لطالما حذرت الولايات المتحدة الأميركية في أكثر من مناسبة، أن أي تصعيد جديد في شمال سوريا من شأنه أن يقوض الجهود التي أدت إلى القضاء على تنظيم “داعش”، ويهيئ ظروف عودته وانتشاره من جديد، إلا أن ذلك لم يؤخذ بعين الاعتبار من قبل أنقرة، بعد إصرارها على شن عملية عسكرية في شمال سوريا.

ورغم إعلان “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والتحالف الدولي بقيادة واشنطن القضاء على “داعش” في آذار/مارس 2019، لا تزال خلاياه تنفذ هجمات بين الحين والآخر، تستهدف نقاطا في شمال البلاد، في حين زادت وتيرتها خلال الأسبوع الفائت، مع الضوء الأخضر الروسي لتركيا بعملية عسكرية في المناطق الشمالية لسوريا.

نشاط يثير الريبة

ضمن التطورات السياسية والعسكرية في سوريا، يرى خبراء أن زيادة التصعيد في الشمال يوحي بمستقبل مجزأ للبلاد، خاصة بالنظر إلى العدد الهائل من التدخلات الجوهرية في المنطقة، فسلسلة الأحداث سريعة التطور في سوريا، رسخت حالة الانقسام المقلقة بين مكوناتها، وجعلت من المستحيل تقريبا التغلب على الحواجز التي تم إنشاؤها والتي تتزايد يوما بعد يوم بين المواطنين.

يشير المحلل في الشأن العسكري، حاتم الفلاحي، في حديثه لـ”الحل نت”، أنه بشكل عام، تشهد مناطق شمال وشرق سوريا استقرارا ملحوظا ونموا مقبولا، مقارنة بالمناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش التركي و”الجيش الوطني” المعارض والمدعوم من أنقرة، التي تشهد فوضى ناتجة عن سوء الإدارة.

وينطبق الشيء نفسه بنظر الفلاحي، على المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، والتي تشهد فوضى أمنية مستمرة وأزمة اقتصادية خانقة، وعلاوة على ذلك، ظهرت خلافات داخلية داخل سلطات الدولة نفسها وبين حلفائها الروس والإيرانيين في نقاط كثيرة.

وعن عودة نشاط التنظيم، يوضح الفلاحي، أن تزامنه مع الفوضى التي ستخلقها العملية العسكرية التركية يثير الريبة، ويبعث مخاوف كان قد أكدتها تصريحات الإدارة الأميركية، بأنها تساهم في زيادة نشاط خلايا التنظيم في البادية السورية والقريبة من الشمال السوري.

وبيّن الفلاحي، أن واشنطن تسعى للحفاظ على مركزها في سوريا وتنفيذ أجندتها المتمثلة في تهدئة الجبهة الإيرانية ومواجهة نفوذ روسيا المتزايد في سوريا، وقد تعطي إدارة بايدن الآن الأولوية لدعم وتعزيز قدرات حلفائها في شمال وشرق سوريا من خلال مواجهة “داعش” ومنعها من الظهور مرة أخرى.

عودة “داعش”: حركة وسط سوريا

مسلحو “داعش” نفذوا ما لا يقل عن سبع هجمات مؤكدة في أيار/مايو الفائت في محافظات حمص ودير الزور وحماة، وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل ما لا يقل عن ثلاثة مقاتلين للجيش السوري ومدني واحد وإصابة ستة آخرين، وفقا لمركز الأزمات، استمرت العمليات المؤكدة للتنظيم في وسط سوريا في الارتفاع تماشيا مع أدنى مستوياتها التاريخية في نيسان/أبريل الفائت.

من المرجح أن يكون نشاط “داعش” في شهري أيار/مايو الماضي وحزيران/يونيو الجاري، نتيجة الحسابات الاستراتيجية للتنظيم، وعليه يؤكد المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأميركي، مهدي عفيفي، أن واشنطن لا يوجد لديها تفرقة كبيرة بين غرب الفرات وشرق الفرات حتى في المناطق التي تتنشر فيها القوات الروسية، إذ ترى الولايات المتحدة ألا يكون هناك أي صراع قد يؤجج ظهور “داعش”.

ويعتقد عفيفي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن الولايات المتحدة كانت واضحة وصريحة في الحديث مع تركيا بعدم القيام بأي عملية عسكرية تؤدي إلى اختلال التوازن الموجود حاليا بهذه المنطقة، بل على العكس فرضت واشنطن على تركيا الابتعاد بكل الطرق، لكن دائما تركيا تحاول استغلال المواقف.

ويؤكد عفيفي، أن “الرفض الأميركي لأي عملية تركية في غرب الفرات أو في أماكن معينة في سوريا، نظرا للتخوف من عودة “داعش” مرة أخرى، إذ ترى واشنطن أنه تم القضاء على التنظيم في تلك المناطق، وأن الأكراد كانوا حلفاء جيدين مع الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت هم من ساعد في دحر تنظيم داعش”.

خطط طويلة الأمد

وفقا لمركز الأزمات الدولي الذي يتابع نشاط تنظيم “داعش” دوليا، لم يكن هناك نشاط مؤكد للتنظيم في نيسان/أبريل الفائت، حيث انخفضت الهجمات عالية الجودة للشهر الثاني على التوالي، إلا أن شهر أيار/مايو نفذ التنظيم عدة هجمات، وهذا تزامن مع حشد تركيا لعملية عسكرية في شمال سوريا.

وفي السياق ذاته، استهدفت مقاتلات روسية أمس الجمعة، مواقع لتنظيم “داعش” في بادية الحماد عند المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق بنحو ثماني ضربات جوية.

وأفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، بأن المواقع المستهدفة كان يتحصن بها مقاتلو التنظيم، مشيرا إلى أن عدد الضربات الجوية التي نفذتها مقاتلات روسية على مواقع التنظيم في مناطق متفرقة من البادية السورية بلغ نحو 166 ضربة منذ مطلع يونيو/حزيران الجاري.

ولا يزال من غير الواضح ما هي خطط “داعش” طويلة المدى في البادية، إذ يثير تصاعد عمليات التنظيم في وسط سوريا أسئلة مثيرة للاهتمام حول سبب اختيار “داعش” التصعيد هنا مؤخرا، ومن المحتمل أن التنظيم استغرق وقته لدمج السجناء الذين أطلق سراحهم خلال هجوم في كانون الثاني/يناير الفائت على سجن في مدينة الحسكة، وحاليا يركز هذه الموارد على شمال سوريا بعد إعادة تجميعهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.