بالنظر إلى عدم وجود أية ظروف ملائمة تحتمل أي تصعيد عسكري واسع في الشمال السوري، يبدو أن التهديدات بالقيام بعملية عسكرية من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ما هي إلا مناورات سياسية، يسعى من خلالها الرئيس التركي إلى كسب أوراق سياسية خارجيا، إضافة إلى تحصيل المزيد من الأصوات مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.

في حين تسعى تركيا للعودة إلى مشروع “المنطقة الآمنة” التركية شمالي سوريا، وذلك في إطار سعيها لتنفيذ مشروع إعادة أكثر من مليون لاجئ سوري في تركيا إلى الأراضي السورية خلال الشهور المقبلة.

أردوغان يلوّح بعملية عسكرية

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هدد مساء الإثنين بعمليات عسكرية وشيكة في سوريا، اعتبرها إجراءات استكمالية لإنشاء المناطق الآمنة شمالي سوريا بمحاذاة حدود تركيا الجنوبية.

وجاء تصريح أردوغان عقب ترؤسه اجتماع الحكومة، في المجمع الرئاسي بأنقرة. وقال: “سنبدأ قريبا باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كيلومترا، على طول حدودنا الجنوبية (مع سوريا)“.

قد يهمك: سوريون يعلقون على الإغراءات التركية لعودتهم “طوعا”

ويرى الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي، أن الرئيس التركي يسعى لإرسال رسائل إلى أطراف دولية عدة، من خلال التلويح بعملية عسكرية بشكل منفرد في مناطق شمالي سوريا.

أهداف أردوغان

ويقول علاوي في حديثه لـ“الحل نت“: “هدف أردوغان الأول هو إرسال رسائل للأمريكان والأوروبيين، من جهة وللروس من جهة ثانية، مضمونها أنه إذا لم يتم تحقيق مصالح تركيا، فإنه من المحتمل البدء بعمل عسكري“.

ويضيف: “تركيا ستكون مع أي طرف يحقق لها مصالحها السياسية، وعسكريا هي تسعى للربط بين المناطق التي دخلتها سابقا بموجب عمليات عسكرية سابقة بالتعاون مع بعض الفصائل شمالي سوريا، لكن الآن أعتقد أنها مناورة سياسية فقط، كما أن أردوغان يحاول التأثير على نفسيات الناخبين الفترة القادمة“.

في حين يرى الكاتب السياسي، حسام نجار، بأن تركيا تحاول الاستفادة من كل الظروف و اللعب على وتر التوازنات “فهي على علاقة مع الجميع و لم تقطع خيوطها مع أحد بل أعادت فتح الخطوط المغلقة”.

ويتابع بالقول “روسيا بنفس الوقت أصبحت في وضع لا تحسد عليه ولاتريد انقلاب تركيا عليها لذلك ستجري تفاهمات عديدة لاحقا بما يخص المنطقة الآمنة التي تسعى لها تركيا منذ فترة طويلة”.

إمكانية التنفيذ

وحول إمكانية القيام بعملية عسكرية في الوضع الراهن، يعتبر علاوي أن الظروف حاليا لا تساعد على القيام بعمل عسكري واسع، ويضيف: “لا يوجد ظروف ملائمة لعملية عسكرية في المنطقة، هناك ظرف سياسي ملائم لمناورة سياسية وليس لحرب مفتوحة، ممكن نرى عملية قصيرة الأمد بمكان محدد فقط“.

من جانبه يؤكد الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة، بأن الولايات المتحدة لن تسمح في الوقت الراهن بإقامة “المنطقة الآمنة” التي تتحدث عنها تركيا، لا سيما في ظل استمرار نشاط الخلايا النائمة لتنظيم “داعش”.

ويقول خليفة لـ“الحل نت“: “في حال تم إنشاء هذه المنطقة، فستتحول إلى ساحة حرب دولية، أنا استبعد موافقة الولايات المتحدة إنشاء منطقة آمنة، لا سيما في ظل وجود خلايا نائمة لتنظيم داعش التي ستنشط أكثر بوجود المنطقة“.

وحول صعوبة اتجاه تركيا للعمل العسكري يعزز خليفة رأيه بالقول: “من ناحية أخرى الرئيس التركي يقول إن المنطقة الآمنة ستكون بعمق 30 كيلو متر، يعني ستشمل مدينة القامشلي، ونعلم أن المدينة يوجد بها مربع أمني للنظام وقوات روسية في مطار القامشلي“.

ويختم حديثه قائلا: “ولا ننسى أيضا أن قسد لديها تمركز قوي مؤخرا في كوباني، وبالتالي ستكون المعركة طويلة إن حصلت. الرئيس التركي وحكومته لن يذهبوا باتجاه عمليات عسكرية في الوقت الراهن، العمل العسكري سيكون مكلفا ولن يكون بمصلحة الحزب الحاكم“.

من جانبها استبعدت مصادر ديبلوماسية خاصة اليوم الثلاثاء، لـ“الحل نت” إمكانية حدوث عمل عسكري تركي في الشمال السوري، عازية ذلك لتأثيرات التوتر الدولي بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

كما أشارت المصادر إلى أن أي خيار عسكري لتركيا لا بد أن يمر عبر القنوات الدولية مع مراعاة عدم رفض “الناتو” وقوات “التحالف الدولي“، وهو أمر غير وارد في الوقت الحالي بحسب تعبير المصادر.

وفي رده على التهديدات التركية، أصدر المكتب الإعلامي لـ“قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مساء الاثنين، بيانا نفى فيه أي بوادر لتغيير استراتيجي في انتشار القوى الضامنة بمناطق نفوذها شمال شرقي سوريا، وذلك ردا على تصريحات الرئيس التركي.

واعتبر البيان، أن التصريحات التركية عن عمل عسكري تهدف إلى “تسخين الأجواء“، مستبعدًا عملية عسكرية فعلية في المنطقة.

كذلك لفت البيان إلى أن قوات “قسد“، “تدرس مستوى التهديدات التركية الفعلية والمتوقعة” لمناطق شمال شرقي سوريا، وتتبادل المعلومات مع القوى الدولية الضامنة.

ما هي المنطقة الآمنة؟

يدعم أردوغان ما يطلق عليه “المنطقة الآمنة” مدعيا إبعاد قوات “قسد” عن حدوده بلاده مقابل نقل لاجئين سوريين في تركيا إليها، والسماح للمعارضين في سوريا بالعثور على ملاذ بدون دخولهم الأراضي التركية، وفق زعمه.

وحول تفاصيل المنطقة الآمنة المزعومة والتي طُرحت لأول مرة في عام 2013، والتي تعتزم تركيا إقامتها على طول الحدود مع سوريا، فإن المنطقة الآمنة تشمل مدنا وبلدات من محافظات حلب والرقة والحسكة، وتمتد على طول 460 كيلومترا، على طول الحدود التركية السورية، وبعمق 30 كيلومترا.

وأبرز المناطق المشمولة في “المنطقة الآمنة” التركية، المعلن عنها عام 2019، المناطق الواقعة شمالي الخط الواصل بين قريتي صرّين (محافظة حلب)، وعين عيسى (محافظة الرقة).

كما تضم المنطقة الآمنة مدن وبلدات سري كانيه/رأس العين (مدينة تحت سيطرة تركيا)، وتل تمر، والدرباسية، وعامودا، ووردية، وتل حميس، والقحطانية، واليعربية، وديريك/المالكية (محافظة الحسكة).

وكذلك ستضم المنطقة كلا من كوباني/عين العرب (محافظة حلب)، وكري سبي/تل أبيض (الرقة) (مدينة تحت سيطرة تركيا). أما مدينتي منبج والقامشلي في ذلك فهما خارج “المنطقة الآمنة” التركية.

قد يهمك: تصعيد تركي في شمال شرق سوريا.. ما احتمالات ذلك؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.