أزمة لبنان الاقتصادية: هل ما زال العمال واللاجئون السوريون قادرين على الحياة؟

أزمة لبنان الاقتصادية: هل ما زال العمال واللاجئون السوريون قادرين على الحياة؟

بدأت ملامح أزمة لبنان الاقتصادية والسياسية بالظهور في منتصف عام 2019. تبعتها أزمة تفشي جائحة كورونا العالمية. وانفجار مرفأ بيروت في السادس من شهر آب/أغسطس عام 2020، الذي حصل بالتوازي مع انهيار العملة المحلية. وتدهور الوضع المعيشي لطبقات المجتمع كافةً. وبحَسَبِ أقوال خبراءَ اقتصاديين وسياسيين فإن هذه الأزمة تُعدُّ الأسوأ على الإطلاق، منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990.

أزمة لبنان الاقتصادية اتسعت لتهددَ كل مقومات الحياة في البلاد. من الطعام والماء والدواء، إلى الوقود والاتصالات والكهرباء. ولم تثقلْ كاهل المواطن اللبناني فحسب، بل طالت العمال السوريين على الأراضي اللبنانية. وأكملت طريقها نحو اللاجئين.

وبحَسَبِ التقارير الاقتصادية سجّل سعر صرف الدولار مقابلَ الليرة اللبنانية، في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، أعلى ارتفاع له منذ بدء الأزمة. إذ بلغَ سعرُ الدولار الواحد ما يقارب خمسة وعشرين ألف ليرة لبنانية. مما أدى إلى تفاقم التضخّم. وارتفاع جديد في أسعار السلع الغذائية والدوائية.

وتشير التقارير نفسها إلى أن سعر ربطة الخبز بلغ 9000 ل.ل، مقابل 1500 ل.ل ما قبل الأزمة. وغالون المياه سعة عشرة ليترات 9500 ل.ل، مقابل 1500 ل.ل قبل الأزمة. وارتفع سعر تبديل جرة الغاز. فوصل إلى ثلاثمئة ألف ل.ل، مقابل أربعة عشر ألفاً قبل الأزمة.

مصادر محلية من العاصمة بيروت أوضحت لـ«الحل نت» أن «الانخفاض القياسي، الذي سجّلته الليرة اللبنانية مقابل العملات الأجنبية في الأسابيع الماضية، سببُه الشللِ الحكومي في التعامل مع الانهيار. إضافة إلى عواملَ خارجية عدة. لعل أبرزها الأزمةُ الدبلوماسية مع دول الخليج العربي، التي أُثيرَت على خلفية تصريحات “جورج قرداحي”، وزير الإعلام في الحكومة اللبنانية، بما يخص مِلَف حرب اليمن». وكل هذا يجعل أزمة لبنان الاقتصادية واحدة من أكثر المشاكل تعقيداً في المنطقة. وللسوريين، كالعادة، نصيبهم من تبعات الأزمات.

أزمة لبنان الاقتصادية تزيد من استغلال العمال السوريين

وصل “إسماعيل عبيد”، البالغ من العمر ستة وثلاثين عاماً، إلى لبنان قادماً من محافظة الرقة، شمال شرقي سوريا، في نهاية عام 2000. بعد أن اضطر لترك المدرسة لإعالة أسرته. وقد جرّب مهناً مختلفة، منها العمل في ورش البناء؛ ومساعدَ طبّاخ؛ وفي توصيل طلبات (الدليفري)؛ ويعمل الآن في سوبر ماركت، إضافة إلى عمله سائقَ دراجةٍ نارية لدى شركة “بولت”، التي تعمل في مجال النقل الداخلي.

يقول “إسماعيل” لـ«الحل نت»: «مع بداية أزمة لبنان الاقتصادية، وانهيار العملة، لم يعدْ راتبي في السوبر ماركت يسدُّ احتياجات أسرتي. المكوّنة من ولدين وبنت وأنا وزوجتي. فاضطررت إلى العمل في دوام آخر، سائقَ دراجة نارية لدى شركة توصيل عبر الانترنت».

ويكمل: «تابعت العمل في دوامين عدةَ أشهر. إلا أن هذا الوضع لم يدم طويلاً، فسرعان ما انهار الحالُ مع انهيار العملة. فقد كنت أتسلّم من عملي في السوبر ماركت سبعمئة ألف ليرة لبنانية. وأجني قرابة تسعمئة ألف ليرة لبنانية من عملي سائقَ دراجة نارية في شركة النقل. في حين يجبُ عليَّ أن أدفع مئة وخمسين دولاراً أمريكياً أجرةً للسكن. أي ما يعادل ضعفي ما أجنيه من المهنتين طوال الشهر، حَسَبَ سعر الصرف في السوق الموازية».

وعن التحديات التي فرضتها أزمة لبنان الاقتصادية يصف “عبيد” وضعه بالقول: «اضطررت، في الأشهر القليلة الماضية، إلى بيع ثلاجة منزلي، وفرن الغاز، لشراء ألبسة لأولادي. اضطررنا أيضاً إلى التخلي عن أكلِ اللحوم والأسماك. لتوفير أنواع أساسية من السلع الغذائية، مثل الخبز والخضار والحبوب».

تشغيل الأطفال بدلاً من تجويعهم

من جهتها تروي اللاجئة السورية (ن. ع)، التي تحفّظت عن ذكر اسمها لأسبابٍ شخصية وأمنية، أنها «أُجبِرَت على تشغيل ابنتيها. التي تبلغ أكبرهما عشر سنوات، والصغرى ثماني سنوات. في بيع الزهور على إشارة السير في منطقة “عين المريسة” في بيروت».

 وتعزو السيدة الثلاثينية، في حديثها لـ«الحل نت»، سببَ إقدامها على دفع ابنتيها للشارع إلى «أسبابٍ قاهرة»، على حد قولها. وتشير إلى أنَّها قبل ذلك «عملت جاهدة في مهنة تنظيف البيوت لدى أُسرٍ مختلفة. ولكن أزمة لبنان الاقتصادية، وانهيار العملة، وغلاء السلع الغذائية والدوائية، وأجور السكن والمواصلات، أدت إلى عجزها عن تأمين مصاريف ابنتيها وأجرة منزلها. المكوّن من غرفة واحدة. في حي “السلم” الواقع في ضاحية بيروت الجنوبية. وقد كان تشغيل بنتيها في بيع الزهور بديلاً عن تجويعهما». حسب قولها.

“عبود الخضر” هو عامل سوري من محافظة الحسكة، نزح مع أسرته إلى لبنان في مطلع عام 2015، واضطر بدوره لتشغيل أبنائه. قائلاً لـ«الحل نت»: «لم أستطعْ إرسال أولادي إلى المدرسة هذا العام مثل الأعوام السابقة. فراتبي من مهنتي (شيف مطبخ) يبلغ تسعمئة ألف ليرة لبنانية، أي ما كان يعادل ستمئة دولار أميركي. وكان يكفي لسدِّ احتياجات الأسرة. من طعام ولباس وأجرة سكن ونفقات مدارس الأولاد. أما اليوم، وبعد أزمة لبنان الاقتصادية، فلم تعد تسعمئة ألف ليرة لبنانية تساوي شيئاً. ولا تكفي لتأمين متطلبات الحياة».

ويعزو “الخضر” سببَ عدم إرسال أولاده الثلاثة إلى المدرسة، المدعومة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، إلى «ارتفاع كلفة النقل وأسعار الملابس والأدوات المدرسية. بعد أن فقد دخله 90% من قيمته الشرائية. كما أنه غير مُسجَّلٍ لاجئاً لدى مفوضية اللاجئين».

ومن جهتها صرّحت “ليزا أبو خالد”، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، أن «نسبة الطلاب من اللاجئين السوريين، غير الملتحقين بالمدارس لهذا العام، بلغت 48.20%».

عودة اللاجئين إلى الخيام بعد الأزمة

“عبد السلام الهرك”، لاجئ سوري مُسجَّل لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين منذ عام 2014، يروي لـ«الحل نت»: «اضررت، بعد ثلاثة أعوام من المكوث في مخيم اللاجئين في منطقة “سعد نايل” في محافظة البقاع، إلى الرحيل. بسبب الظروف اللاإنسانية فيه، من ناحية السكن والظروف المعيشية».

ويضيف: «انتقلت في مطلع عام 2017 مع أسرتي إلى منطقة “خلدة”، على أطراف العاصمة بيروت. واستأجرت شقة مؤلفة من ثلاث غرف ومطبخ. كانت بمثابة مأوى جيدٍ لي ولأسرتي المكوّنة من ثمانية أفراد. إلا أنه بعد بدء أزمة لبنان الاقتصادية وانهيار العملة لم تعد المساعدات المُقدَّمة من مفوضية اللاجئين، التي تبلغ قيمتها ثلاثمئة  ألف ليرة لبنانية لكل فرد، تكفينا. ولا عمل لديّ لأدفع أجرة السكن وأسدَّ نفقات أسرتي. فاضطررنا إلى تقاسم الشقة مع أسرتين من أقاربنا. من ثم أصبحت الشقة مجمّعاً سكنياً، يأوي أكثر من ثلاثين فرداً».

تعليقاً على هذا يقول (ق.ب)، وهو متطوع لدى جمعية “وصول” لحقوق الإنسان، إن «الصعوبات المعيشية والمالية ليست جديدة على اللاجئين السوريين. إلا أن أزمة لبنان الاقتصادية زادت الطين بله. إذ تواجه معظم العائلات صعوبات كبيرة في مواكبة انهيار العملة وارتفاع الأسعار ونقص الأدوية والمواد الغذائية».

ويضيف في حديثه لموقع «الحل نت»: «يحاول معظم اللاجئين التعامل مع الأزمة بعدة طرق. وغالباً ما تؤدي تلك الطرق إلى نتائج عكسية على وضعهم الصحي والمعيشي. فقد شهدت الفترة الأخيرة ازدياداً ملحوظاً في ظاهرة ترك اللاجئين للشقق والمجمعات السكنية، والانتقال للسكن في الخيَم. ضمن مخيمات اللجوء المتوزعة على مختلف الأراضي اللبنانية. الأمر الذي قد يضعهم في مواجهة عدة صعوبات، وخاصة في فصل الشتاء. إذ لا تقيهم الخيم موجات البرد والعواصف والفيضانات. ناهيك عن افتقار المخيمات المكتظة للبنى التحتية. والمرافق الخدمية الأساسية».

المتطوع، الذي رفض ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، يؤكد أن «سبب ازدياد ظاهرة عودة اللاجئين إلى الخيم هو عجزهم عن تسديد أجور السكن، وفواتير الماء والكهرباء. في ظل فقدان العملة المحلية لقيمتها، وتقاعس المجتمع الدولي عن إيجاد حلول جذرية ومستدامة لأزمة اللاجئين».

أزمة لبنان تهدد حياة اللاجئين

إلا أن أزمة لبنان الاقتصادية لم تؤثر فقط على القيمة الشرائية للعملة. بل لها آثارها شديدة الخطورة على صحة الناس، من مواطنين ووافدين. “جوري الربيع”، فنية أشعة ومتطوعة لدى منظمة “سوا للتنمية والإغاثة”، وهي منظمة إغاثية غير حكومية مقرها لبنان، أفادت لـ«الحل نت» أن «تردي الوضع الاقتصادي أثّر سلباً على القطاع الصحي في لبنان بشكل عام. وفرضت الأزمة صعوبات عديدة. لعل من أبرزها فقدان القطاع الصحي لكثير من أنواع الأدوية. وعدم توفر الأجهزة الطبية في المشافي العامة والخاصة. لصعوبة عملية استيراد وصيانة تلك الأجهزة، في ظل انخفاض العملة المحلية مقابل الدولار».

 وبحسب محدثتنا فقد «انعكست أزمة لبنان الاقتصادية بشكل سلبي على صحة اللاجئين السوريين. وهم الفئة الأضعف من بين الفئات المتضررة جراء الانهيار الاقتصادي. فبات من الصعب عليهم زيارة الطبيب. لعدم قدرتهم على دفع ثمن المعاينة الطبية. وإجراء الفحوصات وشراء الدواء. فاقتصرت زيارتهم على المراكز الصحية، المدعومة من منظمات دولية وجمعيات خيرية محلية. الأمر الذي تسبب بزيادة حالات الوفاة عند الاطفال وكبار السن».

وفيما يخص الوضع الصحي للأطفال اللاجئين تفيد “الربيع” أن «نقص الحليب في الصيدليات دفع كثيراً من الأسر الى إطعام الأطفال حديثي الولادة وجبات غذائية غير مناسبة لأعمارهم. إما لعدم توفّر أنواع حليب أطفال معينة، أو لعدم قدرة الأهل على شراء أنواعه الموجودة في الصيدليات».

مقالات قد تهمك: انعكاسات بوادر أزمة اقتصادية عالمية على الواقع المعيشي في سوريا

وبحسب الإحصائيات الأخيرة، التي نشرتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فإن 89% من أسرِ اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، بزيادةٍ قُدِّرَت بـ35% عن إحصائيات عام 2019.

وجاء في تقرير لمنظمة “اليونيسيف” أنَّ «معظم اللاجئين يعتمدون طرقاً سلبية في مواجهة تردي أوضاعهم المعيشية. على سبيل المثال التسوّل، واقتراض المال، والتوقف عن إرسال أطفالهم إلى المدارس، وتقليص النفقات الصحية، وعدم تسديد الإيجار».

وجاء في التقرير نفسه أن «60% من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون في مساكن مُعرَّضة للخطر، أو دون المعايير المطلوبة، أو مكتظة بساكنيها».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.