تعهدت قطر بمساعدة سوريا التي مزقتها الحرب على مدار 14 عامًا، على إعادة البناء، لكن خططها البالغة سبعة مليارات دولار لإنشاء محطات كهرباء جديدة، تواجه خطرًا يهدد تنفيذها، بحسب ما نوهت وكالة “رويترز” للأنباء.
وتتعهد الصفقة التي أعلن عنها الأسبوع الماضي اتحاد دولي بقيادة شركة “يو سي سي” القابضة القطرية بتوسيع قدرة توليد الكهرباء في سوريا بشكل هائل، والتي تمثل أكبر إعلان عن استثمار أجنبي في سوريا منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل غير متوقع رفع العقوبات الأميركية عن دمشق الشهر الماضي.
دمار كامل بالشبكة
بالنسبة للإدارة السورية الجديدة التي أطاحت بنظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر، فإن هذه الخطوة الحيوية نحو إعادة البنية التحتية في سوريا إلى وضعها الطبيعي، في حين إنها تسعى إلى إحياء الاقتصاد وتقديم الأمل للسوريين المنهكين بعد 14 عاما من الصراع.

وأكدت الوكالة أنه لكي يشعر السوريون بالفائدة، يجب على الحكومة أولاً إصلاح شبكة النقل، فقد أدت سنوات من الإهمال إلى تجريد شبكة محطات وأبراج المحولات المترامية الأطراف من مستلزماتها، حيث يواصل اللصوص سرقة الكابلات ومكوناتها الأخرى.
إن ثلثي الشبكة إما مدمر بالكامل أو بحاجة إلى إصلاح كبير، حيث تقدر وزارة الطاقة فاتورة الإصلاح حالياً بنحو 5.5 مليار دولار، وهي أموال لا تملكها الدولة، مما يعني ضرورة العثور على استثمارات خاصة أو جهات مانحة أخرى.
توقيت جاهزية المشاريع القطرية
من جهته، قال وزير الطاقة في الحكومة الانتقالية السورية، محمد البشير، إن المشاريع التي تقودها قطر – أربع محطات طاقة تعمل بتوربينات الغاز ذات الدورة المركبة بالإضافة إلى محطة للطاقة الشمسية – ستحتاج إلى ثلاث سنوات حتى تصبح جاهزة للتشغيل الكامل.
وأضاف أنه خلال تلك الفترة ربما تتمكن الحكومة من استكمال إعادة تأهيل الشبكة، وفق ما نقلت عنه “رويترز”.
قبل عام ٢٠١١، كانت الشبكة تغطي ٩٩ بالمئة من سكان سوريا، أما اليوم، فهي تُنتج أقل من خُمس إنتاجها قبل الحرب، ومعظمه يُسرق، فبالإضافة إلى سرقة الكابلات ومكوناتها الأخرى، يُسرق الناس أيضًا الكهرباء.
وهذا يعني أن السوريون لا يحصلون إلا على بضع ساعات من الطاقة يومياً من الشبكة ــ حتى في دمشق، حيث يمكن للهواء أن يحمل رائحة الأبخرة التي تنتجها المولدات الكهربائية المؤقتة.
مشكلة مؤرقة للسوريين وحكومتهم
مع محدودية الكهرباء، يضطر السوريون إلى تشكيل روتينهم اليومي حول جدول الطاقة، ويستيقظون في كثير من الأحيان في وقت مبكر لغسل الملابس عندما تكون الكهرباء متاحة، على سبيل المثال، ثم يعودون إلى السرير.
وبدون طاقة موثوقة، فإن تبريد الأطعمة يشكل مشكلة أخرى، مما يضطر الأسر إلى شراء وطهي ما يكفي فقط من الطعام الطازج لليوم.

تُعدّ هذه المشكلة من أبرز مشاكل الرئيس المؤقت الجديد أحمد الشرع في سعيه لإنعاش الاقتصاد، فمع استمرار العقوبات المفروضة حتى الشهر الماضي، واجهت حكومته صعوبة في ترسيخ قبضتها، في ظل انتشار الجماعات المسلحة في جميع أنحاء سوريا.
وفي ظل الفوضى التي أعقبت سقوط الأسد، قام اللصوص بإسقاط أبراج نقل الطاقة في جميع أنحاء البلاد، وسرقوا الكابلات من أجل بيع النحاس والألومنيوم في السوق السوداء.
نهب ممنهج
بالقرب من أكبر محطة كهرباء في سوريا التي يطلق عليها “دير علي”، جنوب دمشق، تتدلى كابلات مقطوعة من أبراج نقل الطاقة المنفصلة الآن.
وقال رئيس المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء في سوريا، خالد أبو دي، إن فرق المؤسسة تعمل في مكان والنهب في مكان آخر، مشيرًا إلى أن أكثر من 80 كيلومترا (50 ميلا) من الكابلات في جنوب سوريا تعرضت للنهب منذ سقوط الأسد، وأن النهب في شرق سوريا أحبط الجهود الرامية إلى استعادة خط نقل رئيسي.
تُساعد قوات الأمن الآن في تأمين الخط، وهو بطول 280 كيلومترًا (170 ميلًا)، منوهًا إلى أنه لا يمكن الاستعانة بأفراد أمن على طول هذا الخط الطويل.
رئيس المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء في سوريا، خالد أبو دي
فيما قال أحمد الأخرس، الذي يقود جهود ترميم الشبكة في الجنوب، إن فرقه تشهد في كثير من الأحيان عمليات نهب لكنها عاجزة عن التدخل لأن اللصوص عادة ما يكونوا مسلحين.
وكشف أن المستودعات “شبه فارغة” بين مدينتي السويداء ودرعا، حيث سُرق 130 طنًا من موصلات الألمنيوم عالية الجهد خلال الأشهر الماضية.
انعدام الأمن يعيق محاولات الإصلاح
من جانبه، قال الخبير في قطاع الطاقة في سوريا، غياث بلال، إن البلاد لا تزال تتخذ خطواتها الأولى في التعافي من الحرب، وبالتالي تظل وجهة عالية المخاطر للمستثمرين، وتفتقر إلى المكونات الرئيسية مثل العملة المستقرة والقطاع المصرفي الفعال والآمن.
وأضاف أن انعدام الأمن وانعدام السيطرة الإقليمية يعوقان محاولات الحكومة لإصلاح الشبكة.
وقال وزير الطاقة البشير إن الحكومة تعول على أن يتولى القطاع الخاص دورا قياديا في إصلاح الشبكة، مع إمكانية شراكة الشركات مع الدولة كمتعاقدين.

وتأمل الحكومة السورية من خلال هذه الصفقات، أن تتمكن من بيع الطاقة للمستهلكين، واسترداد استثماراتهم، ومنذ إعلان ترامب رفع العقوبات، أبدت شركات صينية وأميركية وقطرية وتركية اهتمامها باستثمارات محتملة في الشبكة، وفقًا للمتحدث باسم وزارة الطاقة، أحمد سليمان.
وأضاف أن خطط الحكومة تتضمن قيام المستثمرين من القطاع الخاص باستئجار محطات المحولات وخطوط النقل ذات الجهد العالي حتى استرداد استثماراتهم.
ويتمثل التحدي الرئيسي الذي يواجه المستثمرين في أن الكهرباء في سوريا كانت مدعومة بشكل كبير منذ فترة طويلة، حيث يدفع المستهلكون في ظل حكم الأسد جزءا ضئيلا من التكلفة الحقيقية.
مستقبل أسعار الكهرباء
قال الباحث في قطاع الكهرباء في المعهد اللبناني لدراسات السوق، سامر ضاحي، إنه مع وجود 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، فإن أي رفع للدعم سيكون تدريجيا.
يرى بعض المستثمرين مجالاً لخفض أسعار البدائل المؤقتة الحالية، مثل المولدات الكهربائية الخاصة، ويتوقع رجل الأعمال السوري ضياء قدور، الذي يخطط لاستثمار 25 مليون دولار في شبكة الكهرباء في شمال سوريا، أن يقدم أسعاراً أقل بكثير من المستويات التي يدفعها المستهلكون الذين يعتمدون حالياً على هذه البدائل.
وقال قدور إن خطته الأولية، من خلال شركته المرخصة في تركيا، STH Holding، هي تزويد ما يصل إلى 150 ألف منزل في ريف حلب بالكهرباء، بالاعتماد على الطاقة من تركيا المجاورة.
ورغم التحديات، أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تفاؤله، مستشهدا بخبرته في العمل في الشمال، حيث كانت تركيا لفترة طويلة داعما رئيسيا للمعارضة ضد الأسد، وقال: “أفضل ما لدينا هو أننا موجودون على الأرض منذ خمس سنوات”.
الأضرار الجسيمة التي تعرضت لها محطات توليد الكهرباء، أدت لخروج الكثير منها من الخدمة لتعاني البلاد عجزًا بالكهرباء تخطى الـ 80 بالمئة، ما يشكل تحدياً كبيراً على صعيد البنية التحتية اللازمة لدوران عجلة الإنتاج في البلد الذي يسعى لإعادة بناء اقتصاده بعد سنوات من الدمار.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

هل تُشعل صفقة الـ5000 ميغاواط التاريخية أمل الكهرباء في سوريا؟

خاص: بحضور المبعوث الأميركي.. الشرع يوقع مبادرة تاريخية

وعود حكومية بتحسن تغذية الكهرباء في سوريا.. ما الموعد؟

“الكهرباء” تثير الجدل بقرار جديد وتلغي حساباتها المصرفية.. ما السبب؟
الأكثر قراءة

ياسمين صبري تتجاهل محمد رمضان وتقع في ورطة بسبب الرياضيات!

وعود حكومية بتحسن تغذية الكهرباء في سوريا.. ما الموعد؟

وزارة الداخلية تبدأ بإعادة الهيكلة: ستة معاونين للوزير وتعيين قادة للأمن الداخلي في المحافظات

واشنطن ترفع القيود.. هل تبدأ سوريا فصلاً اقتصادياً جديداً بعد قانون قيصر؟

هل تُشعل صفقة الـ5000 ميغاواط التاريخية أمل الكهرباء في سوريا؟

هبة نور منزعجة من بسام كوسا فما السبب؟
المزيد من مقالات حول اقتصاد

عشية الأضحى.. “أكلات العيد” تحت وطأة الغلاء في سوريا

قيمته 300 مليون دولار وتتنافس عليه شركات خليجية.. ما هو مشروع سوريا للألياف الضوئية؟

الرفع “الشفهي” للعقوبات يكبل الخطوط الجوية السورية ويشل حركتها

ستة أشهر بين إدارة جديدة واقتصاد مأزوم.. متى يلمس السوريون تحسناً في معيشتهم؟

أسواق دمشق قبيل العيد: بشر بلا شراء والأسعار “صامدة” رغم وعود الانخفاض

قرار الـ 100 دولار.. مسؤول سابق يبرر الإجراء الأكثر جدلاً في معابر سوريا

حركة نشطة في الحسكة رغم ضعف القدرة الشرائية: محاولة للحفاظ على طقوس العيد؟
