مع تصاعد التوتر بين أوروبا وروسيا، يبدو أن الأخيرة ستواصل ابتزاز الغرب في ملفات عدة، قد يكون من أبرزها الملف السوري لاسيما ملف المساعدات الإنسانية العابرة للحدود شمال غربي سوريا، وذلك عبر محاولة عرقلة تمديد الآلية، التي تسمح بإيصال المساعدات عبر معبر “باب الهوى” على الحدود السورية التركية، ما يعني أن الدول المانحة بحاجة إلى خيارات بديلة في حال اصطدامها بالفيتو الروسي المحتمل داخل مجلس الأمن مطلع الشهر المقبل.

تحذيرات مستمرة

مع اقتراب انتهاء مدة آلية دخول المساعدات الأممية إلى سوريا، طالبت غالبية الدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولي بضرورة تمديد الآلية، من أجل استمرار وصول المساعدات إلى الشمال السوري عبر الحدود الشمالية.

وتزامنا مع التهديدات الروسية، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش في كلمته خلال جلسة أعضاء مجلس الأمن، الإثنين، من “الوضع الإنساني المزري لملايين الأشخاص“، وأوصى أعضاء المجلس بتمديد آلية المساعدات لمدة عام من معبر “باب الهوى” على الحدود التركية.

من جانبها، اعتبرت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة ليندا توماس غرينفيلد، أن تمديد التفويض الحالي لآلية المساعدات عبر معبر باب الهوى بمثابة “قرار حياة أو موت“.

وقالت في كلمتها خلال الجلسة: “المطلوب الآن هو المزيد من إيصال المساعدات عبر الحدود، ومن الواضح أن الفشل في تجديد تفويض المعبر الحدودي ستكون له عواقب وخيمة“.

عرقلة روسيا للملف

أما نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة السفير ديمتري بولانسكي، قال في كلمته: “نحن مقتنعون تماما أن تنظيم إيصال المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع دمشق ممكن في جميع مناطق سوريا، وبمساهمة من حكومة البلاد بكل الطرق الممكنة“.

وأضاف أنه “من الممكن أيضا أن يزداد إمداد شمال غربي سوريا بالمساعدات عبر خطوط التماس بعد إغلاق معبر باب الهوى“.

خلال الأشهر الماضية هددت روسيا في عديد المناسبات بوقف آلية دخول المساعدات إلى سوريا، وذلك عبر عرقلة تمديد الآلية في مجلس الأمن باستخدام الفيتو، إذ ترى موسكو أن دخول المساعدات إلى سوريا يجب أن يتم عبر حكومة دمشق، التي بدورها ستشرف على توزيع المساعدات على المناطق السورية بما فيها الخارجة عن سيطرة قواتها.

الكاتب والمحلل السياسي عمر كوش، يرجّح أن تستخدم روسيا هذه المرة الفيتو، أمام قرار مجلس الأمن “2585”، الخاص بتجديد تفويض دخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق الشمال السوري.

وحول خيارات المجتمع الدولي في حال عجز مجلس الأمن عن إيصال المساعدات ,يقول كوش في حديث خاص لموقع “الحل نت“: “الخيارات متروكة أمام الدول الكبرى، التي يهمها أن تصل المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري، الحل هنا هو الدعوة لاجتماع استثنائي وخاص للجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل استصدار قرار وفق الهيئة العامة بهدف إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا“.

قد يهمك:خسارات روسية متلاحقة في أوكرانيا.. ماذا بعد؟

ويضيف: “هذا القرار سيكون خارج إطار مجلس الأمن الدولي، بمعنى تفادي الفيتو الروسي. إذا حصل هذا القرار فتستطيع الدول أن تتفق على آلية (مناسبة) من أجل إدخال هذه المساعدات، وبالتالي المنظمات العاملة شمالي سوريا تستطيع أن تتخلص من التفويض الممنوح بالقرار الأممي عبر مجلس الأمن، إلى آلية جديدة بمعزل عن مجلس الأمن“.

وكان مبعوث الرئاسة الروسية إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، قال على هامش محادثات “أستانا” في جولتها الـ18 قبل أيام: “لم نرصد حتى الآن أن الغرب بصدد تخفيف عقوباته، فعلا تم إنشاء هذه الآلية كإجراء مؤقت، والأغلب ظنا أنه حان الوقت لإيصال كل المساعدات التي يقدمها المجتمع الدولي بالطريقة المشروعة عبر دمشق“.

وأضاف بحسب ما نقلت وسائل إعلام روسية: “لم ينفذ الغرب جميع الالتزامات التي وعد بها قبل عام بشأن تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، ولذلك فإننا سنبحث، غالب الظن، مسألة إلغاء آلية المساعدات عبر الحدود“.

وتسعى موسكو لاستغلال ملف المساعدات الإنسانية، لابتزاز الأوروبيين والولايات المتحدة الأميركية، وكانت قد رفضت في المرات السابقة تمديد الآلية المعمول بها، قبل أن توافق مقابل الحصول على مكاسب سياسية أو في ملفات أخرى.ويرى محللون أن روسيا ستبدي تصلبا أكثر هذه المرة لأن موقفها التفاوضي صعب بسبب تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، وما أدى إليه ذلك من تصعيد الغرب للضغوط عليها، ما يجعل التنازلات التي ستطلبها هذه المرة كبيرة جدا وقد تشمل الملف الأوكراني

.روسيا في مواجهة العالم

سيؤدي الرفض الروسي لآلية إدخال المساعدات إلى مزيد من التوتر بين روسيا والعالم، وتحديدا مع تركيا التي لا تريد بالطبع إغلاق معبر “باب الهوى” أمام تدفق المساعدات الخارجية إلى مناطق نفوذها بالشمال.

واعتبر تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية، أن الإغلاق المحتمل لآخر معبر متبقٍ لمرور المساعدات إلى سوريا “باب الهوى” خلال تصويت لمجلس الأمن الدولي، الشهر المقبل، يُعد “ضحية أخرى” لانهيار العلاقات بين الغرب وروسيا.

وأكّد التقرير على أن أي “عرقلة إنسانية وخيمة” في حال عرقلة تمديد القرار، ستشمل تعطيلا فوريا لعمليات الأمم المتحدة الإغاثية المنقذة للحياة، وإغراق الناس بشمال غرب سوريا في “بؤس أعمق“.

وينتهي التفويض الأممي حول المساعدات العابرة للحدود، في مطلع تموز/ يوليو المقبل، حيث ترتفع وتيرة التحذيرات من عرقلة روسية لتجديد التفويض، خلال جلسة لمجلس الأمن الشهر المقبل.

وأصدر مجلس الأمن قرارا لأول مرة في عام 2014، بإيصال المساعدة إلى شمالي سوريا عبر أربعة معابر حدودية، من دون موافقة الحكومة السورية، لكن منذ عام 2020، اُستبعدت ثلاثة معابر من نطاق القرار بسبب التعنت الروسي في المرات السابقة، وبقي “باب الهوى” المعبر الحدودي الوحيد المتبقي المصرح به بسبب معارضة روسيا.

وأكد فريق “منسقو استجابة سوريا“، في بيان له، أن أكثر من 4.3 مليون مدني بينهم مليون ونصف يعيشون في مخيمات شمال غرب سوريا، ينتظرون بصمت مصيرهم، ويترقبون “فيتو” روسيا الجديد في مجلس الأمن الدولي لإغلاق معبر باب الهوى أمام المساعدات الإنسانية.

وكان “مجلس الأمن الدولي” تبنى قرارا العام الماضي، يقضي بتمديد إيصال المساعدات إلى سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، عاما إضافيا على مرحلتين، تبلغ مدة كل واحدة منها ستة أشهر.

ويعتمد أكثر من ثمانين بالمئة من سكان شمال غرب سوريا على هذه الآلية بحسب الأمم المتحدة.

اقرأ أيضا: بريطانيا تحذر من حرب عالمية ثالثة بسبب روسيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.