هو قرار تاريخي في حال حدوثه، والمعطيات تفيد وفق الإعلام الفرنسي، بأن الأمر سيتم كذلك ضد الرئيس السوري بشار الأسد، فهل سيفقد الأسد حصانته التي يتمتع بها؟

في التفاصيل، تتهيأ محكمة الاستئناف في العاصمة الفرنسية باريس، لإصدار قرارها بالتصديق على مذكرة التوقيف بحق الرئيس السوري بشار الأسد، الأربعاء المقبل، وذلك بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية أو إلغائها.

وتؤكد مصادر مطلعة على الملف، أن هذه أول مذكرة توقيف تصدرها محكمة أجنبية بحق رئيس دولة في منصبه، وبالتالي فإن القرار الصادر يوم الأربعاء المقبل سيكون “قراراً تاريخياً”، بحسب وصف وكالة الصحافة الفرنسية “أ ف ب”.

وصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس السوري بشار الأسد بناء على شكوى جنائية قدّمها ضحايا فرنسيون – سوريون، و”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، و”الأرشيف السوري”، و”مبادرة عدالة المجتمع المفتوح”، و”منظمة المدافعين عن الحقوق المدنية”.

وكانت غرفة التحقيق قد نظرت في 15 أيار/ مايو الماضي بطلب مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا، المتعلق بإلغاء هذه المذكرة باسم “الحصانة الشخصية” التي يتمتع بها رؤساء الدول في مناصبهم أمام المحاكم الأجنبية، بحسب “فرانس برس”.

انتقادات حادة

في منتصف الشهر الماضي، خرجت انتقادات حادة ضد قرار القضاء الفرنسي القاضي بالطعن في صلاحية مذكرة الاعتقال الصادرة بحق الرئيس السوري بشار الأسد، من قبل منظمات حقوقية سورية ودولية.

في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أصدر قضاة التحقيق الجنائي الفرنسيون مذكرات توقيف بحق بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد، واثنين من معاونيه هما العميد غسان عباس والعميد بسام الحسن، بتهمة استخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة ضد المدنيين في مدينة دوما ومنطقة الغوطة الشرقية في 2013، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص.

عقب ذلك، طلب مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا من محكمة الاستئناف في باريس الحكم على صلاحية مذكرة الاعتقال الصادرة بحق الرئيس السوري بشار الأسد، معتبراً أن “المجلس المختص في شؤون الجرائم ضد الإنسانية، يشير إلى أن صدور هذا التفويض يشكل استثناءً لمبدأ الحصانة الشخصية التي يتمتع بها الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الخارجية في مناصبهم في كل دولة ذات سيادة”.

منظمات حقوقية أعربت في بيان مشترك، منتصف أيار/ مايو المنصرم، عن معارضتها الشديدة لقرار الطعن من القضاء الفرنسي في صلاحية مذكرة الاعتقال ضد الأسد، مشيرة إلى أنه لم يتم الطعن في أوامر القبض على المسؤولين الآخرين وستظل سارية المفعول.

“من المفهوم أن رؤساء الدول يتمتعون بالحصانة أمام المحاكم المحلية الأجنبية، إلا أن العقود الأخيرة شهدت تآكل حصانات الدول والحصانات الوظيفية بموجب القانون الدولي لمنع الإفلات من العقاب على الجرائم الدولية، ولا سيما جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”، قال البيان.

وأكدت المنظمات، على أنه “حان الوقت لتحدي الحصانة الشخصية للرئيس السوري فيما يتعلق بالجرائم الدولية”، فيما أردفت بأنه “في سياق الهجمات الكيميائية السورية، طالب المجتمع الدولي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرارا وتكرارا بمحاسبة جميع الجناة”.

وشدّدت المنظمات الحقوقية، على أن “استمرار الإفلات من العقاب على هذه الجرائم لا يؤدي إلا إلى إدامة دائرة العنف والمعاناة للضحايا والناجين، ويقوّض سيادة القانون الدولي”.

كيف سيكون القرار بحق الأسد؟

إلى ذلك، اعتبرت المنظمات الحقوقية، أن قرار المحكمة “لا يتوافق مع قيادة فرنسا للشراكة الدولية لمكافحة الإفلات من العقاب على استخدام الأسلحة الكيميائية، ويتناقض مع موقف الحكومة الفرنسية الثابت الذي يطالب بمحاسبة جميع مرتكبي الهجمات الكيميائية في سوريا، ويعيق الجهود الاستثنائية التي يبذلها الضحايا والناجون الذين يسعون إلى تحقيق العدالة والانتصاف من خلال النظام القانوني الفرنسي”.

ودعت المنظمات في بيانها، الحكومة الفرنسية “بشكل عاجل إلى تأكيد دعمها لإجراء تحقيق قضائي مستقل مع جميع المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية عن هذه الفظائع، بما في ذلك بشار الأسد”.

كذلك دعا الببان، الحكومة الفرنسية إلى أن “توضح أنها لا تعترف بحصانة بشار الأسد عن دوره في الهجمات بالأسلحة الكيميائية، وأن يكون التزام فرنسا بالعدالة وحظر الأسلحة الكيميائية ثابتا، وإيصال رسالة حازمة إلى العالم مفادها أن استخدام الأسلحة الكيميائية أمر محظور، وسيواجه جميع مرتكبيها العدالة”.

بشار الأسد – (رويترز)

وفي ختام بيانها، شددت المنظمات الحقوقية السورية والدولية، على أنه “لن يتسنى تحقيق الإنصاف للضحايا والناجين وأسرهم إلا من خلال دعم التحقيق والملاحقة القضائية الفرنسيين، والجهود الدولية المتضافرة لتنفيذ أوامر الاعتقال الفرنسية (…) فقط من خلال دعم التحقيق الفرنسي يمكن تنفيذ الالتزام العالمي بحظر استخدام الأسلحة الكيميائية ومحاسبة الجناة بشكل فعال”.

ويحقّق قضاة من وحدة الجرائم ضد الإنسانية في محكمة باريس القضائية، منذ العام 2021، بالتسلسل القيادي الذي أدى إلى هجمات كيماوية ليلة (4 – 5 آب/ أغسطس 2013) في عدرا ودوما بالقرب من دمشق،  أسفرت عن (450 مصاباً)، وهجمات يوم 21 من الشهر نفسه في الغوطة الشرقية، ما أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص، بحسب الاستخبارات الأميركية.

وأفادت محاميتا الجهة المدعية كليمانس ويت وجان سولزر، بأن “الاعتراف حسبما يؤكد مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب بأن الرئيس السوري يستفيد من حصانة سيكون بمثابة تأمين حماية له من أي ملاحقة قضائية في فرنسا وسيخلق حالة من الإفلات من العقاب”.

وفي 5 حزيران/ يونيو الجاري، توصلت محكمة الاستئناف في باريس إلى النتيجة نفسها بشأن الحاكم السابق للبنك المركزي السوري (2005-2016) أديب ميالة، وقضت بأن “طبيعة الجرائم” المتهم بها “تشكل استثناءً يبرر استبعاد الاستفادة من الحصانة الوظيفية”، بحسب (ا ف ب).

بالمجمل، فإن القرار المرتقب، سيكون إما بإصدار مذكرة التوقيف بحق الأسد، وهو ما تلمح له الصحافة الفرنسية، وبالتالي سيكون قراراً تاريخياً ويفقد حصانته، أو إلغاء إصدار مذكرة التوقيف، ما يعني استمرار حصانته التي يتمتع بها. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات