جاء توسع رقعة الاحتجاجات في إيران، ليعمّق أزمة السلطات الإيرانية، التي تسعى للالتفاف والهروب من توقيع الاتفاق النووي مع الدول الغربية، فكيف ستساهم هذه الاحتجاجات، في إنهاء أو تحجيم حلم الحكومة الإيرانية في امتلاك سلاح نووي.

موقف واشنطن

طرحُ هذا التساؤل أصبح ملحّا، بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأميركية الخميس، أن “الاتفاق النووي الإيراني لم يعد محور تركيزها“، مشيرة إلى أنها تركز في المرحلة الراهنة على دعم المحتجين في إيران.

وفق محللين، فإن الولايات المتحدة يمكن أن تكون منتظرة ضغطا داخليا في إيران، للتأثير على ملف النووي الإيراني، إلا أنهم يستبعدون في الوقت ذاته تغييرا في موقف واشنطن، إزاء الملف النووي.

موقع “الحل نت” تحدث مع خبير إيراني في طهران رفض الكشف عن اسمه، حيث أشار إلى أن استمرار الاحتجاجات، سيقلل من أوراق القيادة الإيرانية في المفاوضات النووية مع الدول الغربية.

الخبير قال في حديثه، “الشعب المنتفض يهمه ملفات الاقتصاد وحقوق الإنسان، ولا يهمه ملف النووي، الذي تحارب الحكومة من أجله على حساب معاناة الشعب الإيراني، إلى الآن ليس واضحا إلى أين تتجه الاحتجاجات وماذا يمكن لها أن تحقق، لكن بشأن الملف النووي لا أعتقد أن هناك تغيير في موقف واشنطن، الرامي لإعادة إحياء الاتفاق“.

توسع الاحتجاجات

ومع مضي شهر على انطلاقتها، تشهد المدن الإيرانية توسع الاحتجاجات ضد النظام الحاكم في البلاد، نتيجة وفاة مهسا أميني، بعد اعتقالها من قِبل أجهزة الأمن الإيرانية بذريعة عدم تقيّدها بقواعد اللباس المفروضة في البلاد.

لم يتأثر الرأي العام الإيراني، ببيان الشرطة الإيرانية التي ادّعت أن أميني، توفيت إثر نوبة قلبية، وهذا ما دفع إلى خروج الاحتجاجات بشكل غير مسبوق، نتيجة للحادثة وحوادث سابقة، إضافة للاضطرابات التي تعاني منها إيران على خلفية الأوضاع الاقتصادية السيئة.

قد يهمك: بداية ثورة.. ما هو مصير الاحتجاجات في إيران؟

اتساع الاحتجاجات في إيران وصل إلى قطاع النفط الحيوي في البلاد، على الرغم من حملة القمع العنيفة التي تستخدمها السلطات لمواجهة المحتجين، وفقا لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.

وقالت الصحيفة في تقريرها يوم أول أمس الأربعاء، إن المتظاهرين الإيرانيين واصلوا “انتفاضتهم” للأسبوع الرابع على التوالي في تحدٍ واضح لحملة القمع والقتل التي تشنّها السلطات في جميع أنحاء البلاد.

ويأتي ذلك تزامنا مع حصول تطور لافت يتمثل بدخول عمال قطاع النفط الحيوي في البلاد على الخط، بعد تنفيذهم إضرابا عن العمل هذا الأسبوع، وسط دعوات أطلقها نشطاء للبدء بمزيد من الاضرابات والاحتجاجات.

وتشير الصحيفة، إلى أنه وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها قوات الأمن الإيرانية، بما في ذلك ميليشيا الباسيج، لسحق التظاهرات، إلا أن الاحتجاجات تواصل الانتشار.

تحولت بعض الاحتجاجات إلى ما وصفتها الصحيفة بأنها، “معارك شوارع” حيث فتحت قوات الأمن النار ورد المتظاهرون ورفضوا التراجع، بحسب شهود عيان ومجموعات حقوقية ومقاطع فيديو للاشتباكات انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.

الصحيفة بيّنت أن عرقلة السلطات للوصول إلى الإنترنت جعل من الصعب التأكد من الحصيلة الحقيقية للخسائر، لكن جماعات حقوق الإنسان ذكرت أن 185 شخصا على الأقل قتلوا، بينهم 28 طفلا، وأصيب أو اعتقل الآلاف حتى الآن.

تقول منظمة “هنغاو“الكردية لحقوق الإنسان، أن ما لا يقل عن 32 مدنيا قتلوا على أيدي القوات الحكومية وأصيب 1540 آخرون في غربي إيران فقط، حيث يعيش غالبية الأكراد.

العديد من التقارير، التي اطلع عليها “الحل نت“، تشير إلى أنه منذ أن تم الإعلان عن قانون “الحجاب والعفة” في إيران في تموز/يوليو الماضي، تواجه الدولة موجة متصاعدة من السخط الشعبي والاحتجاجات، تشارك فيها شريحة واسعة من المجتمع، بدأت بالنساء، حيث يفرض عليهن القانون ارتداء الحجاب في الأماكن العامة كافة، والالتزام بمعايير محددة للملبس، ويحق لشرطة الأخلاق معاقبة غير الملتزمات بالحجاب، وكذلك معاقبة ذوات “الحجاب السيئ“، وقد تصل العقوبة للاحتجاز.

المجتمع الإيراني يعيش تحت ضغوط اقتصادية شديدة، وتردّي في الأوضاع المعيشي، حيث وصلت البطالة لمعدلات مرتفعة، فضلا عن زيادة مستوى التضخم، وقد أخفقت الحكومة في التعامل مع الأزمات المتلاحقة على رأسها أزمة المياه، وجائحة كورونا.

كل هذه العوامل مجتمعة وغيرها وضعت الداخل الإيراني في حالة احتقان وغضب شديدة، وبينما ينتظر الشعب الإيراني حلولا من الدولة لتحسين أوضاعه، يركز النظام على تطبيق قواعد ثقافية ودينية صارمة، ولا يُلقي بالا لتحسين معيشة المواطنين.

ومن ناحية أخرى، تزيد الضغوط على النساء الإيرانيات، حيث تضع عليهن الدولة قيودا مستمرة كان آخرها قانون الحجاب والعفة، بينما سبقت هذا القانون سلسلة طويلة من المشاحنات بين الدولة والمرأة، التي تمثل حوالي 50بالمئة من نسبة السكان، وذات معدلات تعليم مرتفعة. وفي هذا الإطار، فجّرت الاحتجاجات الضغوطات الكثيرة والمتزايدة التي يعيش فيها المجتمع الإيراني.

وتزامنا مع توسع رقعة الاحتجاجات في البلاد، وجمود المفاوضات النووية، استغلت الحكومة الإيرانية الظروف الراهنة، لرفع وتيرة تخصيب اليورانيوم، ما قد يفجر أزمة خارجية بين إيران والمجتمع الدولي والإقليمي خلال الفترة القادمة.

الخبير في الشؤون الإيرانية هاني سليمان، رأى خلال حديث سابق لــ“الحل نت“، أن تخصيب اليورانيوم في هذا الوقت هو إعلان تحدي من إيران للمجتمع الدولي الذي يعاني العديد من المشكلات، وذلك على الرغم من التفاؤل الذي ساد خلال الفترة السابقة بقرب التوصل لاتفاق نووي، ولكن التجربة أثبتت أن ثمة فجوات واسعة وإشكاليات متعددة من شأنها أن تحول دون الوصول إلى اتفاق.

بالتالي ففي ظل هذا التّعثر، وفي ظل الاحتجاجات في إيران وبعض العقوبات التي فُرضت مؤخرا من المجتمع الدولي، فإن ما تقوم به إيران هو هروب للأمام بنفس الأسلوب الإيراني المتّبع في الفترات السابقة، أي أن إصرار إيران على عمليات التخصيب، هي آلية للضغط على المجتمع الدولي لتحصيل بعض المكاسب، بحسب سليمان.

لذلك تحاول الحكومة الإيرانية حرف الأنظار عما يجري في الداخل من خلال تفجير أزمة خارجية تتعلق بتخصيب اليورانيوم، وقصف كردستان بالصواريخ والطائرات المسيّرة، للتغطية على الأحداث الداخلية.

صفقة غير وشيكة

المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، أفاد يوم الأربعاء الفائت، بأن صفقة النووي الإيرانية لا تبدو وشيكة، خاصة وأن مطالب إيران غير واقعية وتتجاوز نطاق خطة العمل الشاملة المشتركة. ولم نسمع أي شيء في الأسابيع الأخيرة يشير إلى أنهم غيّروا موقفهم“، مشددا على أن تركيز واشنطن الآن “ينصب على الشجاعة والجرأة اللافتتين اللتين يظهرهما الشعب الإيراني من خلال مظاهراته السلمية، ومن خلال ممارسته لحقوقه العالمية في حرية التجمع وحرية التعبير“، منوّها إلى أهمية “تسليط الضوء على ما يفعلونه ودعمهم في أي وسيلة ممكنة“.

ضمن هذا الإطار، يعتقد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، فراس علاوي، أن الأمر ليس تغييرا في الموقف من قِبل الولايات المتحدة، بل هو تبادل الأدوار بالتصريحات، واستدرك علاوي ذلك، بأن “بعض المسؤولين الأميركيين يصرّحون بأن واشنطن بانتظار تقديم إيران لتنازلات تتعلق بالملف النووي، أو مقترحات جديدة من إيران بشروط منطقية، ومسؤولين آخرين يصرّحون بتصعيد ضد طهران“.

هذه التصريحات، حسب اعتقاد علاوي الذي تحدث سابقا لـ“الحل نت“، فإنها عملية تبادلية من أجل الضغط على إيران لتحقيق تقدم في المحادثات النووية. وبالتالي ضمان استمرار المفاوضات ودون أي عراقيل، خاصة وأن إيران لا تبدو جادة في المفاوضات، وفق رأي العديد من المراقبين.

أما عن تداعيات الجمود في المفاوضات الإيرانية، فسيكون هناك تصعيد ضد الميليشيات الإيرانية وأذرعها، ولكن إذا لم يرافق هذا الجمود تصعيد أميركي، فسيبقى الوضع على ما هو عليه، أو يتم التوصل إلى اتفاقية بخصوص الملف النووي. وبالطبع إيران تسعى لامتلاك سلاح نووي وقد وصلت الى مراحل متقدمة، ومنع الدول الغربية من امتلاك إيران للسلاح النووي يعود بالنهاية إلى موقف الولايات المتحدة، وفق تعبير علاوي.

ضمن السياق ذاته، عام ونصف مرّ منذ أن بدأت المفاوضات غير المباشرة، والرامية إلى إحياء الاتفاق النووي المعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة“، الذي أُبرم في عام 2015 بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، “الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا” بالإضافة إلى ألمانيا، قبل إعلان إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الانسحاب منه في عام 2018. بيد أنه حتى بعد إعلان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، ما وصفه بـ “مسودة نهائية لإحياء الاتفاق النووي“، يبدو أن مصير العودة للاتفاق مازال مُعلّقا.

وعليه، فإن الخطوة الإيرانية بتخصيب اليورانيوم تؤكد تعثّر المفاوضات النووية، لكن ليست بالضرورة نهاية الاتفاق النووي، فهي تعبّر عن حالة من الجمود والتأزم لكن في النهاية إذا ما كان هناك مؤشرات حول انفراج أو تقدم بالمفاوضات النووية فذلك من شأنه، أن يجعل إيران تتراجع عن إجراءاتها بتركيب أجهزة الطرد المركزي الحديثة وإكمال عمليات تخصيب اليورانيوم، وهذا أمر يمكن التعامل معه بأي وقت.

وبالعودة إلى تأثير الاحتجاجات الشعبية على ملف النووي الإيراني، فيبدو أنه مرتبط أكثر بمدى قدرة المتظاهرين على استمرارهم بالاحتجاج والضغط على الحكومة، ما قد يجعلها بالتأكيد تنشغل في الأزمات الداخلية وتتجنب فتح أزمات خارجية جديدة.

قد يهمك:إيران وإسرائيل في سوريا.. “كسر عظم” وتغيير استراتيجيات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة