بعد قرابة الثلاثة أعوام من طرحها أمام الأمم المتحدة، يعاود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحديث عن فرض “منطقة آمنة تركية” في الشمال السوري بقوة التصعيد العسكري هناك.

مؤخرا وبعد طرح أنقرة لمشروع إعادة أكثر من مليون لاجئ سوري في تركيا إلى الأراضي السورية خلال الشهور المقبلة، وإثر طلب الأتراك من “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) المساعدة بإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري مقابل الموافقة على انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، صدرت مساء يوم أمس الاثنين تصريحات رسمية تركية تشير إلى قرب انطلاق عملية عسكرية جديدة لها في الشمال السوري، على غرار آخر العمليات التركية هناك (نبع السلام أواخر عام 2019).

عملية عسكرية جديدة للأتراك في سوريا؟

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هدد مساء أمس بعمليات عسكرية وشيكة في سوريا، اعتبرها إجراءات استكمالية لإنشاء المناطق الآمنة شمالي سوريا بمحاذاة حدود تركيا الجنوبية.

وجاء تصريح أردوغان عقب ترؤسه اجتماع الحكومة، في المجمع الرئاسي بأنقرة. وقال: “سنبدأ قريبا باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كيلومترا، على طول حدودنا الجنوبية (مع سوريا)”.

وأضاف بأن العمليات ستبدأ بمجرد انتهاء تحضيرات الجيش والاستخبارات والأمن، لكنه لم يحدد موعدا محددا لتلك العمليات، ونوّه إلى أن أنقرة ستتخذ القرار المناسب حيال ذلك خلال اجتماع مجلس الأمن القومي الخميس المقبل.
كما أشار الرئيس التركي إلى أنه سيقوم بإجراء المحادثات اللازمة لضمان سير الأمور على ما يرام.

وأوضح أن “تركيا ستميز مجددا في هذه المرحلة، بين من يحترمون حساسياتها الأمنية، والذين لا يكترثون سوى لمصالحهم، وأنها ستصوغ سياساتها مستقبلا على هذا الأساس”، حسب تعبيره.

أردوغان كان قد أعلن مؤخرا أنه يحضر لعودة مليون سوري إلى بلدهم “بشكل طوعي”، وبأنه يريد أن يواصل ذلك بدعم دولي لتمويل إنشاء مساكن وبنى تحتية في شمال غرب سوريا.

في حين أصدر المكتب الإعلامي لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مساء أمس الاثنين، بيانا نفى فيه أي بوادر لتغيير استراتيجي في انتشار القوى الضامنة بمناطق نفوذها شمال شرقي سوريا، وذلك ردا على تصريحات الرئيس التركي.

واعتبر البيان، أن التصريحات التركية عن عمل عسكري تهدف إلى “تسخين الأجواء”، مستبعدًا عملية عسكرية فعلية في المنطقة.

كذلك لفت البيان إلى أن قوات “قسد”، “تدرس مستوى التهديدات التركية الفعلية والمتوقعة” لمناطق شمال شرقي سوريا، وتتبادل المعلومات مع القوى الدولية الضامنة.

قد يهمك: تصعيد تركي في شمال شرق سوريا.. ما احتمالات ذلك؟

تهديدات أردوغان قبيل “نبع السلام”

في 24 أيلول/سبتمبر 2019، عرض أردوغان، على الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة إقامة المنطقة الآمنة شمالي سوريا، مدعيا آنذاك بأن إنجاز هذه العملية قد يتيح إعادة مليوني سوري لوطنهم.

وقال أردوغان في ذلك الوقت، في كلمة ألقاها خلال اليوم الأول من أعمال الدورة الـ 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إن بلاده تواصل العمل مع الولايات المتحدة (خلال مرحلة إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب) على إقامة المنطقة الآمنة بعمق 30 كيلومترا وطول 460 كيلومترا والتي يجب إخلائها من مقاتلي “وحدات حماية الشعب”، المكون الأكبر لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والتي تزعم أنقرة أن تلك الوحدات هي امتداد لـ “حزب العمال الكردستاني” المحظور في تركيا.

وفي 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، أعلن أردوغان عن بدء عملية عسكرية جديدة ضد “وحدات حماية الشعب”، وذلك لتبرير عمليته العسكرية التي أسماها “نبع السلام” والتي بموجبها سيطرت أنقرة وقوات المعارضة السورية المدعومة من قبلها على أجزاء من محافظتي الحسكة والرقة (مدن رئيسية رأس العين وتل أبيض).

القوات التركية أطلقت عمليتها العسكرية “نبع السلام” في شمال سوريا (سري كانيه/رأس العين وكري سبي/تل أبيض)، وشنت وقتذاك غارات على تلك المنطقة ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا والجرحى فضلا عن نزوح أعداد كبيرة من المدنيين.

ونشر أردوغان آنذاك تغريدة على حسابه الشخصي على منصة “تويتر” قال فيها إن “القوات المسلحة التركية و-الجيش الوطني السوري- (معارضون مدعومون من أنقرة) بدأوا عملية “نبع السلام” في شمال سوريا”.

وبعد أيام من الاشتباكات بين “قسد” والقوات التركية، وافقت تركيا على هدنة رعتها روسيا والولايات المتحدة من خلال اتفاقين منفصلين، تسمح بانسحاب “قسد” عن الحدود مع تركيا، وقضت بسيطرة الأتراك على تلك المنطقة.

وبموجب الاتفاق الذي عُقد مع روسيا، يفترض أن تجوب دوريات روسية-تركية المنطقة الآمنة المتفق عليها، على جانبي المنطقة التي تسيطر عليها تركيا والمقاتلين من المعارضة السورية الموالين لها.

وأثنى الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وقتذاك على الاتفاق الروسي-التركي، واعتبره “نجاحا كبيرا”، في حين دفعت ألمانيا بفكرة الاستعانة بقوات أممية لضمان حماية المنطقة الآمنة.

لكن الخبراء أشاروا إلى أن تاريخ المناطق الآمنة لا يبعث على التفاؤل، وأن هناك مخاوف من أن الخطة التركية تعرض سكان المنطقة منهم الأكراد لخطر التهجير والإبادة العرقية.

وقال أحمد بن شمسي، من هيومان رايتس ووتش، إنه “لا يمكن (نقل) مليون شخص، ونقلهم إلى أرض خاوية بهذه البساطة”، وفق تقارير صحفية.

ما هي المنطقة الآمنة؟

يدعم أردوغان ما يطلق عليه “المنطقة الآمنة” مدعيا إبعاد قوات “قسد” عن حدوده بلاده مقابل نقل لاجئين سوريين في تركيا إليها، والسماح للمعارضين في سوريا بالعثور على ملاذ بدون دخولهم الأراضي التركية، وفق زعمه.

وحول تفاصيل المنطقة الآمنة المزعومة والتي طُرحت لأول مرة في عام 2013، والتي تعتزم تركيا إقامتها على طول الحدود مع سوريا، فإن المنطقة الآمنة تشمل مدنا وبلدات من محافظات حلب والرقة والحسكة، وتمتد على طول 460 كيلومترا، على طول الحدود التركية السورية، وبعمق 30 كيلومترا.

وأبرز المناطق المشمولة في “المنطقة الآمنة” التركية، المعلن عنها عام 2019، المناطق الواقعة شمالي الخط الواصل بين قريتي صرّين (محافظة حلب)، وعين عيسى (محافظة الرقة).

كما تضم المنطقة الآمنة مدن وبلدات سري كانيه/رأس العين (مدينة تحت سيطرة تركيا)، وتل تمر، والدرباسية، وعامودا، ووردية، وتل حميس، والقحطانية، واليعربية، وديريك/المالكية (محافظة الحسكة).

وكذلك ستضم المنطقة كلا من كوباني/عين العرب (محافظة حلب)، وكري سبي/تل أبيض (الرقة) (مدينة تحت سيطرة تركيا). أما مدينتي منبج والقامشلي في ذلك فهما خارج “المنطقة الآمنة” التركية.

وعرض أردوغان في 24 أيلول/سبتمبر 2019، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خطته المتعلقة بمنطقته الآمنة، والتي تظهر الشكل المفترض لهذه المنطقة، وبيّن وقتذاك: “بعد إقامتها، سيصبح بإمكاننا إعادة مليون أو مليوني لاجئ سوري إليها، سنتمكن من خلق ظروف ملائمة لهم، سواء بالتعاون مع الولايات المتحدة أم تحالف ما أو أي أحد آخر، لكن تركيا غير قادرة على القيام بذلك لوحدها”.

وزعم أردوغان: “في حال مد عمق المنطقة الآمنة إلى خط دير الزور- الرقة، سيكون بوسعنا رفع عدد السوريين الذي سيعودون من بلادنا وأوروبا وبقية أرجاء العالم لوطنهم إلى 3 ملايين شخص”.

وبحسب تقارير صحفية فإنه ورغم إدعاء تركيا بساطة هذه الفكرة نظريا. لكن كما أثبت الواقع من قبل، من أمثلة صراعات “البوسنة ورواندا والعراق وسريلانكا”، فإن خلق مناطق آمنة أكثر صعوبة مما يبدو.

هذا وينتشر استخدام مصطلحات متعددة في مناطق الحروب والنزاعات، مثل “مناطق آمنة” أو “مناطق محمية” أو “ممرات إنسانية” أو “بؤر آمنة”، لكنها تعني الشيء نفسه في النهاية.

وتُعرف منظمة “هيومان رايتس ووتش” المناطق الآمنة بأنها “مناطق تتوافق عليها الأطراف المتصارعة في نزاع ما، وتمتنع القوات المقاتلة عن دخولها أو شن هجمات عليها”.

وتختلف هذه المناطق من حيث المبدأ عن “المناطق منزوعة السلاح”، التي يُمنع فيها النشاط العسكري ويُحظر الطيران فوقها، لكن ثمة رابط بين وجود هذين النوعين من المناطق.

وبحسب تقارير صحفية وحقوقية، فإن منطقة الصراع ليست محلا خصبا لحفظ الاتفاقات بين الأطراف المتحاربة. وحال انهيار الاتفاق، يصبح المدنيون الذين احتموا بالمنطقة الآمنة عرضة للهجوم مرة أخرى.

ويقول البروفيسور ديفيد كيين، مؤلف ورقة بحثية عن المناطق الآمنة، إن “إطلاق اسم آمن على مكان ما لا يجعله آمنا”.

كما نوّهت “هيومان رايتس ووتش” في وقت سابق، إلى أن المنطقة التي تقترحها تركيا “لن تكون آمنة تماما”، وتنذر بخلق دفعات جديدة من المدنيين المهجرين، في غياب بنية تحتية مناسبة لإيواء هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين العائدين.

ويقول بن شمسي من المنظمة الحقوقية، إن “المناطق الآمنة دائما، وربما حتما، تمر بمشاكل أمنية”. ويضيف إن التجمعات الكبرى للمدنيين من مجموعة عرقية أو دينية بعينها يجعلهم أكثر عرضة للهجمات العرقية.

وأضاف أن هناك أيضا خطر اختلاط عناصر من المقاتلين بالمدنيين، ما يحول المناطق الآمنة إلى أهداف عسكرية مشروعة. وأن المدنيين خارج المنطقة الآمنة قد يعتبروا “هدفا مشروعا”.

قد يهمك: روسيا تغازل تركيا وإسرائيل في سوريا.. ما الذي يحصل؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.