السويداء باتت غير بعيدة عن التجاذبات الأخيرة في ملف الجنوب السوري بشكل عام، فهناك العديد من المؤشرات التي تدل على أن هذا الملف بات يقترب من تغيير استراتيجي، تحاول العديد من الأطراف لعب دور فيه، خاصة إيران التي تحاول باستماتة بعد الانسحابات الروسية السيطرة على المنطقة بأي ثمن، ولذلك كانت تعمل إيران منذ أكثر من سنتين على تجنيد ميليشيات مختلفة تتبع لها وتحصل على التمويل منها، ولكن جميع هذه الميليشيات تتبع لجهاز الأمن العسكري لضمان عدم الخروج عن مسارها المحدد والأهداف المرسومة لها إيرانيا.

التوتر المفتعل

العديد من المعلومات التي حصل عليها “الحل نت”، حول التوتر الذي حصل يوم مس الأربعاء شرقي السويداء، والذي أدى لوقوع اشتباكات في بلدة خازمة، تشير إلى أنه لم يكن بالصدفة أو نتيجة للاستيلاء على سيارة تابعة للأمن العسكري في المنطقة، إنما كان مخططا له مسبقا من قبل الأمن العسكري.

الصحفي نورس عزيز، خلال حديثه لموقع “الحل نت”، يرى أن مسألة السيارة التابعة للأمن العسكري لم تكن سوى حجة، إنما الهدف الحقيقي هو الاشتباك لإنهاء قوة مكافحة الإرهاب، بصرف النظر عن أي الجهتين أفضل من الأخرى.

ومن جهته، قال ماهر الباروكي، إعلامي من السويداء، لموقع “الحل نت”، أن ما جرى أمس ليس وليد الصدفة بل امتداد لتوترات بين ميليشيا الدفاع الوطني وقوة مكافحة الإرهاب، توترات تشهدها المحافظة منذ الإعلان عن تشكيل هذه القوة، والهدف منها إنهاء تواجد أي فصيل لا يكون تابعا للأمن العسكري.

وأضاف الباروكي، أن قوة مكافحة الإرهاب خسرت يوم أمس أحد أهم مقراتها في ريف السويداء الشرقي، كما قُتل قائدها سامر الحكيم، ما سيؤدي إلى تراجعها، وما سيدفعها لعدم التصعيد الذي لم تكن تميل له في الأصل، من أجل إعادة ترتيب أوراقها من جديد.

إقرأ:هل تشتعل شرارة التصعيد في السويداء؟

السعي للسيطرة

المنطقة الشرقية من السويداء، بما فيها الريف الشرقي وبادية السويداء، من أهم المناطق التي تحتوي طرق تهريب المخدرات إلى الأردن، لذلك هناك سعي من قبل كل الأطراف للسيطرة عليها، وسبق أن أعلنت قوة مكافحة الإرهاب عند تأسيسها في 2021 عن نيتها محاربة تهريب المخدرات، وتعتبر قرية خازمة التي وقعت فيها اشتباكات أمس أحد القرى التي تشرف على هذه الطرق.

ومن الواضح أن إيران وعبر ذراعها الأمن العسكري وجدت أنه من الممكن أن تشكل هذه القوة عائقا أمام عمليات التهريب بحسب مراقبين، أو قد تسعى للسيطرة على جزء من عمليات التهريب بحسب مراقبين آخرين.

نورس عزيز، يرى أن كل الأطراف تسعى للسيطرة على طرق تهريب المخدرات، وتسهيل عمليات حزب الله وإيران في عمليات التهريب، خاصة في ظل غياب كامل للدولة في المنطقة.

أما الباروكي، موضوع تجارة المخدرات لم يخرج أصلا من يد الأمن العسكري، إلا لجهات أمنية أخرى كل منها في موقعه، فالأمن الجنائي له ما يصادره من بعض التجار داخل السويداء، وكذلك المخابرات الجوية وأمن الدولة، ولكن كل ذلك وفق تراتبية تشير إلى أن المسيطر الحقيقي على هذه التجارة هو الأمن العسكري.

قد يهمك:الجماعات المسلحة في السويداء: هل تقاتل العصابات بالوكالة في النزاع الأميركي الإيراني؟

عملية استباقية

بحسب المشهد على الأرض في السويداء خلال الفترة الماضية فإن الوقائع أثبتت أن الأمن العسكري يرغب بالسيطرة على جميع الفصائل في السويداء، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

وفي هذا السياق، يرى نورس عزيز، هناك عدة أسباب برزت مؤخرا أدت إلى اشتباكات يوم أمس، منها تصريحات الملك عبدالله مؤخرا حول الانسحاب الروسي من الجنوب وتوجه إيران للسيطرة على المنطقة، واعتبار قوة مكافحة الإرهاب ضد الإيرانيين، هذه الأمور ولدت شعورا لدى الإيرانيين بأن هناك تغييرا قادما في الجنوب، وهذا ما عجل بالقرار بالقضاء على هذه القوة من خلال الأمن العسكري وقوات الفجر المتعاونة معها، وهي ميليشيا تم تأسيسها من قبل الأمن العسكري، وتتبع لإيران.

وأشار عزيز إلى أن قوة مكافحة الإرهاب تكاد تكون انتهت بعد عملية أمس، فعددها في الأصل لا يتجاوز 1000 عنصر عند تأسيسها، وخلال العام الماضي انسحب عدد من عناصرها لأسباب مختلفة، منها عدم وجود رواتب وحوادث أفقدت ثقة العناصر بقيادتهم.

وأيضا أشار الباروكي، إلى تراجع قوة مكافحة الإرهاب، نتيجة للعملية ، وهذا ما يعزز سيطرة الأمن العسكري والميليشيات التابعة له بشكل كامل على المنطقة، وبالتالي سيطرة إيران باتت أقوى.

إقرأ:توتر أمني جديد في السويداء.. ما الأسباب الحقيقية؟

ما سبب العملية في هذا الوقت؟

عمليات الإنسحاب الروسي، والتمدد الإيراني للسيطرة بدلا من الروس على الجنوب السوري يتطلب تحركات معينة وفي وقت معين لتعزيز هذه السيطرة دون عوائق.

وبحسب نورس عزيز، فإن قوة مكافحة الإرهاب، وحزب اللواء السوري، منذ تأسيسهما قاموا بمراسلة قاعدة التنف، لطلب الدعم والتدخل ضد المصالح الإيرانية، على اعتبار أنهم يملكون قوة عسكرية قادرة على القتال، ما جعل من القوة هدفا لا بد من إنهائه، على الرغم من أخطائها.

وبين عزيز، أنه في حال تم الانسحاب الروسي من الجنوب فستعمل إيران بكل إمكاناتها للسيطرة على الجنوب من خلال الأمن العسكري والميليشيات التابعة له، لتكون المنطقة بالكامل خاضعة لها لاستمرار تهريب المخدرات التي تشكل لها ولحكومة دمشق موردا ماليا مهما.

من جهته، يرى الباروكي، أن الجنوب هو الشريان الإيراني لتجارة وتهريب المخدرات، لذلك ستضع معظم قوتها للبقاء في الجنوب الموجودة فيه أصلا، ولكن ما يجري حاليا هو تغييرها لبعض الأدوات، ففي السابق كانت تعتمد على المخابرات الجوية، لكن الآن تظهر سيطرتها بشكل أوضح من خلال الأمن العسكري خاصة بتواجد اللواء كفاح ملحم رئيس شعبة الأمن العسكري.

قد يهمك:هذه أسباب استمرار التوتر الأمني في السويداء

الجنوب السوري، بمحافظاته الثلاث (درعا والسويداء والقنيطرة) يمثل الآن الهدف الإيراني الرئيسي، حيث ستعمل إيران على استكمال سيطرتها، في ظل قلق من الأردن وإسرائيل، مع أنباء عن تحضيرات تجري لتغيير المشهد في المنطقة الجنوبية بشكل كامل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة