رشا عباس

في ليلة خريفية هادئة، حيث تنساب نسائم الهزيع الأخير من الليل بعذوبتها على المدمنين الغائبين عن الوعي في الطرقات، كان العميل (ك) يحث خطواته بسرعة متجهاً إلى المكان الذي ستنفّذ فيه مهمة اليوم.. لم تكن بالمهمة السهلة، إذ كان على العميل (ك) أن يحافظ على هويته السرية من ناحية، لئلا يثير ارتياب #الوزير المستهدف، وعدم لفت الأنظار من ناحية أخرى إلى كاميرا التجسس الخفية المحمولة على الكتف من الطراز القديم المزود بشرائط فيديو كبيرة الحجم مع مايكروفون طاولة، وهنا كان التحدي الأكبر لقدرات العميل (ك) الذي لم يتمكن من الحصول على معداتٍ تجسس أصغر حجماً بسبب تزامن موعد المهمة مع موسم الهيجان الجماعي لصناع الأفلام التجريبية المستقلة واختفاء كل المعدّات من عند مؤجري المعدات الفنية.

 

شعر العميل (ك) بضربات قلبه تتسارع وهو يدقّ جرس الباب. لقد بات قاب قوسين أو أدنى من تنفيذ المهمة التي ستكشف المستور بحسب تعبير العميل “ك” ذي الذائقة اللغوية التافهة.

فتحت الباب فتاة تبدو كأنّها الخادمة، فكاد العميل (ك) يفقد أعصابه وينسى المهمة التي أتى من أجلها بسبب ضميره الإنساني الحي، محاولاً أن يوضح للآنسة الجهود التي كان #لينكولن قد قد قام بها منذ مائة وخمسين عاماً لإلغاء العبودية، فاعتذرت منه الآنسة بأسف شديد لأنّ أصحاب البيت نبهوا عليها ألا تستقبل أحداً من #شهود_يهوه، وكادت أن تغلق الباب لولا مرور الوزير الذي كان يتريض في باحة المنزل.

سارع الوزير (س) إلى إبعاد الفتاة على عجل مصافحاً العميل (ك)، ومن ثم أخذه جانباً ليهمس له متسائلاً عن الضيف الآخر الذي جلبه معه، وهنا عادت ضربات قلب العميل (ك) للتسارع، إذ كيف يمكن أن يخطر لعقل مخلوق أنّ الوزير (س) سينتبه لوجود المصوّر الشاب الذي أحضره العميل (ك) معه ليقوم بحمل الكاميرا؟ لطالما كان هذا الشاب عديم الحضور وغير مرئي بالنسبة للعميل (ك) فلم يتوقع أن يواجه هذه اللحظة الحرجة بصراحة.. كالعادة، لم يخنه ذكاؤه في مثل هذه الأوقات الصعبة وقال محاولاً ألا يرّف بعينيه محدقاً في عيني الوزير (س) بثبات: “عزيزي س أنا محرج جداً منك، ولكن سأسرّ لك بمعلومة شخصية كي لا تظن أنني جلبت أحداً إلى الجلسة، في الواقع منذ أن حاولت قراءة كتاب (شمس المعارف الكبرى) من باب الفضول، حتى حضر هذا القرين الذي لا يفارقني مثل ظلّي”. حدّق سعادة الوزير (س) ببعض الشكّ في الشاب، فسارع العميل (ك) للقول واضعاً يده بمودة على كتف الوزير: “تعلم؟ لاحظت أنّ لا أحد يستطيع رؤيته سوى الشرفاء” عندها عدّل الوزير (س) من وضع نظاراته قائلاً: “هذا منطقي للغاية، مع ذلك أفضّل الحفاظ على سرية هويتي حتى أمام هذا القرين، وأفضّل أن تتم مناداتي باسمٍ مستعار خلال الجلسة”.

كان الثلاثة في هذه اللحظة قد وصلوا إلى غرفة الجلوس الفسيحة، فاستأذنهم الوزير (س) وغاب للحظات عائداً بمرح وهو يحمل ما بدا أنّه مجلة كوميكس. وضع المجلة بخجل بين يدي العميل (ك).

العميل (ك): #وندر_وومان؟

الوزير (س): نعم، بصراحة هي البطلة المفضّلة لدي، كانت دائماً قدوةً لي.

العميل (ك): جميل.

الوزير (س): كنت أنتظر هذه اللحظة التي أدخل فيها عالم التشويق لأختار لنفسي اسماً حركياً، حتى جاءت فرصة قضية المتفجرات السرية هذه.

العميل (ك) مبتسماً: أظنّ أنّني عرفت الاسم الذي تريد أن أناديك به ويشار إليك به في القضية من الآن فصاعداً.

وندر وومان: لا أشك بذكائك عزيزي (ك)، اعذرني، لا أريد أن أتجاوز الحدود بفضولي، ولكن هل لي أن أسأل لمَ قام قرينك بتثبيت المايكروفون على الطاولة أثناء حديثنا ثم قام بالوقوف مترصداً هكذا وهو يحمل هذه الكاميرا على كتفه؟

العميل (ك): إنّه قرين يا عزيزي وندر، مهمته أن يترصد البشر. لا عليك به، دعنا نباشر الحديث عن المتفجّرات وأرجو أن تتحدث بصوتٍ واضح قرب المايكروفون ولكن دون أن تلصق فمك كثيراً به.

وندر وومان: لا عليّ به؟ لقد أجرى تيست صوت للمايكروفون منذ لحظات!

العميل (ك): إنّه يعمل في تلفزيون تابع للعالم السفلي، ويحب أن يصور كل ما يراه ليقوم بإعداد تقارير منوّعة بعد ذلك، لا تهتم به هذا التلفزيون لا يبثّ للبشر.

وندر وومان: حسناً هذا مطمئن، ماذا عن المتفجرّات؟

العميل (ك): نعم، إذاً هل أنت مصرّ على التكفّل بنقل المتفجرات لنتمكن من ترويع الآمنين بها؟

وندر وومان بحماس: نعم نعم طالما فقط #علي و #بشار يعرفان ما يحدث. سنحجز van  كامل لهذه المهمة. هل تريد بعضاً من هذا الصبّار؟

العميل (ك): لا شكراً، ولم أنت فرح هكذا بحجز الفان، هل هي رحلة تخييم للهيبيز؟

وندر وومان: لا ولكن الفكرة ليست سيئة، نستطيع أن نحوّلها إلى حفلة أزياء تنكرية. هل أنت متأكد أنّك لا تريد الصبّار؟ إنّه مفيد للأشرار.

العميل (ك): مرة أخرى، لا. ماذا عن رجال الدين الذين قد يتواجدون على الإفطار يوم تنفيذ العملية؟

وندر وومان يشير بيده إلى رقبته علامة الذبح ثم يقهقه بشرّ وهو يلتهم صبارة طازجة، ثم يشير بيده علامة شواء ومن ثم علامة حرق بالكاز ويستمر بالقهقهة.

العميل (ك): ألا تشعر أنّك تبالغ كثيراً عزيزي وندر؟

وندر وومان بخجل: عفواً، لكن أظن أنّني استهلكت الكثير من السكريات مساء اليوم فأصبحت هايبر هكذا.

يقوم من مكانه ليتمشى قليلاً في المكان ثم يبدأ غضبه بالتصاعد: طيلة حياتي، طيلة حياتي، لم يقدّرني أحد التقدير اللائق، الكلّ مهتم فقط بحكايات تلك الأسماء التجارية الشهيرة من زعماء الميليشيات السابقين التافهين، ولا أذكر أنّ أحداً تعامل معي بنفس الرهبة. الكل يتسابق ليروي أغرب المذكّرات عن كلّ منهم، لتأليف الكتب وعمل الأفلام الوثائقية عنهم.

يلتفت بجدّية إلى العميل (ك): والآن انتهى وقت الكلام، هلّم بنا إلى الكاراج، هناك 70 كيلو من المتفجّرات تنتظر عنايتنا بها.

العميل (ك): نعم لم لا تسبقنا إلى هناك؟ سنلحق بك بعد قليل بعد أن أساعد قريني في نقل معدات تصوير العالم السفلي إلى الكاراج.

يغادر وندر وومان الغرفة، فيهمس المصوّر لقرينه العميل (ك): لقد قمنا بعملٍ رائع أليس كذلك؟ هذا الشريط الذي نملكه سينهيه إلى الأبد..

ينهض العميل (ك) من مكانه بإحباط ويقف مقابل النافذة.

العميل (ك): بل سنوضّب أغراضنا ونغادر هذا المكان على الفور، ذهبت جهودنا أدراج الرياح.

المصور: ولكنّنا على وشك تصوير أهمّ دليل الآن! كيف يمكنك قول ذلك؟

العميل (ك) يستدير ويتناول بملل قطعة صبّار طازجة: “لن ننجح في استصدار أي حكمٍ جدي على هذا الرجل الذي ينادي نفسه وندر وومن، لن يأخذه أي عاقل على محمل الجد ببرنص الاستحمام هذا وخفّ المنشفة الذي يرتديه.

يصمت الرجلان بينما تتصاعد ضحكات وندر وومان الهستيرية من الكاراج مع دخول أول شعاعٍ من نور الشمس إلى الحجرة.

تمّت

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.