برزت في السنوات الأخيرة فاعلية الطائرات بدون طيار في الحروب بشكل هائل، وقد شهدت الحروب والصراعات الأخيرة استخدام الطائرات بدون طيار بدءا من حرب الولايات المتحدة على الإرهاب والتي استمرت عقدين، مرورا باستخدام تركيا للطائرات بدون طيار في ليبيا وسوريا وأذربيجان وانتهاء في الحرب الروسية الأوكرانية.

لقد خلقت الطائرات المسيرة ثورة في الحروب والعقيدة العسكرية والتنظيم وهيكل القوة، وأظهرت معضلة أمنية للدول بسبب خواصها المتميزة، أولا؛ لفاعليتها القتالية الكبيرة رغم صغر حجمها وميزاتها التقنية، وصعوبة رصدها بواسطة الرادارات الحديثة مقارنة بالطائرات العسكرية التقليدية، وبالتالي فهي قادرة على اختراق أنظمة الدفاع الجوي للدول. ثانيا فإن تكلفة تصنيع الطائرات المسيرة منخفضة جدا مقارنة بصناعة الطائرات التقليدية، كما أن تقنيات صناعتها ليست معقدة كباقي أنواع الطائرات.

وأما العامل الثالث فيتمثل بأنها طائرات غير مأهولة، فهي بذلك تقلل من خطر إصابة الطيارين أثناء المعارك، إذا ما تم استهدافهم من قبل دفاعات الدول العدوة، فيما يتمثل العامل الرابع بسهولة نقل ونشر الطائرات المسيرة بحسب المعطيات والأهداف المرجوة. ونتيجة للأهمية المتزايدة للطائرات المسيرة دخلت العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط بسباق لصناعة أو حيازة هذا النوع من الطائرات مثل تركيا وإيران وإسرائيل والإمارات وأخيرا السعودية.

نناقش في سطور هذه المادة التنافس بين دول الشرق الأوسط حول تطوير واقتناء الطائرات بدون طيار العسكرية. 

إسرائيل 

تصنف الطائرات المسيرة الإسرائيلية من الطائرات الأكثر فاعلية في العالم إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية والصين، حيث تصنع إسرائيل الطائرة المعروفة باسم IAI MQ-5B Hunter، وهذه الطائرة قادرة على حمل حمولة قصوى تصل إلى 2700 كغم، والتي تشمل أنظمة مهام متعددة مثل الرادار (SAR)، والنظام العالمي للاتصالات المتنقلة (GSM)، وأجهزة الاستشعار وجمع المعلومات، والحمولات القتالية مثل القنابل الموجهة وصواريخ جو – أرض، ويمكن للطائرة أن تحلق أكثر من 30 ساعة بسرعة قصوى تبلغ 220 عقدة، والحد الأقصى لوزن الإقلاع المسموح به للطائرة هو 5670 كغم. 

الإمارات العربية المتحدة 

بدأت الإمارات العربية المتحدة الدخول في صناعة الطائرات المسيرة منذ عام 2002 بعد توطين عدد من الشركات الأجنبية داخل البلاد مثل شركة Adcom Systems، وتعد الإمارات تقريبا الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك تقنية صناعة الطائرات المسيرة. وقد أطلقت أبوظبي في عام 2013 طائرة Yabhon United 40 MALE ذات المهام المتعددة والقادرة على حمل حمولة قصوى تصل إلى 1000 كغم، والتي تشمل أجهزة استشعار وأنظمة مراقبة مثل منصات الكاميرا ورادار (SAR). وتتميز الطائرة بأربعة كبسولات أسفل الجناح لحمل ذخيرة يصل وزنها إلى 400 كغم. كما يمكن للطائرة أيضا اضافة حمولة خارجية بالقرب من بطن جسم الطائرة. ويمكنها أن تصل إلى سرعة قصوى تبلغ 118 كيلو متر بالساعة، ويمكنها الطيران بشكل متواصل لمدة 20 ساعة. كما تستورد الإمارات طائرات مسيرة متقدمة التكنولوجيا من الولايات المتحدة الأميركية والصين.

إيران              

يعد برنامج الطائرات بدون طيار الإيراني من أقدم البرامج في العالم، فقد بدأت طهران في إنتاج الطائرات في ثمانينيات القرن الماضي. وعلى مدى السنوات الماضية استطاعت إيران تطوير وتصنيع عدد من انواع الطائرات المسيرة، مثل” H-110 Sarir” المزودة بصواريخ جو – جو، وأبابيل 3 القادرة على حمل القنابل الموجهة، ولعل أبرز طائرات طهران بدون طيار هي “شاهد “129 التي يمكنها تنفيذ مهام المراقبة والضربات وتحلق بشكل متواصل لمدة 24 ساعة. كما كشفت إيران عن المسيرة “فوتروس” التي يمكن أن تبقى في الجو لمدة تصل إلى 30 ساعة، وهي مجهزة بصواريخ جو – أرض. 

المملكة العربية السعودية

تأخرت السعودية جدا في الدخول بعملية صنع الطائرات المسيرة، فقد أعلنت المملكة من خلال رؤية 2030 عن طموح البلاد للبدء بتصنيع الطائرات المسيرة، من خلال استيراد تقنية التصنيع عبر عقد اتفاقيات مع عدد من الشركات الدولية المصنعة، فقد توصلت السعودية إلى اتفاق مع تركيا بمنح الاخيرة ترخيص من شركة Vestel Savunma التي بدأت إلى جانب شركتين سعوديتين هما Intra Defense Technologies و Advanced Electronics Company في إنتاج طائرات بدون طيار في المصانع السعودية، كما وقعت مؤسسة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا والمؤسسة الصينية لعلوم وتكنولوجيا الفضاء اتفاقية لإنشاء مصنع Caihong UCAV في السعودية لتصنيع الطائرات المسيرة. وقد أعلنت المملكة العربية السعودية في عام 2018 عن مشروع تصنيع طائرتين بدون طيار من نوع Skyguard هما “حارس الأجواء” و “النورس” وهما مسيرتان ذوات عدة مهام من بينها المراقبة والرصد وتتبع الأهداف. إلى جانب ذلك  تمتلك السعودية طائرات بدون طيار من نوع Wing Loong الصينية، اضافة إلى RQ-1E Predator XP  الامريكية.  

تركيا 

تبنت تركيا مشروع تصنيع الطائرات المسيرة منذ فترة طويلة، وظهر أول نتائج مشروعها في عام 2016 بعدما نجحت في إنتاج أول طائرة بدون طيار عسكرية وهي طائرة العنقاء (Anka)، ودخلت الخدمة في الجيش التركي في عام 2017، وهي مصممة لتلبية متطلبات الاستطلاع والمراقبة والتعرف على الهدف والكشف للقوات المسلحة التركية. وتعتبر ANKA أحد أهم مشاريع صناعة الدفاع التركية، وميزاتها: القدرة على حمل قاذفة صواريخ جو – أرض، وصاروخ CIRIT 2.75in الموجه بالليزر، ويبلغ الحد الأقصى لوزن الإقلاع 1600 كغم ، والارتفاع الأقصى 30 ألف قدم، والقدرة على الطيران المتواصل بحدود 24 ساعة. والطائرة الثانية الأكثر شهرة هي Bayraktar TB والتي تم تطويرها وتصنيعها بواسطة شركة Baykar، ويتم إنتاج الطائرة بشكل كامل محليا، كما أنتجت الشركة طائرة Bayraktar TB-2، التي لها قدرة على الطيران المتواصل بحدود  24 ساعة والارتفاع 27.030 قدما. 

دور الطائرات المسيرة في الحروب الاخيرة 

شهدت الحروب في السنوات الأخيرة استخداما مضطردا للطائرات المسيرة، وكان أبرزها: 

الحرب في ليبيا 

شهدت ساحة الحرب الليبية أكثر حدة تنافس في استخدام الطائرات المسيرة، ففي نيسان/أبريل 2019، زودت تركيا حكومة “الوفاق الوطني” الليبية بطائرات بدون طيار من طراز Bayraktar TB-2، وفي الوقت نفسه، دعمت الإمارات قوات حفتر من خلال نشر طائرات بدون طيار صينية من طراز Wing Loong. gr] ساعدت الطائرات بدون طيار الصينية المجهزة بصواريخ وقنابل دقيقة بتوجيه قوات حفتر لاختراق دفاعات قوات “الوفاق الوطني”، وكادوا أن يسيطروا على العاصمة طرابلس. ومن ناحية أخرى ساعدت طائرات TB-2 التركية الصنع قوات حكومة “الوفاق الوطني” في إحباط المزيد من التقدم واستعادة المناطق التي استولت عليها قوات حفتر. ووفقا للأمم المتحدة شهد الصراع الليبي أكبر حرب بطائرات بدون طيار في العالم منذ عام 2019، بعدما سجلت الحرب الليبية أكثر من 900 مهمة بطائرات بدون طيار.  

الحرب الروسية الأوكرانية

منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا في شباط/فبراير 2022، تم رصد استخدام الطائرات المسيرة من قبل الطرفين، فقد استخدمت أوكرانيا الطائرات بدون طيار التركية TB-2، وأثبتت فعالية قتالية عالية ضد القوات البرية الروسية، فيما استخدم الروس بحسب معلومات صادرة عن المخابرات الأميركية طائرات بدون طيار إيرانية، وكشفت أيضا أن روسيا تستورد هذه الطائرات عبر مصنع اسسته إيران في طاجكستان، وقد ساعدت الطائرات بدون طيار القوات الروسية في ضرب مراكز حساسة في أوكرانيا. 

استهداف  مناطق في السعودية والإمارات من قبل جماعة الحوثي وإيران

تعرضت السعودية لضربات من طائرات مسيرة إيرانية استهدفت منشأة تكرير النفط التابعة لشركة “أرامكو” السعودية في بقيق في عام 2019، الأمر الذي دفع السعودية لتطوير قدراتها من الطائرات المسيرة، بالإضافة لأنظمة الدفاع الجوي المضادة لها. وفي نفس العام ضربت طائرات مسيرة مصدرها جماعة الحوثي وصناعتها إيرانية مواقع حساسة في الإمارات.  

أصبحت الطائرات بدون طيار جزء مهم واستراتيجي في خطط والعمليات العسكرية  للجيوش المتطورة. بالنتيجة فإن الدول العربية متراجعة جدا في مجال تصنيع الطائرات بدون طيار، وتتجاوز كل من إسرائيل وإيران وتركيا الدول العربية بمراحل متقدمة، وهذا يجعل الدول العربية متراجعة دفاعيا بهذا المجال إلى حين امتلاكهم لأساطيل تكافئ نظيراتهم إقليميا من ناحية العدد والكفاءة، ولهذا فإن دول الخليج وتحديدا السعودية تسعى لحيازة وتصنيع الطائرات المسيرة التي تحاول سد فراغها الدفاعي والأمني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات