العديد من المتغيرات التي طرأت مؤخرا عل الساحة السورية في الشمال، فمن جهة لا تزال تركيا تصر على موقفها من تنفيذ عملية عسكرية باتت محدودة الأهداف على الأرض، ووساطة إيرانية بين أنقرة ودمشق من أجل إحياء العلاقات بين الطرفين، ووسط ذلك بدأت زيارة متزامنة لكل من الرئيس السوري بشار الأسد، ووزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى حلب، لتتحول المحافظة إلى مركز لتبادل الرسائل بين الطرفين من جهة، والأطراف الدولية من جهة أخرى، وسط حديث عن تقارب محتمل بين الطرفين، أقله تنسيق أمني عالي المستوى، ورسائل سياسية بوساطة روسية من جهة أخرى.

رسائل واضحة

يوم أمس السبت، شهدت مدينة حلب زيارة متزامنة للرئيس السوري بشار الأسد، ووزير الدفاع التركي خلوصي أكار، حيث زار الأخير قواته في ريف المحافظة الشرقي، بينما تجول الأسد في المدينة للمرة الأولى منذ العام 2011، وزار عدة مشاريع أبرزها المحطة الحرارية لتوليد الكهرباء.

الأسد لم يصدر كعادته تصريحات معادية لتركيا، إنما اكتفى القول أن الإرهابيين ليسوا بعيدين عن المدينة، في حين أن الوزير التركي جاء ليؤكد بشكل غير مباشر الوجود التركي في المنطقة كلاعب من لاعبين متعددين في سوريا.

الكاتب السياسي، حسان الأسود يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الرسائل بين تركيا والأسد واضحة من حيث محاولة تثبيت كل منهما مراكز وجوده في المدينة، فهناك تبادل للمعلومات الأمنية بين الطرفين، ورسائل سياسية عن طريق الروس.

وأوضح الأسود أن لكلا الطرفين، مصلحة كبيرة في تثبيت مناطق السيطرة في شمال سوريا بشكل عام، مبينا أنه يمكن قراءة رسالة الأسد على أنها محاولة لإعادة بسط النفوذ والسيطرة على مدينة حلب، خاصة أنه كان ممنوعا من زيارتها من قبل الروس خلال السنوات التي تلت استعادتها بتبادل بين تركيا وروسيا.

إقرأ:العملية العسكرية التركية في سوريا غير قابلة للتنفيذ.. لهذه الأسباب

تفاهمات تركية سورية؟

في مطلع الشهر الحالي، قام وزير الخارجية الإيران، حسين أمير عبد اللهيان، بزيارة إلى دمشق، وأعلن أن الهدف من زيارته لسوريا، هو “اتخاذ خطوات نحو إحلال السلام، والأمن في المنطقة من خلال تحسين العلاقات بين سوريا وتركيا، باعتبارهما دولتين تربطهما علاقات مهمة مع إيران”.

المساعي الإيرانية، غير مسبوقة في محاولة تحسين العلاقات بين سوريا وتركيا. وتأتي هذه الجهود مع عدد من التصريحات والمؤشرات المتكررة خلال الفترة الماضية على وجود تقارب محتمل بين أنقرة ودمشق، الأمر الذي يتكرر من حين لآخر. لكن اتخاذ إيران لهذه الخطوة الآن يشير بقوة إلى أن هناك تغييرات في المشهد السياسي سواء على المستوى الإقليمي أو في الساحة السورية.

وفي هذا السياق، فإن تزامن زيارة كل من الأسد، وأكار إلى حلب يوم أمس، تصب في تطور العلاقات بين الطرفين، بحسب حسان الأسود، الذي يرى أن لهذه الزيارة دلالة كبيرة من حيث التقارب وليس التضاد، فكلا الطرفين لديهما مخاوف في هذه المنطقة، لذلك يسعيان لتثبيت الحدود ونقاط التفاهم، وستشهد العلاقة بين الطرفين تطورات عديدة خلال المرحلة المقبلة.

الأكاديمي والباحث في الفكر السياسي، سامح مهدي، وخلال حديث سابق لـ”الحل نت”، يرى أن تقارب دمشق وأنقرة، يبدو منطقيا في ظل التوجهات الإقليمية الجارية، والساعية إلى تخفيض الصراعات القائمة، وحلحلة كثير من الأزمات وعزل حالة التوتر على خلفية وجود تناقضات جمة في ملفات مشتركة، وذلك لحساب إيجاد فرص تعاون، وعمل أمام التحديات القصوى التي فرضتها، أو بالأحرى كشفت عنها الحرب الروسية الأوكرانية.

وبين مهدي، أنه لا يختلف الانفتاح السياسي بين تركيا ودمشق عن غيره من تقارب يجري على أكثر من مستوى، مثل استئناف الحوار السعودي الإيراني، وكذا اللقاءات التي تتم بين مصر وقطر وزيارة ولي العهد السعودي لعدد من دول الإقليم.

وأشار مهدي، إلى أن أنقرة مستعدة لتغيير بعض سياساتها تجاه الملف السوري، من أجل إيجاد حل للأزمة السورية، من أجل مصالح تركيا السياسية والاقتصادية وغيرها، والحفاظ على القاعدة الشعبية للحزب الحاكم داخل تركيا الذي بات يتفاقم مع الوقت. أما بالنسبة لدمشق من جانبها فإن لها شرط صعب التحقيق من قبل أنقرة، هو انسحاب تركيا من كل سوريا، فإما أن يتنازل الطرفان ويتوصلان إلى صيغة مشتركة ترضي مصالح الجانبين، أو ستبقى العلاقات متوترة على هذا النحو، وبالطبع في كلتا الحالتين ستكون الأثمان غالية من حيث التصعيد العسكري على الشمال السوري، ومن جهة أخرى بين القوى العسكرية المحلية في الداخل (مناطق فصائل الجيش الوطني المعارض المدعوم من أنقرة).

قد يهمك:حدود العملية العسكرية التركية في سوريا

ما مصير العملية التركية؟

وزير الدفاع التركي، وفي تصريحات اليوم الأحد، تابعها “الحل نت”، أوضح أن أكثر المناطق التي تشكل خطرا على تركيا هي مدينتي تل رفعت ومنبج، مشيرا إلى استمرار العمليات التركية في سوريا لضمان الأمن التركي.

وحول العملية التركية المزمعة، أكد أكار، أن تركيا عازمة على إطلاق العملية العسكرية بشكل مفاجىء، مبينا أن خططها باتت جاهزة، ومشيرا إلى أنه لم يطلب أحد من تركيا في قمة مدريد تجنب هذه العملية، ومطالبا في نفس الوقت، بأن تلتزم كل من روسيا والولايات المتحدة بمسؤولياتهما ضمن الاتفاقيات الموقعة في العام 2019.

حسان الأسود، يرى أن تركيا بحاجة لهذه العملية من أجل مصالح انتخابية للحزب الحاكم، خاصة مع تراجع شعبيته، وبالتالي يمكن من خلال تفاهمات محددة مع روسيا إعطاء ضمانات للقيام بمثل هذه العملية ولو على نطاق ضيق، مشيرا إلى أه الظروف لا تزال مواتية لقيام تركيا بهذه العملية.

وكان المحلل السياسي، صدام الجاسر، قال في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن هناك احتمالا لحدوث عملية عسكرية سريعة، سيتم خلالها تسليم كل من “منبج” و”تل رفعت” لتركيا، بحيث تنسحب القوات المتواجدة فيها، وتتسلمها تركيا في اليوم التالي.

وأضاف الجاسر، أنه بالنسبة لتل رفعت فمن المؤكد أن الروس قرروا تسليمها للأتراك، لكن طريقة التسليم مختلف عليها حتى الآن، وحدوث هذه العملية هي حفظ لماء الوجه لجميع الأطراف، أما عملية عسكرية واسعة النطاق فمن الصعب حدوثها.

إقرأ:روسيا ترفض العملية العسكرية التركية في الشمال السوري.. ما حقيقة ذلك؟

من الواضح أن الأمور تتغير بشكل مستمر في المنطقة، ولكن على الرغم من ذلك، فليس هناك رغبة من روسيا أوالولايات المتحدة بالسماح لتركيا بالتوسع بشكل كبير في الشمال السوري، لذلك من الممكن أن يقتصر التوسع التركي على تل رفعت ومنبج، وهذا ما دفع الوزير التركي لذكر المدينتين فقط اليوم، فروسيا لا ترغب بتصاعد في القتال في المنطقة في ظل انشغالها بأوكرانيا، وتركيا تعاني من وضع اقتصادي لا يسمح لها بالتوسع أكثر من ذلك والولايات المتحدة، ترغب بشكل أو بآخر بإرباك روسيا في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.