدودة، المقدّمة من قبل المنظمات الإنسانية.  

“أبو مالك” من مهجري قرية “أم باطنة” في محافظة القنيطرة. المقيم حالياً في مخيمات الشمال السوري في ريف حلب، يؤكد لـ«الحل نت» أن «هناك أكثر من خمس وأربعين عائلة لم تصلها أية مساعدات منذ ستة أشهر من أية منظمة. وسط نقص حاد في المواد الغذائية ومواد التدفئة، وتسرّب المياه إلى الخيم والمساكن». ويناشد “أبو مالك” المنظمات الإنسانية بـ«تقديم المساعدات ومدّ يد العون للنازحين. عبر تأمين الحطب».

أما “أم حسن”، المُهجّرة من قرية “كفر زيتا” بريف حماة، فهي أرملة فقدت زوجها في الحرب. ولديها أربعة أطفال. تسكن في غرفة متهالكة في مخيمات الشمال السوري. وتقول لـ«الحل نت» إنها «تدفئ أطفالها عبر حرق أكياس النايلون». مشيرةً إلى أن «قلّة من الأهالي تملك ثمن مواد تدفئة».

وعلى الرغم من كثرة المنظمات، والجهات الداعمة لنازحي مخيمات الشمال السوري، إلا أن هنالك حالة عجز عام عن تخفيف معاناتهم. ما يطرح أسئلة كثيرة عن سبب ذلك. وهل تقوم المنظمات الإنسانية والإغاثية بالفعل بدورها في مساعدة النازحين؟ وانفاق مواردها والتبرعات التي تصل إليها بشكل سليم وناجع؟

بنى تحتية شبه معدومة في المخيمات

“براء بابولي”، المسؤول عن قسم المأوى في “فريق ملهم التطوعي”، أكد لموقع «الحل نت» أن «مشاكل عمل المنظمات في شمال وشمال غرب سوريا سببه ازدياد حاجات النازحين. وشبه انعدام خدمات البنى التحتية في مخيمات الشمال السوري. لأن المنطقة، التي تنتشر فيها الخيام، تعتبر منطقة مغلقة أو معزولة عن العالم، لذلك فالعجلة الاقتصادية فيها متوقفة تقريباً، ونسبة البطالة مرتفعة جداً. والناس يعتمدون بشكل شبه كلي على المساعدات الإنسانية».

ويتابع: «من المعوقات، التي تحول دون وصول المساعدات للأهالي، وجود كم كبير من النازحين في منطقة جغرافية صغيرة نسبياً، يعتمدون بشكل كامل على ما تقدمه المنظمات. ولذلك فإن عدد النازحين، المتواجدين في مخيمات الشمال السوري، أكبر بكثير من المساعدات التي تقدّم من جميع المنظمات العاملة. ما يجعل تكثيف الجهود الدولية والحكومية أمراً ضرورياً، لإيجاد حل فعلي للأزمة الإنسانية في مناطق شمال وشمال غرب سوريا».

هل المنظمات الإنسانية مقصّرة تجاه معاناة مخيمات الشمال السوري؟

وفي تعليقه على أسباب استمرار معاناة الأهالي في مخيمات الشمال السوري، يقول “عبد السلام يوسف”، مدير مخيم “التح” في ريف إدلب: «المنظمات الإنسانية لا تقدّم إلا حلولاً مؤقتة لمعاناة الناس. ولا تملك خططاً مستقبلية. فأكثر ما تفعله هو استبدال خيمة عند احتراقها أو تمزيقها. دون تجهيزها بشكل جيد. بل أنها توصل المياه عبر الصهاريج، دون محاولة بناء شبكة صرف صحي».

ويتابع في حديثه لـ«الحل نت»: «كان من المفترض أن تعمل المنظمات على بناء كتل أسمنتية منظّمة ومجهّزة بكل البنى التحتية في مخيمات الشمال السوري. ولكنها تقاعست عن ذلك. على سبيل المثال قامت “منظمة بنيان” بإنشاء مخيّم مسوّر، يحوي خيماً تشبه السفن، يطلق عليها الأهالي اسم “خيم الإجرام”، بسبب سوء أوضاعها».

ويخلص “يوسف” إلى أن «السبب الأبرز لمعاناة نازحي مخيمات الشمال السوري وهو تقاعس المجتمع الدولي. وعدم وجود أية ضمانات دولية أو عربية حول عودة المُهجّرين. توجد في المنطقة قرى خاوية تماماً. ففي ريف معرة النعمان لوحده هناك أكثر من خمسمئة قرية فارغة. وكان يجب على المجتمع الدولي أن يعيد الأهالي  لقراهم وبلداتهم».

وعن دور كل من الحكومة السورية المؤقتة، التابعة للمعارضة السورية، وما يسمى “حكومة الإنقاذ”، التابعة لهيئة تحرير الشام، في الحد من معاناة نازحي مخيمات الشمال السوري، يقول “اليوسف”: «هاتان الحكومتان تعملان بإمكانيات محدودة. ولكن يجب أن يكون العمل بين النازحين أكبر. وملزماً أكثر لكل الأطراف. ومنظّماً ضمن مبادرات لوجستية. عبر بناء مراكز لحوادث الحريق مثلاً، وتوفير فرق إسعاف أولية. وكل ما من شأنه تخفيف المعاناة. فالوضع مأساوي بكل المقاييس».

ضوابط يفرضها المانحون على العمل الإنساني

من جهته يرى الناشط الميداني “بشار دياب” أن «هنالك ضوابط تفرضها الجهات المانحة على المنظمات، وتلزمها بالقيام بإصلاحات محدودة فقط. فهناك رفض قاطع من بعض المنظمات لبناء أي سقف شادر أو جدران في مخيمات الشمال السوري. والخدمات التي تقدمها لا تزيد عن تقديم المياه والغذاء وبعض الأدوية. أما مشاريع بناء قرى كاملة، تتضمّن بيوتاً، تتوفر فيها الشروط الأدنى للحياة الإنسانية، فهي مستبعدة تماماً. لأسباب سياسية، تتعلق بعدم توطين المُهجّرين».

ويحمّل “دياب”، في حديثه لـ«الحل نت»، المجتمع الدولي مسؤولية «المعاناة الإنسانية في مخيمات الشمال السوري. فغياب الإرادة الدولية هو ما يؤدي لعدم وجود خطة عمل لدى المنظمات. ويجعلها مرتهنة دوماً لإرادة المانحين».

ماذا تفعل الحكومة المؤقتة لإنهاء معاناة النازحين؟

 “عبد الغني شوبك”، رئيس مجلس محافظة حلب الحرة، يحاول شرح دور المعارضة السورية في تخفيف معاناة نازحي مخيمات الشمال السوري. قائلاً: «تقدّم الحكومة السورية المؤقتة بشكل عام دعماً للمخيمات على عدة صعد. من خلال مـؤسـسـة الحبوب مثلاً، التي توزّع الطحين لأفران المخيمات. ومديرية الصحة، التي توفّر عيادات متنقّلة. إلى جانب مديرية شؤون النازحين والمُهجّرين، التي تقدم مواد إغاثية مختلفة. إضافة إلى لجنة مالية توزّع معونات نقدية لحالات محددة في المخيمات. هذا فضلاً عن التنسيق مع الدفاع المدني لمواجهة أي حالة طارئة. والتنسيق مع المنظمات المانحة، من خلال المجالس المحلية المنتشرة بالمناطق المحرّرة».

وفيما يخص موجة البرد الأخيرة، التي اجتاحت مخيمات الشمال السوري، يؤكد “شوبك”، في إفادته لـ«الحل نت»، أن «وزراء الحكومة المؤقتة قاموا بزيارات للمخيمات لتفقّد أوضاع النازحين. وتقديم مساعدات نقدية وعينية لهم». مضيفاً أن «محافظة حلب الحرة تتابع التنسيق والعمل مع الحكومة المؤقتة والمديريات الخدمية والمنظمات الإنسانية بشكل دوري. ويتم التعاون مع أكثر من جهة، مثل “فريق ملهم التطوعي” وجمعيات “إحسان” و”عطاء” و”وقف الديانة”، والهلال الأحمر القطري، ومنظمة “ihh” التركية، لبناء كتل أسمنتية للنازحين. وتم هذا في أكثر من موقع من مناطق إعزاز وصوران وقباسين وجرابلس».

إلا أن “شوبك” يرى أن «الحلول الجذرية لأزمة نازحي مخيمات الشمال السوري غير ممكنة. نتيجة استمرار موجات النزوح، واستمرار قصف النظام».

مختتماً حديثه بالقول: «نعم، هناك نقص في الخدمات الأساسية في مخيمات الشمال السوري. خاصة التجمعات العشوائية، التي يصعب الوصول إليها من قبل المنظمات الإنسانية. وازدادت المشكلة تعقيداً مع تساقط الثلوج وانقطاع الطرق. على الرغم من أن فرق الدفاع المدني ومنظومة الإسعاف تعمل وتواصل العمل منذ أسبوع لإيجاد حلول».

حجم الأضرار في مخيمات الشمال السوري

وكان مكتب “منسقو استجابة سوريا” قد أحصى حجم الأضرار، التي أصابت مخيمات الشمال السوري، إثر العواصف الثلجية. إذ تم تسجيل «أضرار ضمن أكثر من مئة وستة وسبعين مخيماً. كما انهارت أكثر من أربعمئة خيمة بشكل كامل. إضافة لأضرار جزئية في تسعمئة خيمة أخرى. وبلغ عدد الأفراد المتضررين من العواصف الأخيرة أكثر من ثلاثة وعشرين ألف نسمة. كما بات أكثر من ألفين وسبعمئة شخص دون مأوى. فضلاً عن مئتين وست وستين حالة مرضية، حوصرت بشكل كامل، وتعذّر نقلها إلى النقاط الطبية لتلقي العلاج. ومعظم تلك الحالات من الأطفال وكبار السن».

وأشار المكتب إلى أن «الدعم الإغاثي انقطع عن أكثر من اثنين وأربعين مخيماً. نتيجة انقطاع عديد من الطرقات داخل وخارج المخيمات. ما أسفر عن انتهاء العمر الافتراضي لأكثر من 90% من مخيمات الشمال السوري. مما يزيد من حجم الكوارث والأضرار الناجمة عن العوامل الطبيعية في المنطقة».

مقالات قد تهمك: أزمة لبنان الاقتصادية: هل ما زال العمال واللاجئون السوريون قادرين على الحياة؟

يذكر أن “فريق ملهم التطوعي” تمكّن من جمع أكثر من مليون دولار، لنقل مئتين وخمسين عائلة إلى شقق سكنية. عبر إطلاق حملة تبرعات، لاقت دعماً وتفاعلاً كبيراً من قبل السوريين والعرب. وما زالت الحملة مستمرة، لنقل بقية العائلات من مخيمات الشمال السوري. تحت شعار «حتى آخر خيمة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.