ثمة مساع توسعية لإيران بغرض الهيمنة على الاقتصاد السوري، مستغلة تراجع الوجود الروسي في البلاد، الأمر الذي ظهر مؤخرا عبر تجديد خط الائتمان بين طهران ودمشق والذي مهد له الرئيس السوري بشار الأسد أثناء زيارته الأخيرة إلى طهران، حيث تم التوقيع على مرحلة جديدة من هذا الخط، تشمل تزويد سوريا بمواد الطاقة والمواد الأساسية الأخرى لسد النقص الحاصل في تلك المواد. ووفق تقارير صحفية محلية، فقد وصلت ناقلتين من النفط الإيراني إلى بانياس أمس الاثنين.

يبدو أن هذه المساعي الإيرانية ستكون في إطار الهيمنة على قطاع المنتجات النفطية ومن ثم النقل البحري، وربما في مجال الطاقة لاحقا، بحسب المعطيات والتحركات الإيرانية الأخيرة في سوريا، فضلا عن السعي للتوجه نحو قطاع النقل البري. كل ذلك يثير التساؤل الآن، بخصوص المنتظر من فواتير تحصلها إيران بعد إعادة تفعيل الخط الائتماني، وشكل تكوّن معالم خريطة النفوذ الاقتصادي الإيراني بسوريا حيال ذلك.‏

توسيع الهيمنة الإيرانية

مصادر مطلعة في طهران، كشفت لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الثلاثاء، أن الناقلتين اللتين وصلتا السواحل السورية يوم الاثنين، كانتا أولى دفعات تفعيل الخط الائتماني الجديد بين إيران وسوريا. وبذلك سيوفر هذا الخط الائتماني لدمشق البنزين والمازوت والفيول، حيث تحتوي هاتان الناقلتان على مليوني برميل من النفط الخام وقد وصلتا إلى مصفاة بانياس لبدء عملية التكرير.

والمقصود بالخط الائتماني بين الدول، تقديم تسهيلات مالية وقروض ذات فوائد ميسرة، تمنحها البنوك والمؤسسات المصرفية والمالية في دولة ما، لعملائها في دولة أخرى، ضمن قيمة محددة متفق عليها، شريطة تسديده في إطار زمني متفق عليه بين الجانبين. وبحسب الصحيفة، فإن وصول الناقلتين الإيرانيتين إلى سوريا جاء في إطار تفعيل الخط الائتماني بين دمشق وطهران، بعد زيارة الأسد الأخيرة لطهران.

وقد زار الأسد طهران في الثامن من أيار/مايو الفائت، ووفق الخارجية الإيرانية، “الأسد بالرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي وبحضور وزير الطرق لمتابعة الملفات الاقتصادية والتعاون بين البلدين”. وأضافت الخارجية آنذاك: “رسالة زيارة الأسد إلى طهران هي دخول سوريا إلى مرحلة جديدة، ولتوطيد العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية بين الجانبين”.

وفي هذا الصدد، يرى الباحث الاقتصادي في مركز “جسور للدراسات”، خالد التركاوي، أن ” إيران دخلت أكثر من مجال وقطاع في سوريا وحصلت على استثمارات حتى في مجالات المؤسسات العامة مثل الصوامع والمطاحن والشركات العقارية و الأراضي المملوكة للدولة السورية أي أنها دخلت في مجالات مختلفة ومتنوعة وحتى في مجال القطن والنسيج”.

وأردف في حديثه لـ”الحل نت”، “بالطبع كل هذا على حساب المؤسسات الحكومية العامة، وبالتالي فإن (حكومة دمشق) تحول مؤسساتها الحكومية ذات الطبيعة الاستثمارية إلى شركات إيرانية، إلى جانب منح تراخيص للإيرانيين بشكل غير مسبوق في مختلف القطاعات، أبرزها قطاع النقل والطيران، أي أن دمشق تمنح إيران هذه الامتيازات مقابل ديونها القديمة لخطوط الائتمان الإيرانية، وبذلك تكون دمشق قد دفعت الجزء الأكبر من هذه الديون”.

ووفق تقدير الباحث الاقتصادي فإن الجزء الآخر من الديون ربما يكون بفتح المجال للإيرانيين للدخول في استثمارات في قطاعات أخرى مثل قطاع التعدين والموانئ وربما حتى قطاع الاتصالات والمتعلقة بمشاريع الطرق والإسكان. هذا هو الثمن المتوقع خلال الفترة المقبلة مقابل خط الائتمان الإيراني لدمشق.

وخلص الباحث الاقتصادي إلى أن تغلغل إيران في سوريا هو بثلاثة مستويات؛ الأول وفق تعبيره إن إيران كان لديها تغلغل عسكري منذ بداية عام 2012-2011، ثم بدأت بالتغلغل اجتماعيا في سوريا واستطاعت السيطرة اجتماعيا إلى حد ما على بعض المناطق مثل منطقة السيدة زينب وبعض المناطق في حمص مثل منطقة المزرعة وجزء من القصير وبعض مناطق في حلب ودير الزور، بمعنى أنه بالمجمل باتت لديها حاضنة شعبية في العديد من المناطق السورية، وهذا يعتبر المستوى الثاني بعد التغلغل العسكري وبالتالي جاء المستوى الثالث من خلال التغلغل الاقتصادي فقد شهدت الأسواق السورية مؤخرا تواجد العديد من المنتجات الإيرانية، وهذا بالتأكيد يعود إلى الفراغ الموجود بالسوق السوري وعدم وجود مستثمرين في سوريا نتيجة الأوضاع الراهنة، وبالتالي إيران تتمدد وتهيمن قدر المستطاع على الاقتصاد السوري وكل ذلك بموافقة الحكومة السورية، وفق تعبير الباحث التركاوي.

من جهته يرى الخبير الاقتصادي عماد العلي أن “هذا الخط تم تفعيله بهدف السيطرة على اقتصاد دمشق، وتحقيق أهداف عسكرية واجتماعية أيضا، وجرت العادة عند التوقيع على أي اتفاقية لإنشاء خط ائتماني بين دولتين، أن يتم ذلك من قبل أحد البنوك المعنية بهذا النشاط سواء كانت تجارية أو صناعية أو المركزية، والناقلتان الإيرانيتان اللتان وصلت إلى بانياس، محملتان بنحو مليون ونصف برميل من النفط الخام، تكفي دمشق خمسة عشر يوما فقط”.

وبتقدير الخبير الاقتصادي الذي تحدث لـ”الحل نت”، فإن “الشروط المتوقعة وغير المعلنة ضمن هذا الاتفاق يتوقع أن تكون بزيادة التدخل العسكري الإيراني في سوريا وملء الفراغ الذي قد يتركه انسحاب القوات الروسية. بالإضافة إلى التخلص من القادة العسكريين والمدنيين غير الموالين لإيران، أيضا هناك حاجة إيران للفوسفات السوري المباع لروسيا وإمكانية تعديل العقود مع الجانب الروسي لمنح إيران حصة منها”.

قد يكون هناك أيضا وفق العلي، “استثناء للشركات الإيرانية من الالتزام بالقوانين والأنظمة المالية والجمركية المعمول بها في سوريا مع منحها ميزة تفضيلية في المعاملات المالية والتجارية، وعلى الصعيد الاجتماعي أيضا، أي إطلاق يد إيران في نشر عقيدتها بشكل أكبر في المجتمع السوري”.

وبالعودة إلى تقرير صحيفة “الوطن” المحلية، فقد زعمت المصادر بأن التأخير الذي حدث خلال الأشهر الماضية بوصول الإمدادات النفطية كان نتيجة التعديلات التي طرأت على آلية عمل الخط الائتماني بين البلدين، بعد تشكيل حكومة جديدة في إيران، وأن زيارة الأسد الأخيرة إلى طهران ساهمت بحل العقد الفنية والتعجيل بإرسال الإمدادات النفطية.

بينما يرى مراقبون اقتصاديون أن سبب التأخير يأتي في إطار أطماع إيران للاستثمار واستغلال الوضع في سوريا، وأن الارتفاع الأخير الصادر من قبل حكومة دمشق حول أسعار المشتقات النفطية بحجة ارتفاعها العالمي، دليل واضح على أن إيران تحاول التجارة بالمشتقات النفطية عبر هذا الخط الائتماني. حيث يأتي ذلك في ظل تزايد التوقعات بارتفاع جديد في أسعار المشتقات النفطية بسوريا.

كذلك فإن مصادقة دمشق الأخيرة على تأسيس شركات إيرانية بحتة بنسبة 100 بالمئة تعكس أيضا تركيز إيران على التوسع في الاقتصاد السوري، والبدء بالاستثمارات في سوريا بشكل فعلي وأكبر، وصولا لخلق طبقة اقتصادية موالية لإيران، يعززها تجديد خط الائتمان بين دمشق وطهران.

قد يهمك: إعادة تفعيل الخط الإئتماني الإيراني في سوريا.. بماذا تستفيد دمشق؟

التفاف ومراوغة حول العقوبات الدولية

الصحيفة المحلية، أضافت بأن وصول الناقلات سيتوالى بشكل طبيعي وفق جدول زمني محدد ومن دون تأخير، بعد بدء العمل بالخط الائتماني مع إيران مجددا.

وبحسب مسؤولين إيرانيين، فإن الهدف من الخط الائتماني بين سوريا وإيران، هو تجاوز العقوبات المفروضة على البلدين، خاصة بالنسبة لسوريا، على اعتبار أن هذه الأموال ستسهم بتخفيف الضغوطات الاقتصادية الناجمة عن الحرب والعقوبات.

ولكن المعطيات الاقتصادية لا تشير لذلك، فوفق خبراء اقتصاديون قالوا سابقا لـ”الحل نت”، إن دمشق مجبرة على استيراد النفط من دول كإيران والبرازيل وروسيا، ولا تستطيع إبرام عقود شراء من السوق العالمية.

كما ويرى مراقبون، أن تفعيل الخط الائتماني الإيراني يعطي مرونة للتاجر في عملية الشراء ثم إعادة أثمانها بالدولار الأميركي، فضلا عن توفير نوع من التسهيلات البنكية بين دمشق وطهران، حيث يضمن الخط تسديد البنوك الإيرانية الأموال المستحقة للبضائع والسلع أبرزها المشتقات النفطية، على أن تقوم دمشق بتسديدها بعد الانتهاء من عملية البيع في السوق السورية.

وبذلك، فإن قرار إيران بإعادة تفعيل الخط الائتماني جاء على إثر التضخم الذي يعاني منه اقتصادها، وزيادة الطلب على السلع والبضائع سيعمل على تحريك السوق الإيرانية من نواح عديدة، كما يضمن لها استرداد الديون السابقة المترتب على دمشق، أو في سبيل الحصول على امتيازات جديدة داخل الأراضي السورية.

وعلى مدار السنوات الماضية، فتحت حكومة دمشق الأبواب أمام إيران للاستحواذ على العديد من القطاعات الاقتصادية، ذلك ما أكده المسؤولون السوريون مرارا، وفق تسمية “تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين”. كما وضعت إيران نفسها بمكان استراتيجي واعتبرت نفسها العمود الفقري للاقتصاد السوري، من خلال تزويد دمشق بشريان الحياة من السلع ومصادر الطاقة، في المقابل، سيطرت على أجزاء رئيسية من البلاد.

قد يهمك: مخاطر من عودة النفط الإيراني إلى دمشق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.