لا تزال العملية العسكرية في شمال شرقي سوريا، التي هدد بها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل عدة أيام بزعمه أنها جاءت لخلق مناطق آمنة، تحدث ارتباكا لدى المجتمع السوري، سواء على المستوى المحلي أو السياسي، لا سيما وأن أنقرة تحاول استغلال الظروف الدولية والإقليمية بغية تحقيق أهدافها ومصالحها السياسية على حساب الأراضي السورية، إذ إن التلويح بالعملية العسكرية، يتزامن مع رغبة أنقرة في إحداث مساومة داخل “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) برفض دخول دولتي فنلندا والسويد إلى الحلف.

استنكار سياسي سوري

في حشد لمواجهة تبعات العملية التركية إذا ما حصلت على الأرض، دعت عدة أحزاب وتيارات سياسية سورية، اليوم الأحد، هيئات الأمم المتحدة المعنية، وكل القوى الديمقراطية في العالم للتحرك الفوري والعاجل لوقف الانتهاكات والجرائم بحق السوريين عموما.

كما دعت المنظمات، في بيان وصل لـ”الحل نت” نسخة منه، المجتمع الدولي “لمساعدة الشعب السوري لتجاوز محنته ودعم استقلاله واستقراره وحقه بالعيش بحرية وكرامة وسيادة”، مدينين بالوقت ذاته التصريحات التركية التي تلوح بعملية عسكرية في شمال شرق سوريا.

وأكد البيان، الذي حمل توقيع “أمارجي” لجان الديمقراطية السورية، وحركة الإصلاح – سوريا، وتيار اليسار الثوري في سوريا، ومجلس ايزيديي سوريا، والحزب الدستوري السوري، وهيئة التنسيق الوطنية – حركة التغيير الديمقراطي، أن سوريا بحاجة لحل سياسي يؤسس للاستقرار المستدام وليس لمناطق آمنة ترسخ تقسيم البلاد.

واتهمت القوى السياسية أنقرة، بتخطيطها لـ “تغيير ديموغرافي بحق الأقليات القومية والدينية وعموم السوريين الذين تعرضوا لأبشع الانتهاكات وجرائم الحرب، في ظل الوجود التركي والفصائل الموالية له، حيث تسعى تركيا لتحويل شمال سوريا إلى كيان تحت سيطرتها، الأمر الذي سيمكنها من فرض شروطها في مستقبل الحل السوري، ما يشكل خطرا حقيقيا على مستقبل القضية الديمقراطية ووحدة الأراضي السورية”.

سكوت دمشق عزز مطامع تركيا

إزاء هذه المحاولة التركية أو المساومة التي تسعى إليها، يعتقد الموقعون على البيان، أن أنقرة لا تزال تستغل عدم قيام حكومة دمشق بأية مبادرات جدية ومسؤولة تجاه اللاجئين السوريين، وتركهم ورقة في يد تركيا، كما إن تركيا تتخذ من اتفاقية أضنة الأمنية لعام 1998 ذريعة لـ”شرعنة تدخلها”.

وحمّل البيان، حكومة دمشق مسؤولية مباشرة عن كل ما تتعرض له سوريا وشمالها، من تدخلات أجنبية، “طالما أنها تمعن في رفضها، وعرقلتها لجميع الأفكار والمبادرات المرتبطة بمسار الحل السياسي، وتصر على تعنتها في إهمال المصالح ومطالب الشعب السوري”.

الجدير ذكره، أنه حتى الآن كل المعطيات والمؤشرات تفيد برفض أميركي وأوروبي للعملية العسكرية التركية المزمعة، وفي حال حدثت فستكون محدودة جدا.

وفي تصريح خاص لموقع “الحل نت”، جددت وزارة الخارجية الأميركية، الخميس الفائت، تأكيدها على رفض أية عملية عسكرية يمكن أن يقوم بها الجانب التركي في الشمال السوري.

المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، ساميويل وربيرغ، قال في حديث سابق لـ”الحل نت”، إن واشنطن تدين أي تصعيد وتدعم الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الحالية في سوريا، مبديا القلق الشديد للولايات المتحدة بشأن التقارير حول زيادة النشاط العسكري المحتمل في شمال سوريا، لما في ذلك من تأثير على المدنيين السوريين.

لا توافق دولي على عملية تركية جديدة

كان الرئيس التركي، قد هدد الاثنين الفائت، بعمليات عسكرية وشيكة في سوريا، اعتبرها إجراءات استكمالية لإنشاء المنطقة الآمنة التركية شمالي سوريا بمحاذاة حدود تركيا الجنوبية.

وجاء تصريح أردوغان عقب ترؤسه اجتماع الحكومة، في المجمع الرئاسي بأنقرة. وقال: “سنبدأ قريبا باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كيلومترا، على طول حدودنا الجنوبية (مع سوريا)”.

الخبير العسكري، أحمد رحال، وهو العميد الركن السابق في الجيش السوري، قال في حديث سابق لـ“الحل نت”، إن الجو الإقليمي والدولي لا يتحمل صراع جديد مع الحرب الروسية على أوكرانيا، مستبعدا عملية عسكرية تركية جديدة في الأراضي السورية.

وأضاف رحال، أن تركيا لن تضيع أوراقها في سوريا بصدام عسكري، في وقت تعزز موسكو قواتها في مدينة عين عيسى شمال الرقة وواشنطن تعيد انتشار قواتها إلى قاعدة “خراب عشك” بريف كوباني/عين العرب، التي أخلتها إبان عملية “نبع السلام” على منطقتي رأس العين وتل أبيض أواخر 2019.

الخبير العسكري، قال: إن “لا ضوء أخضر أميركي ولا روسي على المناطق المرشحة للعمليات التركية”، مبينا أن تركيا ترغب بعملياتها الجديدة على ثلاث مناطق متوزعة في الشمال السوري، منها منغ وتل رفعت غرب الفرات وهي محمية روسية وتحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والمنطقة الثانية هي منبح، كوباني/ عين العرب وعين عيسى وهي منطقة نفوذ روسية أميركية مشتركة، أما المنطقة الثالثة فهي تمتد من حدود عملية “نبع السلام” إلى الشرق باتجاه الحدود العراقية، على حد وصفه.

ومنذ 2016 شنت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في سوريا، كان أولها “درع الفرات” (بين مدينتي اعزاز وجرابلس) التي قامت ضد تنظيم “داعش” الإرهابي وسيطرت بموجبه تركيا وفصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة على مناطق في شمال غربي سوريا مثل مدن جرابلس والباب، وتلاها ما أسمته تركيا بـ”غصن الزيتون” (عفرين) عام 2018، وعملية “نبع السلام” (بين مدينتي تل أبيض ورأس العين) عام 2019.

وهذه المناطق كانت تابعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتشكل فيها “وحدات حماية الشعب” العمود الفقري، والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لـ”حزب العمال الكردستاني” في سوريا، وهو الحزب المحظور في تركيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.