كان للتنافس بين المملكة العربية السعودية وإيران تأثير كبير على السياسة والأمن في الشرق الأوسط منذ الثورة الإيرانية عام 1979. في حين أن هناك عدة نقاط توتر، لا يوجد شيء غير قابل للحل جوهريا في العلاقات بين الدولتين. في الواقع، يُظهر التأمل في تاريخ العلاقات بين الدولتين أن هناك فترات من العداء الشديد ولحظات من التقارب المتزايد الذي بلغ ذروته في زلزال عام 1990 في إيران.

ومع ذلك، فإن الصراعات الكامنة في الشرق الأوسط، وخاصة في البحرين والعراق ولبنان وسوريا واليمن، قد عززت التطلعات الجيوسياسية للدولتين، وفي الوقت نفسه، أرست شبكات طائفية ساهمت في تفتيت الحياة السياسية في المنطقة.

ومع مضي شهر على انطلاقة الاحتجاجات في إيران، وتوسعها في المدن الإيرانية ضد النظام الحاكم في البلاد، نتيجة وفاة مهسا أميني، بعد اعتقالها من قِبل أجهزة الأمن الإيرانية بذريعة عدم تقيّدها بقواعد اللباس المفروضة في البلاد، زادت حدة الخلاف بين الدولتين نتيجة التغطية المستمرة عبر وسائل الإعلام التي يدعمها الطرفان، والتي أخرجت قائد “الحرس الثوري” الإيراني، اللواء حسين سلامي، عن صمته أمس الإثنين، ليحذر الرياض ويطالبها بأن تسيطر على وسائل الإعلام “الممولة” من قِبلها أو مواجهة “العواقب”، متهما إياها بـ”التحريض”، وذلك وسط الاحتجاجات الداخلية التي تشهدها إيران.

بينما تطرح السعودية نفسها كقوة استقرار ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، تلعب إيران أوراق التضامن الإسلامي وتقدم نفسها على أنها داعمة للمضطهدين في العالمَين العربي والإسلامي بينما تصور الرياض على أنها دمية في يد الأميركيين والسياسات الإسرائيلية، فهل تتطور الأمور للدخول في حرب علنية تستخدم فيها طهران حروبها الإلكترونية ضد الخليج العربي.

التنافس الحقيقي في الشرق الأوسط

دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بتاريخ طويل من العلاقات الصعبة مع طهران، وتشعر بقلق متزايد من نفوذ إيران المتزايد في المنطقة. وأبرز هذه الدول هي المملكة العربية السعودية، القوة الإقليمية الرائدة، والمنافسة الاقتصادية والسياسية لإيران، وهي دولة لها حق القيادة الإسلامية في جميع أنحاء العالم.

مع احتدام الصراع بين الشيعة والسنة في العراق على مدى السنوات القليلة الماضية، انهارت العلاقات بين إيران والسعودية. تساعد العلاقات الإيرانية السعودية في تحديد العلاقات العربية الإيرانية الأوسع وهي محورية لأمن منطقة الخليج. خلال الأزمات الإقليمية العديدة التي شهدتها المنطقة على مدى العقود الماضية، استخدمت هاتان القوتان وسائل الإعلام كمنصة لكسب قلوب وعقول الشعوب العربية.

يقول الخبير في سياسة الشرق الأوسط ريكس برينين، لـ”الحل نت”، إن كل من طهران والرياض، يستخدمون وسائل الإعلام لتصوير واقعهما من منظور أجندتهما الخاصة. وللتنافس مع بعضهم البعض، فإنهم يبالغون في هذا التشويه. كما لعبت وسائل الإعلام دورا فعالا في تصوير نفوذ إيران المتزايد في الشرق الأوسط وما أطلق عليه بعض المعلقين والسياسيين “الهلال الشيعي”.

كلا البلدين وفقا لبرينين، استخدما وسائل الإعلام لنشر رسالتهم، وممارسة النفوذ في سياسات الشرق الأوسط، وتطوير علاقات القوة باستخدام قدرة وسائل الإعلام على تشكيل علاقاتهم مع الدول الأخرى ومع الشعوب، ومن خلال هذه القنوات، يبنون أيضا خطابهم السياسي ويتواصلون بشكل غير مباشر مع بعضهم البعض.

أصبحت إيران والسعودية الآن لاعبين رئيسيين في سوق الإعلام الناطق باللغة العربية، مما جعلها ساحة للمواجهة والمطالبات بشعبية. كل صراع أو أزمة في المنطقة تصبح فرصة لهم لممارسة نفوذهم والإعلام يوفر لهم القدرة على إضفاء الشرعية على أفعالهم بينما يحاولون كسب قلوب وعقول العالم العربي من خلال دعايتهم الخاصة.

ثقافة الإعلام السعودي برأي برينين، تختلف عن ثقافة الإعلام الإيراني على الرغم من أنهما يتصارعان باستمرار على الأرض نفسها. أي عنصر من المعلومات في الاتصال الجماهيري مشروط ثقافيا ومشفرا، وبالتالي يكتسب معناه الكامل في السياق الثقافي الذي يتم نقله فيه. أنشأت السياقات السياسية والثقافية وأجهزة الاتصال في السعودية وإيران، مجموعات مختلفة من المعايير التي تعمل من خلالها وسائل الإعلام الخاصة بهما. وبالمثل، تعمل وسائل الإعلام ضمن أنظمة الاتصال الخاصة بجماهيرها المستهدفة.

في حالة الرياض، استثمرت الحكومة السعودية، وبشكل أكثر تحديدا العائلة المالكة، مبالغ كبيرة من الأموال لامتلاك وسائل الإعلام في المنطقة، والتحكم في الرسائل التي يتم بثها أو طباعتها. اليوم، السعوديون هم أصحاب وسائل الإعلام الأكثر نفوذا في الشرق الأوسط، وتعمل المؤسسة الدينية المحافظة في السعودية كقوة ضغط قوية ضد التغطية الجريئة للأمور الاجتماعية والثقافية والدينية.

هل نتجه نحو حرب مباشرة بين السعودية وإيران؟

تستند تصرفات طهران في المنطقة إلى إطار جيوستراتيجي للمنطقة، والذي لا يستند بالضرورة إلى دوافع إسلامية. كأن تدخل إيران في شؤون العديد من الدول العربية، وتأثيرها في المنطقة، وخاصة الوسائل التي تستخدمها طهران، محل نقاش متزايد. يمكن الشعور بالتدخل والنفوذ الإيراني من خلال دعمها للمعارضة والجهات الفاعلة غير الحكومية وتعزيز وجهات النظر بين السكان العرب من خلال وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية.

يرى الخبير في سياسة الشرق الأوسط، أن هذا ولّد صدام بين قوتين إقليميتين عظيمتين على الرغم من أن عدد سكان السعودية يتراوح بين 30 مليونًا و80 مليونا في إيران، وهما نظامان ثيوقراطيان ومصدران لأكبر تنافس جيوسياسي في المنطقة، حيث تدور المنافسة إلى حد كبير بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال الوكلاء.

وبالنسبة للدخول في حرب بين إيران والسعودية أمر غير مرجح طبقا لحديث برينين، لكن هذه الدورة الجديدة من المواجهة بعد الاحتجاجات التي تشهدها طهران يمكن أن تكون كارثية على المنطقة، خصوصا إذا ما استخدمت إيران خبرتها في الهجمات الإلكترونية كما فعلت روسيا في أوكرانيا وهو أمر غير مستبعد، حسب تعبيره.

وعليه، فإن المصالحة بين الجانبين أصبحت ضرورية بشكل متزايد، ولكن في نفس الوقت تزداد صعوبة في منطقة تمزقها الخصومة السعودية الإيرانية، خصوصا بعد أن وظّفت الأخيرة القنوات الفضائية والراديو لتوصيل وجهات نظرها بمجموعة متنوعة من اللغات منها العربية على وجه الخصوص، في محاولة للتأثير على الرأي في البلدان المجاورة والعالم الأوسع.

أثر التنافس الإعلامي بين السعودية وإيران

في بعض المناسبات تصور الرياض أن التدخل الإيراني ليس مدفوعا فقط بطموحات الهيمنة للمرشد الإيراني، علي خامنئي، ولكنه أيضا رد على الضغوط الغربية ضد برامجها النووية. وبحسب وسائل الإعلام التي ترعاها السعودية، فإن طهران ستكون على استعداد “لنشر الفوضى في منطقة الخليج، وهي أكبر مخزون نفطي في العالم وحيوي للأمن القومي للولايات المتحدة”.

في إشارة إلى طموحات إيران النووية ورد الفعل الغريزي لإيران “نشر الفوضى في الخليج”، تناشد وسائل الإعلام مباشرة تدخل الحكومة الأميركية من خلال التلميح إلى أن إيران هي أيضا تهديد ملموس لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

هذه القراءة، أكدته وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية، المقربة من “الحرس الثوري”، أمس الإثنين، بعد أن نقلت عن سلامي قوله، “إنني أحذر نظام آل سعود من أن ينتبهوا إلى تصرفاتهم ويسيطروا على وسائل إعلامهم، وإلا نتائج وعواقب تلك التصرفات السيئة ستلحق بكم”.

فيما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا” أن سلامي “حذر النظام السعودي، بأن يراقب سلوكه وسلوك وسائل الإعلام الممولة من قِبله والتي تحرّض ضد إيران”. ونقلت عن سلامي “إنهم يسعون بوضوح إلى تحريض شبابنا على المشاركة في أعمال الشغب”، مضيفا “ننصحهم بالسيطرة على وسائل الإعلام الممولة من جانبهم وأن يكونوا حذرين”.

تصريحات سلامي، جاءت خلال مناورة عسكرية باسم “الاقتدار” للقوة البرية التابعة لـ”الحرس الثوري” في منطقة أرس العامة الواقعة شمال محافظتي أذربيجان الشرقية وأردبيل، وفقا لما ذكرته وسائل الإعلام الإيرانية.

وقال سلامي، إن “الرسالة الأساسية لمناورة اليوم هي الصداقة والأخوة مع الجيران”، مضيفا “هذا هو مبدأ سياستنا، طالما أن الجيران لا يتآمرون علينا سنستمر في صداقتهم وفي غير هذه الحالة فإن سياستنا ستتغير، وطالما تتفاعل الدول المختلفة معنا ولدينا تعايش سلمي وعلاقات سياسية واقتصادية مناسبة، علاقاتنا ستكون معهم مبنية على الصداقة والتعاون”.

يتغير النظام الإقليمي في ظل صراع على السلطة امتد لقرون، نفوذ إيران آخذ في الاتساع في جميع أنحاء المنطقة، مستخدما العداء لأميركا والهجمات على إسرائيل لحشد الدعم بين السكان العرب. في حين أنه لا توجد طريقة للتنبؤ بكيفية تطور الصراع بين طهران والرياض، فإن ادعاءات إيران المستمرة بالتقدم في برامجها النووية يُنظر إليها بالتأكيد على أنها تهديد يترك السعودية في حالة من عدم الارتياح، وبالتالي يؤثر على علاقاتها مع الغرب. في موازاة ذلك، تحاول المملكة العربية السعودية موازنة نفوذ إيران على نفس المجال، كما هو الحال في لبنان والأراضي الفلسطينية والآن سوريا واليمن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة