وائل العبدالله

منذ بدء الإطلالات الإعلامية للبيب نحاس (مسؤول العلاقات الخارجية في #حركة_أحرار_الشام_الإسلامية) في الصحف العالمية، وكثيرون يتحدثون عن تغييرات أساسية في بنية الحركة، فالأمر يتجاوز محاولات لبيب – ممثلاً للحركة –  لتلميع أو (تصحيح) صورة الحركة الأصولية على مستوى الدبلوماسية العالمية.

 

ليست #واشنطن بوست مركز صناعة القرار في الإدارة الأمريكية، بل هي إحدى قنوات تصريف هذه القرارات والرؤى، وكذلك الأمر في الهيرالد تريبيون والديلي تلغراف، والأمر يتعدى قدرة مقال صحفي عن مسؤول ما، يخاطب ودَّ المسؤولين في هذا البلد أو ذاك.

فقنوات التواصل الدبلوماسية والأمنية تمر بطريق لا يعرفه العوام، ولها مفاتيحها وأبوابها، إذا إن  #الولايات_المتحدة وبريطانيا و #السعودية كانت قد بدأت بالفعل التواصل مع الحركة، إن لم نقل التنسيق معها وترك الباب مفتوحاُ لها.

تمثل حركة أحرار الشام القوة الأكثر تعداداً وانضباطاُ نسبياُ، والأقل رعونة وتشدداُ من بين الحركات الجهادية الأصولية في #سوريا، وبقاء الحركة على قيد الحياة بعيد اغتيال قادتها من الصف الأول والثاني والثالث هو دليل على قدرة الحركة على الاستمرار وعدم انهيارها الذي كان مؤكداُ لفترة تلت عمليات الاغتيال، وتضم الحركة حسب المراقبين 30 ألف مقاتل مدرب ومسلح، وهو رقم كبير مقارنة بأقرانها من الحركات المقاتلة في سوريا.

لم يبخل الحليف العدو للأحرار( جبهة النصرة) وهو الفرع المعلن لتنظيم القاعدة في بلاد الشام بتوجيه رسائل التخوين والتهديد المبطن والمعلن للحركة، فبنيتها الجهادية وغناها بالموارد البشرية تجعلها هدفاً مرغوباً لجبهة النصرة، فتفكيك حركة أحرار الشام يعني انضمام غالبية مقاتليها لجبهة النصرة، وقد حصل تسرّب في العناصر من الحركة إلى النصرة بعيد عمليات الاغتيال التي استهدفت قياديي الأحرار.

يقول نشطاء على الأرض بأن حركة الأحرار هي أقل الحركات التي تسببت بأذى مباشر لمدنيين في المناطق التي تحكمها، إذ تكاد تنعدم نسبة أذيتها لمدنيين في مناطق سيطرتها المفردة، فيما ترتفع في المناطق ذات الإدارة المشتركة المتمثلة في #جيش_الفتح.

الحركة في غالبيتها الساحقة إن لم نقل كلها من أبناء سوريا، ولم نسمع بمهاجر قيادي فيها، إذ حرص مؤسسها ورفاقه على سورية الحركة، وقد حاولت الحركة تجنب الصدام المباشر مع النصرة بعد انخراطها المباشر في قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وقد حصلت بعض المناوشات بينهم وبين النصرة التي لا تترك مناسبة للغمز واللمز على سياسة الحركة والتي تعتبرها النصرة محابية للغرب ومنساقة خلف شعارات مموهة لا تطابق المشروع الجهادي الذي تتبناه النصرة نسخاً عن تنظيم القاعدة وأميره الظواهري.

تختلف الحركة من الجانب القيادي عن بقية الفصائل كون لا شخصاً يمثلها، فتنظيم الدولة والنصرة وجيش الإسلام وجند الأقصى تُعرف بقائدها أو خليفتها أو أميرها الذي لا يبدله إلا الموت، فيما سجل في الحركة عمليات انتخاب لقادة وتحديد فترات ولاية لا تتجاوز الأشهر الستة أو السنة على أبعد تقدير.

كان حضور الحركة في مؤتمر الرياض لقوى المعارضة السورية، لتشكيل جسم مفاوض، مفاجئاً للجميع، فكيف لتنظيم سلفي – حتى اللحظة لا تزال الحركة متهمة بمبايعتها سراُ للقاعدة أو لنقل قاعدية الهوى – الجلوس على طاولة مفاوضات كهذه، ليثير بعد لك انسحابها من البيان الختامي خيبة أمل للمراقبين، ولكن القائمين على الأمر كانوا يعلمون أن النصرة أعدت لحرب ضروس ضد الأحرار إن ذهبوا لأبعد من الحضور في المؤتمر.

في الأمس وبعيد خبر انسحاب القوات الروسية من سوريا، سرى خبر اجتماع للفصائل الأساسية في سوريا لإعلان جسم عسكري واحد لا تزال هويته غير محددة، وأمام ذلك يبدو مشروع الحكم الإسلامي للحركة وغيرها من الفصائل الأساسية في سوريا مثل جيش الإسلام  أساساً لبناء العقيدة المقاتلة لهم، فهل سيكون تبنيهم لمشروع وطني سوري تخلٍ عن الحكم الإسلامي؟

أحداث كثيرة تضع الحركة في مأزق وألغام يومية – مآزق سياسية وأيديولوجية – لا تستطيع الحركة ببراغماتيتها المعهودة الاستمرار في تجنبها، فبعد تبني جيش الإسلام علم الثورة السورية باتت الحركة في زاوية لا تحسد عليها، فهناك مطلب شعبي عارم لدى كل السوريين بتبني علم الثورة عند كل الفصائل، وما رأيناه في المظاهرات الأخيرة من توترات واعتداءات من النصرة على علم الثورة إلا رسالة  واضحة من القاعدة بألا علم إلا علمها، ولا مشروع إلا مشروعها، فالنصرة لا تؤمن بالتظاهر ولا بأي نشاط سلمي، بينما فاجئ قادة الأحرار الجميع بنزولهم للتظاهر وإن لم يكن تحت علم الثورة والذي انتظره الجميع يومها على أمل .

يعلم القادة في حركة الأحرار أنهم لا زالوا بعيدين عن تحقيق أي مكاسب في الحاضن الشعبي السني السوري، فالحرب قد تخلق لك حاضناُ متعاطفاُ ومؤيداُ للحركة، ولكن ها هي الحرب تكاد أن تحط أوزارها، وسيعود الناس قريباُ لبيوتهم وحياتهم ولمعركة البناء، ولن يقبل الحاضن الشعبي المؤقت باستمرار ممارسة الحركة لسلطة الأمر الواقع، فطبع الإنسان هو البحث عن الدولة الناظمة لحياته وحياة أولاده والضامنة لحقوق الجميع.

إن لم تستعد الحركة للتحول لحزب سياسي يخاطب القاعدة الشعبية ويجد لنفسه مشروعاُ واضح المعالم، وينخرط في الحياة السياسية السورية فستجد الحركة نفسها على أبواب المواجهة مع ذات الحاضن الشعبي الذي احتواها لسنوات أربع مضت.

لماذا الحركة تحديداً؟ لأن الحركة اليوم هي القوة الوحيدة القادرة على مواجهة داعش والنصرة، فالإعداد العقائدي والتدريب والانضباط الذي تتميز به الحركة هو ما يجعلها القوة التي يراهن عليها حتى الغرب في هذه المواجهة ليس فقط السوريون.

المناخ السوري الشعبي السني بقي مقارباً للاعتدال، ولم تستطع سنوات سيطرة الفصائل المتطرفة الجهادية من تنظيم الدولة انتهاءً بفصائل رفعت أعلاماُ سوداء لكسب ود الداعم، أن تمسح هذه الهوية المعتدلة، ولم تكن ثورة معرة النعمان على النصرة إلا شرارة ستتكرر في كل مكان تتواجد فيه النصرة وراياتها وأقنعتها.

فهل تفعلها أحرار الشام؟ أم سنرى قريباُ ثورة على الأحرار أيضاً؟

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.