لا تتعلق المخاوف بشأن نفوذ إيران في الشرق الأوسط ببرنامجها النووي فقط، إذ لا يقتصر الاهتمام بالسياسة الخارجية الإيرانية على طموحاتها النووية ومنافستها للدول العظمى، بل يتضمن أيضا نشاط قواتها بالوكالة وتحالفاتها مع الجماعات الموالية لها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتوغلها في النواحي السياسية والاقتصادية في هذه البلاد، ومنها سوريا.

سمح عدم الاستقرار الإقليمي والدول الضعيفة في لبنان من الثمانينيات، والعراق من عام 2003، وسوريا من عام 2011، واليمن اعتبارا من 2014، لإيران بتطوير تحالفات مع “حزب الله” في اليمن والميليشيات في العراق وجماعة “الحوثي” في ​​اليمن (الموالية لطهران)، كما دعمت إيران دمشق، حيث كان البلدان حليفين منذ فترة طويلة.

حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، أمس الأحد، بأن إسرائيل تسعى لمنع إيران من إنشاء قواعد إرهابية في جميع مناطق الشرق الأوسط وخصوصا في سوريا، وأنها لن توافق على أن تكون سوريا محورا لنقل الأسلحة إلى المنظمات الإرهابية ولن تقبل إقامة قواعد إيرانية أو قواعد ميليشيات على الحدود الشمالية، أثار غموضا في الطرف الذي سيحقق أهدافه في سوريا، فهل تنجح إسرائيل في كبح جماح الإيرانيين وتغيير استراتيجيتهم في سوريا، أم أن إيران ستستفيد من ملف الاتفاق النووي وعدم دخول روسيا على الخط المناوئ لوجودها في سوريا بشكل واضح، وكذلك عدم وجود آلية واضحة وناجعة لتحجيم النفوذ الإيراني بسوريا؟.

حرب في الخفاء

في الأسابيع الماضية، نفذت الولايات المتحدة وإسرائيل سلسلة من الضربات على أهداف إيرانية في سوريا وأماكن أخرى، مما مهد الطريق لتصعيد خطير للصراع في الشرق الأوسط.

يوم الثلاثاء الفائت، شنت إسرائيل هجومها الرابع والعشرين على سوريا هذا العام، حيث أصابت مطار حلب الدولي، وألحقت أضرارا بالمدرج وأوقفت المطار عن العمل. كما تعرضت مستودعات تابعة لميليشيات مرتبطة بإيران ومجمعات أخرى للقصف.

وقالت وسائل إعلام رسمية سورية، إن الدفاعات الجوية اعترضت صواريخ إسرائيلية وأسقطت عدة صواريخ. وهذا هو ثاني هجوم خلال أسبوع على مطارات مدنية. ففي 1 أيلول/سبتمبر الجاري، قصفت إسرائيل مطار دمشق، بعد شهور من هجوم سابق، وكذلك قصفت مدرج مطار حلب، مما أجبر طائرة إيرانية حاولت الهبوط على الابتعاد.

الصفقة الحالية، هي حرب سرية غير معلنة بموافقة روسيا وواشنطن.

يقول الباحث في العلوم السياسية، ماثيو ويلسون، لـ”الحل نت”، إن شرط إسرائيل لإتمام الاتفاق النووي مع إيران، هو “لجم نفوذ المليشيات الإيرانية في الشرق الأوسط التي لم ترتدع خلال السنوات السابقة، وهذا يعني إصرارها على توسيع نفوذها”.

وبيّن ويلسون، أن أدوات إسرائيل لن تختلف عن السابق، ولكن الجديد في ضرب النفوذ الإيراني، هو الاستراتيجية الجديدة التي بدأت فعليا منذ آواخر تموز/يوليو الفائت، بأن تمر الضربات الإسرائيلية بشكل عام دون عوائق من قبل نظام الدفاع الجوي الروسي في سوريا، ومنع القوات الإيرانية من مهاجمة إسرائيل من الأراضي السورية، وهو حظر ساري المفعول منذ ثلاث سنوات، للحد من التوترات بين البلدين.

ويضيف ويلسون، أنه “لطالما أكد النظام القومي البرجوازي بقيادة رجال الدين في إيران، أن وجودهم في هذه الدول ضرورة لهم، فإن تحالف أميركا وتل أبيب الذي تحول نحو الهجوم على طرق التوريد هو ضمن خطة لمواجهة النفوذ، ورسالة لدمشق بأنها سوف تتضرر قدرة النقل فيها إذا ما استمرت في دعم هذا النفوذ”.

مواجهة القواعد الإيرانية

كان الدافع وراء تحول استهداف إسرائيل للنفوذ الإيراني في سوريا برأي الخبراء، أنه لاستخدام إيران المتزايد للطائرات التجارية بدلا من عمليات النقل البري لنقل الأسلحة إلى المطارين الرئيسيين في سوريا، رغم فرض الولايات المتحدة عقوبات على شركة “ماهان” الإيرانية، لنقلها أسلحة وأفراد إلى القوات الإيرانية في سوريا.

ويعتقد ويلسون، أن تغيير استراتيجية تل أبيب ضد الوجود الإيراني في سوريا وبدعم أميركي، سيحد من نقل الأسلحة الثقيلة وبرامج طهران العسكرية في سوريا، وفي مرحلة لاحقة سيكون له أثر أكبر في تحجيم النفوذ الإيراني بسوريا.

الحملة المنسقة ضد وكلاء إيران في سوريا، والتي تقل قليلا عن عتبة الحرب الشاملة، باعتبارها حجر الزاوية في أجندة إسرائيل الأمنية والدفاعية، عبر عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، بسلسلة تغريدات نشرها على حسابه في “تويتر”، أمس الأحد، بأنه “جنبا إلى جنب مع رئيس الوزراء المناوب، نفتالي بينيت، ووزير الدفاع بيني غانتس، يديرون حملة سياسية ناجحة لوقف الاتفاق النووي ومنع رفع العقوبات عن إيران”، مردفا: “لم ينته الأمر بعد، إنه طريق طويل، لكن هناك علامات مشجعة”.

وذكر لابيد، أن بعد الأميركيين، أعلنت دول أوروبية أنه لن يتم التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، ولن يتم إغلاق ملفات التحقيق الإيرانية المفتوحة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، شاكرا فرنسا وبريطانيا وألمانيا على موقفها الثابت بشأن ذلك.

وتابع: “في الأشهر الأخيرة، أجرينا حوارا هادئا ومكثفا معهم، وتم تزويدهم بمعلومات استخبارية حديثة حول النشاط الإيراني في المواقع النووية”.

تزايد التصعيد في سوريا

مؤخرا، تزايدت التوقعات باحتمالية حصول تصعيد إقليمي ودولي في سوريا، انطلاقا من الأحداث التي حصلت على الأرض السورية في الآونة الأخيرة.

تقرير لصحيفة “جيروزاليم بوست”، أشار الأسبوع الفائت، إلى أن الضربات الجوية الأخيرة في سوريا، الإسرائيلية على دمشق وحلب، والأميركية ضد “الفروع الإيرانية” في دير الزور، “ترسم صورة للتوترات المتصاعدة” بين إيران وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي قد تطاول روسيا أيضا، في الوقت الذي يتحدث فيه الغرب عن العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.

بحسب مراقبين لـ“الحل نت”، فإنه لا يوجد وقت محدد للتصعيد الإسرائيلي ضد إيران، خاصة في سوريا، فالطائرات الإسرائيلية لم تتوقف أبدا عن استهداف المواقع الإيرانية ومواقع “حزب الله” اللبناني في سوريا، وهي تملك الضوء الأخضر للعمل بحرية في سوريا، من قبل الأميركيين والروس.

ولفت المراقبون، إلى أن إسرائيل تخوض حربا متعددة الأوجه ضد إيران وحتى في العمق الإيراني، من خلال اغتيال عدد من العلماء الإيرانيين، أو من خلال هجمات سيبرانية وإلكترونية قادرة على تعطيل العمل بالمنشآت النووية الإيرانية، أو القيام بعمليات تخريب في بعض المنشآت من خلال عملاء وجواسيس تابعين لها داخل إيران.

الجدير ذكره، أنه خلال السنوات السابقة، اعتمدت إسرائيل نهجا قائما على تنفيذ غارات جوية وصاروخية على مواقع هذه الميليشيات وعلى شحنات الأسلحة، لكن ومع التمدد الإيراني الكبير في سوريا والتوتر بين الطرفين، بات من الممكن أن تتحول سوريا لساحة حرب كبيرة بينهما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة