المقاتلون الأفغان “الشيعة” وقود الحرب الإيرانية في سوريا

المقاتلون الأفغان “الشيعة” وقود الحرب الإيرانية في سوريا

وكالات (الحل) – نشرت صحيفة ليبراسيون تقريراً عن لواء فاطميون “الشيعي” الذي يحارب اليوم في سوريا إلى جانب النظام السوري. فقد تم إنشاء هذا اللواء في عام 2013 من قبل الحرس الثوري الإيراني. وهو يقوم بتجنيد المهاجرين الأفغان “الشيعة” للقتال في سوريا إلى جانب نظام بشار الأسد حتى الموت مقابل المال في حربٍ ليست حربهم.
حيث تروي ليبراسيون قصة حسين الذي لا يفعل شيئاً في هذه الحياة. فتراه جالساً في حديقة أحد الأحياء الفقيرة في طهران وهو ينتظر. فقد وعده أحد الأصدقاء بأنه سيصطحبه معه لينام في منزله عند حلوا الليل. وبحلاقة شعره التي تشبه حلاقة لاعبي كرة القدم, فإن حسين يبدو مثل الكثير من الشباب هنا. لكن حسين أفغاني وهو يعيش بشكل غير قانوني في إيران حاله كحال مليوني أفغاني يعيشون بدون أوراق في هذا البلد، بحسب المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة. وفي هذه الحديقة العامة من الصنوبر المقطوع، يجلس حسين وحيداً وبعيداً عن مجموعة من الرجال الذين يستريحون في جادة قريبة. ويشير إليهم حسين بإصبعه دون أن يتجرأ بالنظر إليهم قائلاً: “إنهم الزعران الذين يذهبون إلى سوريا من أجل المال. إنهم يحاربون من أجل المال فقط. إنهم يرتدون ثياب المقاتلين، وهم يتكلمون مثل مقاتلي فاطميون”.

وتلميح حسين واضح: فلواء فاطميون، وهو الاسم الكامل، هو لواء أنشأه الحرس الثوري الإيراني في عام 2013. حيث يجمع هذا اللواء بين جنبيه “الشيعة” الأفغان “الهازارا” الذين يذهبون للقتال في سوريا لإنقاذ نظام بشار الأسد. وقد سبق وأن وضعت الولايات المتحدة الأمريكية هذا اللواء على لائحة العقوبات منذ شهر كانون الثاني من هذا العام، كما صنفت الحرس الثوري الإيراني، صانعه، كمنظمة إرهابية هذا الشهر.

ويبن التقرير بأنه وفي ذروة الحرب السورية في عامي 2015 و 2016، وصل عدد مقاتلي لواء فاطميون، برايتهم الصفراء المزخرفة ببندقيتي كلاشنكوف وأغصان، إلى حوالي عشرة آلاف مقاتل. ويذكر حسين تلك الحقبة تماما وإن كانت تبدو له بعيدة مقارنة بسنين عمره الثلاثة والعشرون. فقد كان قد وصل لتوه سراً إلى الأراضي الإيرانية. حيث كانت السلطات الإيرانية تبحث عن المتطوعين المعنيين في كل مكان. ويستطرد حسين قائلاً: “كانوا يبحثون عن الشبان الأفغان حتى داخل المصانع وحتى أولئك القتلة القابعون في السجون. وكانوا يعدونهم بإطلاق سراحهم إذا ما وافقوا على الذهاب إلى سوريا. وفي أحد الأيام قامت الشرطة الإيرانية باعتقالي. وقالوا لي صراحة: «إن وافقت على الذهاب للقاتل في سوريا, سنعطيك ما تريد من نقود وبعدها سنمنحك الإقامة وكذلك العمل» “. لكن حسين رفض عرضهم هذا من أجل عائلته المتبقية قبل كل شيء. فإن هو قتل في سوريا، فلن يتبقى لوالديه أحد في هذه الحياة وستضطر أخواته للعمل بالدعارة كي تستطيع العائلة البقاء على قيد الحياة. فهذا الشاب الذي كان قد حكم عليه بالطرد من أفغانستان، وجد نفسه مجبراً على الفرار مرة أخرى.

لكن بالمقابل، فإن كثيرين آخرين وافقوا على الذهاب إلى سوريا. وإن كان ذلك غالباً بسبب الضغوطات، المادية على الأقل، وليس بناءاً على قناعة إيديولوجية. فقد قام النظام الإيراني بتطوير رواية سياسية دينية ليبرر دعمه المكلف جداً للنظام الدكتاتوري في دمشق. فالمفترض بالتدخل إيران بالأساس أنه كان يهدف إلى حماية الأماكن الشيعية المقدسة فقط وعلى وجه الخصوص مقام السيدة زينب في ضواحي دمشق. وبالتالي أصبح اسم المقاتلين الذين جندهم الحرس الثوري الإيراني والذين تبنوا هذه السياسة الاستراتيجية الإيرانية “مدافع حرم”، أي المدافعين عن الأضرحة. وبالتالي فهم يضحون بأرواحهم في سبيل هذا الهدف.
لكن ليس هناك من مغفل واحد اقتنع بهذه الحجة الواهية. حيث يقول عجوز أفغاني، التقت به ليبراسيون في أحد مطاعم الكباب في مدينة طهران، موضحاً: “الذهاب إلى سوريا؟ لقد كنا نعيش في أفغانستان وقد هجرنا بلادنا بسبب الحرب. وإن كان علينا القتال ولابدن فإن ذلك يجب أن يكون في أفغانستان وليس في سوريا”. وليس بعيداً عن ذلك العجوز، يجلس شابان على مقعد خشبي ولا يبدو عليهما كذلك أنهما قد صدقا تلك الكذبة التي ابتدعتها السلطات الإيرانية بالرغم من أنهم ذهبوا بالفعل إلى سوريا. حيث يلمز أحدهم بعيونه البنية الفاتحة، قائلاً: “لقد ذهبنا مرتين إلى سوريا عام 2016. ذهبنا لنزور عمتنا زينب. ولقد نمنا عندها”. لكنهما لا يقولان شيئاً عما كانا يفعلاه هناك وقد اكتفوا بالحديث عن كيفية انضمامهم للواء فاطميون.

وينظر أحدهما نحو اليمين حيث يوجد بالقرب من هناك مرقد شاه عبد العظيم، حفيد أحد الأئمة الاثني عشر الذين يحتفي بهم الشيعة. فهناك وجدوا مكتباً لتجنيد “الهازارا”. حيث يؤكدون بأن المكتب كان في الضريح، لكن هناك مكتب آخر في المدينة، في نهاية أحد الأزقة في الجوار. كذلك الحسينية (مبنى ديني شيعي) كانت ترفع شعار فاطميون على لافتة كبيرة، لكنها تبدوا مغلقة. ومن الآن وصاعداً بات لابد من الذهاب إلى باكداشت، مدينة فقيرة تقع في جنوب العاصمة طهران، يبين كلا الشابين بوجوه موجمة. أما فيما يتعلق بكل ما تبقى من معلومات عن المعارك والتسليح والقيادة, فقد آثر الشابان الصمت. لكن أحدهما غير رأيه وتكلم بالكاد بعد أن دخن سيجارته حتى النهاية وتلفت بقلق حوله. وبعد أن طلب رؤية كرت الصحفيين، أخرج من جيبه هوية تثبت إقامته الشرعية في إيران، وأردف موضحاً بأنه قد ذهب في عدة مناسبات إلى سوريا, لكنه كان يعود في اليوم التالي مباشرة. وقد كان هذا كل ما أسره لليبراسيون. ليسحق سيجارته ويعيد قناع مكافحة التلوث إلى فمه مرة آخرى في إشارةٍ منه إلى أنه مغلق الآن.

وفي تلك الحديقة العامة، استقبلت مجموعة صغيرة من لواء فاطميون، والذين أشار إليهم حسين, فريق ليبراسيون بابتسامات ساخرة. وجميعهم يرتدي الزي الكاكي والسترات العسكرية والكوفية السوداء والبيضاء. وقد كان أحدهم سعيداً وهو يتكلم إلى الفريق باللغة الإنكليزية بلكنة أمريكية قوية. فقد سبق له وأن عمل مع القوات الأمريكية في أفغانستان. وعند سؤاله فيما إذا كان قد عمل كذلك في سوريا مع الحرس الثوري, أجاب بجفاء: “ليست لدي أية معلومات”. أما أولئك الذين وافقوا على إعطاء بعض التفاصيل فإنهم كانوا يتحدثون على لسان أصدقاء أو حتى أقارب التحقوا بلواء فاطميون. وإن كانوا لا يقولون أبداً بأنهم كانوا قد التحقوا كذلك بهذا اللواء، فإنهم يعرفون كيف تسير المهمات في سوريا: مابين شهرين أو ثلاثة، تسبقها دروس ودورات دينية وتدريب موجز على استخدام الأسلحة، تحت أوامر مباشرة من أفغاني آخر. أما بالنسبة للراتب، فهو على الأقل ثلاثة أضعاف ما يمكن أن يحصل عليه أفغاني يعمل في مجال البناء وفي ظروف قاسية لا تطاق. أي حوالي مئتين يورو شهرياً في مقابل أن تموت في سوريا! حيث يلاحظ ماثيو بوكستن, باحث ومراقب للوضع السوري منذ سنين, بأن الإيرانيين يستخدمون الأفغان وقوداً لحربهم في سوريا.

من ناحية أخرى يكشف التقرير بأن لواء فاطمينون بات يمتلك ومنذ عام 2016 ضمن صفوفه وحدات ثقيلة بما في ذلك العربات المدرعة T-72 و T-90 (روسية الصنع). لكن الضريبة البشرية التي دفعتها هذه الميليشيا تختلف باختلاف التقديرات. فالمتحدث الإيراني باسم لواء فاطميون يتحدث عن حوالي ألفي قتيل في السنة الماضية. أما علي الفونة، باحث في مركز Think Tank في واشنطن لسياسة الشرق الأوسط, فيحصي عدد الأفغان الذين لقوا حتفهم في سوريا وتم دفنهم في إيران بـ 905 من المقاتلين “الهازارا”. لكن هذا الرقم لا يأخذ بعين الاعتبار، بطبيعة الحال, جثث المقاتلين الأفغان المنسية في ساحات المعارك ولا حتى المعتقلين أو المفقودين.

هذا وتكرم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعض الجثث التي تمت استعادتها من سوريا. ففي بهشت زهراء، المقبرة الكبيرة في طهران، هناك قسم خاص بلواء فاطميون كي يدفن فيه قتلاه. ويقع هذا القسم بين قبور الصحفيين الذين قتلوا في تحطم الطائرة وقبور النواب الذين قتلوا عند مهاجمة البرلمان من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في شهر حزيران من عام 2017. ويوجد في قسم اللواء هذا حوالي خمسين قبراً نقش عليهم “مدافع حرم”. حيث تم رسم صورة المتوفى على رخام أسود مع أية من القرآن أو مقطع من قصيدة فارسية كلاسيكية مكتوبة بخط جميل, بالإضافة إلى الاسم أو عبارة” شهيد مجهول” أو “ابن روح الله” (الاسم الأول لآية الله خميني), إذا ما كان المقتول مجهولاً. حيث تروي تواريخ الميلاد والوفاة قصة المعارك في سوريا وضراوتها. فالرضى رحيمي, قتل في حمص في الثالث والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 2015. وبالنظر إلى صورته، يبدوا عليه أنه كان لا يزال يافعاً, فقد قتل بعمر السابعة عشر.

وفي يوم الخميس، تتدفق العائلات لزيارة قبور موتاهم, الابن في أغلب الأحيان والأخ في أحيان أخرى. ويتحدث عجوز يرتدي السلوار كميز, الزي الأفغاني التقليدي، إلى ليبراسيون والكرسي القابل للطي تحت إبطه بطيب خاطر عن ابنه الذي لا يزال في حداد دائم من أجله. فمن المفارقات أن “استشهاد” ابنه في العام الماضي في حمص قد فتح الباب أمام والديه في إيران. حيث يقول العجوز الأفغاني والدموع تملأ عينيه: “السلطات الإيرانية دعتنا إلى هنا ومنحتنا جوازات سفر ووعدتنا بمسكن. لكننا لا نزال بانتظاره!”. فقد ترك ابنه هذا ورائه ثلاثة أطفال بأعمار صغيرة. وهم اليوم تحت وصاية جدهم الستيني والذي يبدو وكأنه أكبر بعشر سنوات من عمره الحقيقي. فالتعويض الذي يتقاضاه والبالغ 170 يورو, بالكاد يكفي لسد احتياجات هذه العائلة. وفجأة يصعد الغضب لوجه هذا العجوز, فينفجر قائلاً: “لقد كان ابني انتحارياً. الجيش السوري أجبره على ذلك. لقد ربطوا قنبلة حول جسده”. ويكرر عدة مرات المصطلح باللغة العربية “انتحاري”.

تأكيد الأب هذا على أن ابنه كان انتحارياً كان مفاجئةً للعديد من الخبراء الذين التقت بهم ليبراسيون. حيث يقول فيليب اسميث, الباحث في مركز Think Tank في واشنطن لسياسة الشرق الأوسط والمتخصص بالميليشيات الشيعية، مستغرباً: “لم اسمع أبداً بأن لواء فاطميون يعتمد على التفجيرات الانتحارية. أنا أشك بأن يكون قد ارتدى حزاماً ناسفاً”. من جهته، أكد بوكستون بأنه لم يسمع أو يرى أبداً لواء فاطميون يستخدم العمليات الانتحارية في سوريا. لكن العجوز مقتنع تماماً بأن ابنه كان انتحارياً. فقد رأى جثة ابنه مقطعة إلى أشلاء عند دفنه، حيث كان الحرس الثوري حاضر بقوة.

وفي الجوار كان هناك امرأة عجوز قد لفت نفسها برداء أسود وحجاب طويل ترتديه النسوة الأكثر تقية في إيران. فقامت بتنظيم قبر ابنها بالماء ثم نثرت عليه ثلاث باقات من الزهور البرتقالية. وإلى جانبها وقف رجل بلحيته البيضاء وقلنسوته الحمراء وهو يصلي من اجل ولده محمود حسيني, الذي قتل في 27 أيار من عام 2017 بعد ذهابه وإيابه إلى سوريا لمدة عامين ونصف. ويقول العجوز بحزن: “آخر مرة غادر دون أن يقول شيئاً. فأنا مصاب بأمراض القلب ولم يكن يريد أن يقتلني”. ويضيف: “لقد تردد في الذهاب. لكن وفي إحدى الليالي, رأى زينب وهي تناديه في الحلم. نحن شيعة ويجب أن ندافع عنها”. ثم يعرض الأب العجوز للصحفيين صورة ابنه وهو يرتدي الزي العسكري. وفي مكان قريب، ارتفع صوت المكبرات وهي تصدح بأغاني دينية للحسين, إمام الشيعة الثالث.

ترحير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.