رغم أن قرار العملية العسكرية في الشمال السوري أصبح بيده، إلا أن موقف الرئيس التركي يتعقد يوما بعد يوم، بعد التهديدات التي أطلقها حول شن قواته هجوم على مناطق شمالي سوريا بحجة إقامة “المنطقة الآمنة“، لا سيما مع رفض الأطراف الدولية الفاعلة في الملف السوري لأي تحرك عسكري تركي في المنطقة.

وبعد إعلان الرفض الأميركي الواضح لأية عملية عسكرية يمكن أن يقوم بها الجانب التركي في الشمال السوري، لا يبدو أن روسيا هي الأخرى راضية عن العملية العسكرية التي تحدث عنها أردوغان قبل أيام، لا سيما وأنها ستؤثر على تمركز بعض قواتها في مناطق شمال شرقي سوريا التي لا تزال تحت إدارة دمشق.

مصالح روسيا

ويرى مراقبون أن روسيا سعت لتوجيه رسائل حادة إلى تركيا، بشأن أي تحرك عسكري محتمل، لا سيما بعد أن أكد وزير الخارجية الروسي الخميس أن قوات بلاده ستبقى في سوريا، وذلك رغم سحب بعض القوات تزامنا مع استمرار عمليات الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية.

قد يهمك: ما رسائل أردوغان من التلويح بعمل عسكري في الشمال السوري؟

تصريح لافروف جاء عقب أيام قليلة من التهديدات التركية، وفيما أبدت أنقرة أنها جادة في تهديداتها تزامنا مع بدء إرسال القوات العسكرية إلى الحدود مع سوريا، يبدو أن أردوغان أخذ خطوة للخلف بعد الرفض الأميركي ولاحقا الروسي لتلك التهديدات.

لافروف أشار إلى أن بلاده مستمرة في دعم القوات السورية، “لاستعادة كامل أراضي البلاد، لأنه لا تزال هناك وحدات من القوات المسلحة لدول لم يدعوها أحد“، في إشارة ربما إلى تركيا حسب قوله.

ويعتقد الكاتب بالشؤون الروسية طه عبد الواحد أن روسيا، لن تقبل بشن الأتراك عملية عسكري في الوقت الراهن في مناطق شمالي سوريا، مشيرا إلى تركيا تحاول استغلال بعض العوامل الدولية لتوسيع نفوذها في سوريا.

ويقول عبد الواحد في حديثه لـ“الحل نت“: “تركيا ترى أن الظرف مناسب لتوسع مناطق نفوذها في سوريا وهي تعتقد أن موسكو لن تقف ضد هذا الأمر، لأن روسيا الآن بحاجة لموقف تركيا، التي لم تنضم للعقوبات الأوروبية ورفضت توسع الناتو بانضمام فنلندا والسويد“.

ويضيف: “لكن غالب الظن روسيا لن تقبل بهذه العملية، لكن طبيعة الرد الروسي ربما تكون سياسية وباحتمال أقل، دعم القوات الكردية أو قوات النظام السوري، لعرقلة هذه العملية“.

وفيما إذا كان هناك احتمالية لقبول روسيا بالعملية التركية، فيؤكد الكاتب بالشؤون الروسية، أن موسكو ربما تحصل على مقابل يتعلق بإعادة سماح تركيا، للطائرات الروسية باستخدام أجوائها لنقل الأسلحة والموارد البشرية إلى القواعد العسكرية في سوريا، إذ سيكون ذلك ثمن الموافقة الروسية.

أميركا لن تسمح بذلك

المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، ساميويل وربيرغ، قال في مقابلة صحفية خاصة مع موقع “الحل نت” إن واشنطن تدين أي تصعيد وتدعم الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الحالية في سوريا، مبديا القلق الشديد للولايات المتحدة بشأن التقارير حول زيادة النشاط العسكري المحتمل في شمال سوريا، لما في ذلك من تأثير على المدنيين السوريين.

كذلك قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، للصحفيين، يوم الثلاثاء الماضي، إن من شأن تصعيد كهذا أن يعرض أرواح العسكريين الأمريكيين المنتشرين في المنطقة للخطر. وأضاف: “ندين أي تصعيد، ونؤيد الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الراهنة“.

بدورها، أكدت الأمم المتحدة تمسّكها بموقفها المُدافع عن سلامة ووحدة أراضي سوريا.

وقال الناطق باسم “الأمم المتحدة“، ستيفان دوجاريك “لن نقوم بالتعليق على فرضيات، ولكنني سأعيد التأكيد على موقفنا المدافع عن وحدة أراضي سوريا“. مشددا على أن “سوريا لا تحتاج إلى المزيد من العمليات العسكرية من أي جهة. ما تحتاج إليه سوريا هو حل سياسي، ما تحتاج إليه سوريا هو المزيد من المساعدات الإنسانية. هذان هما الأمران اللذان نعمل عليهما“.

ومنذ 2016 شنت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في سوريا، كان أولها “درع الفرات” (بين مدينتي اعزاز وجرابلس) التي قامت ضد تنظيم “داعش” الإرهابي وسيطرت بموجبه تركيا وفصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة على مناطق في شمال غربي سوريا مثل مدن جرابلس والباب التي كانت يسيطر عليها التنظيم الإرهابي، وتلاها ما أسمته تركيا بـ“غصن الزيتون” (عفرين) عام 2018، وعملية “نبع السلام” (بين مدينتي تل أبيض ورأس العين) عام 2019. هذه المناطق كانت تابعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتشكل فيها “وحدات حماية الشعب” العمود الفقري، والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لـ“حزب العمال الكردستاني” في سوريا، وهو الحزب المحظور في تركيا.

ماذا عن المنطقة الآمنة؟

بالتوازي مع التهديدات التركية بشن عمليات عسكرية في الشمال السوري، كان الرئيس التركي قد دعا الدول الأعضاء بـ “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) الحليفة لبلاده إلى دعم جهودها الرامية لإقامة منطقة آمنة على الحدود مع سوريا، لاستيعاب اللاجئين وضمان أمن حدود تركيا الجنوبية، وفق تعبيره.

وتابع خلال حديثه مؤخرا أمام نواب حزب “العدالة والتنمية “الحاكم بالبرلمان التركي “علينا أن نخاطب كل الحلفاء في المنطقة، وأيضا الحلفاء في حلف (الناتو)… فلتقفوا مع تركيا أمام هذه التحديات، ولا تمنعوها من السير قدما في إنشاء هذه المنطقة الآمنة، وإكمالها وتأمين الرفاهية فيها“.

وربيرغ بيّن خلال حديثه لـ“الحل نت” حول إمكانات إنشاء “المنطقة الآمنة” بأن الولايات المتحدة تدعو كافة الأطراف إلى وقف إطلاق النار وعدم التصعيد لأن هذا لا يصب في مصلحة الشعب السوري، كما أن وقف إطلاق النار هو الذي سيضمن ويساهم في استقرار المنطقة على المدى الطويل. “نبقى على اتصال بالمسؤولين الأتراك للحديث عن أي مخاوف أمنية، ولكن في الوقت الحالي من المهم جدا المحافظة على خفض التصعيد“.

قد يهمك: سوريون يعلقون على الإغراءات التركية لعودتهم “طوعا”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.