بعد أن صعّدت إسرائيل، من هجماتها على سوريا، واستهدفت منذ بداية العام الحالي مناطق حيوية وسيادية في البلاد، كمطاري دمشق، وحلب الذين أُخرجا عن الخدمة في وقت سابق، فضلا عن أفرع البحوث العلمية في دمشق، وطرطوس، وحماة، كانت النقلة الأبرز في إعلان لاعتقال خلايا في الجيش السوري، تتعامل مع الموساد، ولكن هذه المرة عبر “حزب الله” اللبناني.

تعتبر هذه الخطوة التي أفصحت عنها وسائل إعلام عربية ولبنانية غير مسبوقة في سوريا، وخصوصا الإعلان رسميا أن من يقف ورائها، هو الحزب اللبناني، حليف الحكومة السورية، دون ذكر جهد أو خطوات لوزارة الدفاع السورية، المعنية بهذه التحركات التي تمس الأفراد المنتسبين إليها، لا سيما وأن التّهم بهذا الشأن في الدستور السوري، تعد “خيانة عظمى”، وعقوبتها الإعدام.

تهمة “التعاون مع جهات معادية”، وكشف دور استخباري لـ”حزب الله”، يثير العديد من التساؤلات حول إذا ما كان هذا الحدث هو بداية لعصر جديد للحزب اللبناني، وتوغله في مؤسسات الجيش السورية، أم أن الجيش السوري، بات بعد هذه السنوات مهترأ بالفعل، وليس أمام دمشق، سوى الاعتماد على إيران، والقوات الموالية لها.

فقاعة إعلامية أم خلايا حقيقة؟

منذ عدة أيام، تداولت مواقع لبنانية قصة سردتها عن جهاز الأمن الداخلي اللبناني، الذي يعتبره خبراء وسياسيون خاضع بشكل غير رسمي لسلطة “حزب الله” اللبناني، أن لبنان اعتقل طبيبا سوريا منحدر من اللاذقية، ويعيش في السويد، جند إخوته الضباط لمصلحة جهاز “الموساد” الإسرائيلي، وتزامن هذا مع أنباء عن التحقيق مع ضباط في الجيش السوري، على خلفية قصف مطار حلب الدولي.

هذه الأحداث التي كشفت على الإعلام بشكل سريع، لا “تروق لمسمع الخبراء والمتابعين لقضايا التخابر مع إسرائيل”.

، حسب ما يراه الباحث المختص في الشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، إياد معلوف، إن مثل هذه القضايا في الوطن العربي، وحسب البروتوكولات المتبعة عسكريا، غالبا ما يحومها السرية ويؤجل الحديث فيها، والنشر إلى حين اكتشاف خيوط القضية.

ويقول معلوف، لـ”الحل نت”، إن “حزب الله” مع مرور الذكرى الأربعين لتأسيسه والتي صادفت نهاية آب/أغسطس الفائت، أظهر انجازاته في سوريا خلال الاحتفالات التي أطلقها، من ضمنها تحرير سجناء من تنظيم “داعش” حسب ادعائه، والإفصاح مؤخرا عن جهاز استخباراتي له في سوريا، هو إعلان رسمي بأن الحزب شكّل أرضية متينة للبدء بمرحلة جديدة خارج لبنان.

وفي نظر معلوف، أن نشر جهود الحزب في الكشف عن خلايا سورية متخابرة، مع “الموساد” فقاعة إعلامية لها هدفان: الأول هو امتصاص غضب الحاضنة الشعبية في سوريا ولبنان على حد سواء، والتي استهجنت عدم الرد على مئات الغارات الإسرائيلية، التي استهدفت سوريا، من فوق الأراضي اللبنانية.

أما الهدف الآخر وفق رؤية الباحث في الشؤون العسكرية، هو ظهور الجماعة اللبنانية بأنها منظّمة شبه عسكرية تدعمها إيران، قادرة على أن تكون لاعبا سياسيا وإقليميا بشكل جاد، قد تحل في أمور استراتيجية محل مؤسسات الجيش المهترئة في سوريا.

فلترة عسكرية

الكشف عن خلايا “الموساد” في دمشق، يأتي على عكس ما تداول مؤخرا، إذ لا تزال التحركات السياسية والعسكرية في المنطقة حبيسة الحدائق الخلفية لمن يرسم السياسات الخارجية في المنطقة عموما، ولا يبدو أن ما يعلن جهارا على الإعلام، هو الخط الوحيد للسياسة الخارجية في المنطقة لاسيما تجاه سوريا. يتجلى ذلك من خلال ما كشفت عنه صحيفة إسرائيلية، بيّنت من خلاله بعضا من الدهاليز التي تنشط فيها إسرائيل، تجاه الملف السوري. لعل المثير في تلك الممرات ما يحدث من تواصل مباشر بين تل أبيب، ودمشق مؤخرا.

صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، أشارت الأحد الفائت، إلى اتصالا مباشرا بين الجيش الإسرائيلي، وحكومة دمشق قد حصل مؤخرا، بعثت من خلاله تل أبيب، رسائل طمأنة للرئيس السوري، بشار لأسد، بعدم استهداف قواته، وفي الوقت ذاته بعثت تل أبيب، رسائل تحذير للضغط على إيران.

وعلى الرغم من أن الضربات العسكرية التي تشنها إسرائيل، داخل سوريا، لا تعكس تبني تل أبيب، نهجا جديدا في التعامل مع التطورات على الأرض في سوريا، إلا أن الباحث في الشؤون العسكرية، يعتقد أن الإعلان عن تحركات للموساد الإسرائيلي في دمشق، تحركات من أجل تحييد ضباط بعينهم في الجيش السوري، “ربما يكونوا رافضين لانتشار حزب الله أو القوات الموالية لإيران في سوريا واستخدامهم للمؤسسات السورية كالمطارات، ومراكز البحوث العلمية والموانئ”.

ومن التحليلات الصادرة عن مراكز الدراسات العربية والعالمية حول هدف الضربات الإسرائيلية، فإن الخلاصة لذلك، أن تل أبيب تهدف إلى الضغط على “حزب الله”، ومنعه من تعزيز قدراته العسكرية بنقل صواريخ من مواقع إيرانية في سوريا، إلى لبنان. ويشير هذا إلى أنه من المحتمل أن تل أبيب، لم تعد تستبعد إمكانية المواجهات العسكرية مع الجماعة في مرحلة ما.

الجدير ذكره، أنه على مدى سنوات كانت الخسائر والاستنزاف والانشقاقات، تفتت الجيش السوري إلى أن أصبحت عدد الجيوش الأجنبية والميليشيات التي تفوقهم عددا، يعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة. ففي عام 2011، كان عدد أفراد الجيش 220 ألف، إلا أن التقديرات الحالية تشير إلى أن أكثر من 100 ألف منهم بات بين قتيل أو جريح، وما تبقى من أفراد الجيش على وشك تركه.

بسبب “الموساد”.. اعتقالات لضباط الجيش السوري

بمساعدة “حزب الله”، ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط”، اليوم الأحد، بأن كلا من المخابرات الجوية والمخابرات العسكرية في سوريا، شنت حملة اعتقالات واسعة طالت ضباطا وصف ضباط بالجيش السوري، في دمشق وحلب، بتهمة التعاون مع “جهات معادية”، وذلك منذ مطلع أيلول/سبتمبر الحالي.

ووفقا للصحيفة، فإن العشرات منهم خضعوا للتحقيق بتهمة التعاون وإعطاء إحداثيات لإسرائيل، بعد الضربات الأخيرة التي استهدفت مطاري حلب ودمشق ومناطق في محيطهما، في 31 آب/أغسطس الفائت.

وقد طالت الاعتقالات ضباطا في الدفاع الجوي، وآخرين من مرتبات الوحدات العسكرية المحيطة بمطاري حلب ودمشق، وضابطا وعنصرين في قطعة عسكرية بمصياف، وعناصر في قطع عسكرية بطرطوس على الساحل السوري، بناء على معلومات من جهاز استخبارات “حزب الله” اللبناني، الذي تنتشر عناصره في سوريا، في حين تم الإفراج عن بعضهم بعد استجوابهم، وأبلغت أجهزة المخابرات، العناصر المفرج عنهم، بضرورة مراجعة الفرع عند طلبهم مرة أخرى، فيما لا يزال 27 عنصرا، بينهم 11 ضابطا، معتقلين منذ مطلع الشهر.

في السياق ذاته، أورد موقع “المنار”، الذراع الإعلامي لـ”حزب الله”، تقريرا أمس السبت، ذكر فيه أن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني، أوقف طبيبا سوريا، دخل لبنان عبر مطار بيروت خلال شهر آب/أغسطس الفائت، يعمل لمصلحة الموساد الإسرائيلي.

وبحسب الموقع، فإن “الطبيب رصد أثناء متابعة ضباط الفرع للحسابات الإلكترونية المستخدمة من قبل ضباط أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، التي يتواصلون عبرها مع عملاء أوقفوا في وقت سابق، حيث حدد شخص يستخدم أرقاما سورية، وسويدية تواصلت مع الموساد الإسرائيلي، بين عامي 2020 و2022، ليتبين أنها تنشط في محيط مطار بيروت الدولي”.

ووفقا للموقع الذي نشر فحوى القصة كاملة كما يدعي، بعد شهر واحد من اعتقال الطبيب السوري، دون الإفصاح رسميا عنها من قبل السلطات السورية أو اللبنانية، فإن إسرائيل جنّدت الطبيب معن يوسف، وهو من مواليد اللاذقية عام 1969، عبر شركة زعمت أنها تريد تنقية شبكة المياه في سوريا مجانا. وكلّف يوسف، بالحصول على خرائط شبكات المياه والصرف الصحي وجمع معلومات ذات بعد أمني من داخل دمشق، ولعب دور الوساطة ليجند والده وشقيقيه الضابطين في الجيش السوري، للعمل معه لمصلحة “الموساد” لجمع معلومات أمنية مقابل المال.

الجدير ذكره، وبحسب العديد من التقارير الصحفية التي اطلع عليها “الحل نت“، فإن المسؤولين الإسرائيليين، يؤكدون دائما، أن إسرائيل لن تتردد باستهداف إيران وأذرعها في سوريا، وستتحرك في أي وقت ومكان لضمان أمن إسرائيل، فهم بالإضافة لما يرونه خطرا متمثلا بالبرنامج النووي الإيراني، يدركون أيضا الخطر الذي يشكله تواجد الميليشيات الإيرانية في سوريا على حدود الجولان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.