رانيا عيسى – دمشق:

لكل حرب ضريبة، لكن ضريبة الحرب السورية لازالت تفرض أتاوات على سبيل البقاء على قيد الحياة في البلاد، غذائياً وصناعياً، بعد أن كانت تعيش الاكتفاء الذاتي من سلتها الغذائية قبل الحرب، لكن قطاعات رئيسة حيوية باتت تعاني ضموراً، ليصعد على أطلالها مهن أخرى، وعليه يتحول الاقتصاد إلى «بسطة» لتضاف إلى ظاهرة “البطالة المقنعة” دون الاعتراف بوجودها صراحة، في وقت تطارد فيه الحكومة البسطات بالغرامات أولاً قبل تدوين المخالفات، بحجة «جمالية».

 

عدد من المهن غير المحصورة شارفت على وضع نقطة في آخر سطر العمل، وأسباب لاحصر لها تقف وراء ذلك كنقص الكهرباء والمحروقات التي باتت شبه متوفرة، وبعضها الآخر يفتقر إلى اليد العاملة الشابة، التي بات شبح الخدمة الإلزامية يطاردها إلى أن ألقى بها في شواطئ اللجوء، بدلاً من المضي إلى خطوط القتال.

صيانة دون الجودة

في الماضي القريب كانت محال صيانة الكومبيوترات تعج بفئة الشباب بين مبرمج وبائع، لكن الخدمة الإلزامية طرقت باب المحال، فأبدلتهم بفئة عمرية أقل.

تقول نجلاء “طالبة” لموقع #الحل: “اعتدت التردد إلى محل في البحصة لصيانة حاسوبي على فترات متقاربة، فمعرفتي بالتقنية خجولة” وتابعت: “منذ قرابة العام لم أعد أرى من كان المسؤول عن برمجة الحاسوب وكذلك الصيانة، في السابق كان هناك 3 شبان يعملون في المحل، واليوم استبدل الشبان بفتى لا يتجاوز الـ15 من عمره وعلمت أنهم اضطروا للهجرة هرباً من الخدمة، واليوم لم تعد جودة خدمة الصيانة كما السابق، وفتى بعمر الـ15 ليس بخبرة شاب بمتمرس”.

يقول «غسان» صاحب محل لبرمجة الحواسيب في ركن الدين: “حاولت جاهداً كأي سوري مواجهة الظرف لأبقي المركز يعمل كما السابق، وعلى خلاف المتوقع، تراجع الوارد من صيانة الحواسيب، وارتفع الطلب على شراء الراوتر وملحقات الإنترنت”.

الكهرباء تغلق محلات “الكوي”

يبدو أن «حسام» ذو 12 ربيعاً سيودع نهاية العام باحثاً عن عملٍ آخر، فبحسب آخر دراسة لمنظمة «اليونيسيف» تبين أن “معظم #الأسر_السورية تعتمد على أطفالها في تأمين الدخل الشهري”، في وقت كشفت فيه الدراسة عن “تراجع سن عمالة الأطفال إلى دون الـ15، وتفاقم نسبة العمالة من 10% إلى 20%”، بعد أن كان السوري يتبنى ثقافة «جرد الطفل» عبر ابتعاثه صيفاً للعمل في إحدى المحال، لكن الحرب قلبت المعادلة.

حيث أذنت الكهرباء لـ«جيفان» وهو صاحب مصبغة في #دمشق  بالتخلي عن مهنته، يقول: “منذ 2012 بدأت تتقلص حصتنا من الكهرباء، فرأس مال عملي هو مواد تنظيف وكهرباء، استعنت بالمولدة، فواجهني نقص المحروقات”.

وأضاف «جيفان» ذو 42 عاماً: “عملي يستند إلى مواسم كالأعياد والأعراس وفصل الشتاء، وعلى إثر ذلك، فقدت معظم زبائني، مردود عملي لم يعد يغطي أجرة المحل، ولا حتى التزاماتي المالية تجاه أولادي، أو أجرة عمل حسام، إلى أن أتاني إنذار الخدمة بعد أن رفع سقف الخدمة إلى 50 عاماً، فما لي سوى الالتحاق بذويي في #أربيل”.

يذكر أن الحكومة رفعت هذا العام سعر استهلاك #الكهرباء بنسبة 100%، وعليه جعلت الشرائح 5 بدلاً من 6 شرائح، فأضحت الشريحة الأولى تبدأ من 1 إلى 600 كيلو واط، بعد أن كانت 400 واط، في وقت زادت فيه ساعات التقنين الكهربائي لتصل إلى 8 ساعات يومياً فقط.

شلل سياحي..وتهمة

لازالت التجاذبات بين مكاتب السياحة والحكومة قائمة، تحمل اتهامات تشي بتسهيل المكاتب هجرة الشباب السوري إلى الخارج، عبر فرص عمل، أو منح دراسية، تهرباً من #الخدمة_الإلزامية.

وحسب ما صرح به وزير السياحة  في حكومة النظام بشر يازجي مؤخراً أن “هناك نحو 400 مكتب سياحي في دمشق من أصل 1150 مكتب في جل المحافظات السورية”، في وقت تشير فيه تقارير صحفية إلى وجود 15 مكتب على قيد العمل من أصل 1000 مكتب.

يأتي ذلك في وقت أصبحت فيه 10 محافظات سورية من أصل 14 خراج الخدمة السياحية، لتسجل تراجعاً ، بعد أن كانت تسهم بنحو 12% من الإنتاج المحلي قبيل الحرب.

وعن أسباب الإغلاق أيضاً يندرج سبب التداول بالقطع الأجنبي كتهمة كفيلة بوضع الشمع الأحمر على قفل المحال أحد أبرز مبررات الإغلاق، علماً أن  معظم المكاتب منتسبة  إلى منظمة  النقل الجوي العالمية «إياتا»،  وتتعامل  وفق نظام bsp   لقطع تذاكر الطيران الإلكترونية، الأمر الذي يفرض عليها رسوماً والتزامات مالية  تدفع بـ #الدولار، في حين تحاول قلة من المكاتب جاهدة في البحث عن حلول بديلة، عبر التواصل مع مكاتب سفر في دول الجوار، لتأمين حجوزات للمسافرين من السوريين إلى دول العالم.

والإعلانات تحتضر

كانت في السابق مجانية، تنافسية، تصل إلى المحال وبعض المنازل، في محاولة منها لمنافسة دليل الصفحات الصفراء، لكن الإعلان عن سلعة بات من كماليات التجارة في #سوريا، خاصة أن غالبية المراكز الصناعية والتجارية تتمركز في ريف المدن، والتي بدورها كانت المتضرر الأكبر من الحرب.

كما أن الإعلان يتطلب بالضرورة الإفصاح عن عنوان المنشأة مذيلاً بالتفاصيل، كان من أبرزها جريدة «ساعي الشام» وجريدة «التقنية» وكذلك «ديكور بوك»، فلم يتبقى منها اليوم سوى «الدليل» و«الوسيلة» التي تقلصت إلى 12 صفحة بعد أن كانت بتعداد أكبر، تعج بإعلانات محلية،غذائية وصناعية ومهنية، لكن الباحثين عن عمل، وعروض بيع العقار أو تأجيرها باتت تحتل المساحة الأكبر منها.

في حين بقي الإعلان الطرقي حكراً على الشركات الكبرى وما تبقى من القطاعات العاملة في سوريا كالاتصالات التي باتت تحتل نسبة 10% من إنفاق الأسرة السورية بالحد الأدنى، وذلك حسب تقرير إحصائي نشرته صحيفة «قاسيون»، إلى جانب البنوك والمصارف التي أضحت جهة «مغرية» لسرقتها، ومثله الإعلان الإلكتروني الذي استحال هو الآخر إلى واجهة إعلانية عن زراعة الشعر في تركيا، ضمن أكثر الإعلانات المطروحة في المواقع السورية.

أجبان وألبان…وداعش!

إلى #دير_الزور شرقاً..أكبر حاضنة تجارية لبيع الحليب ومشتقاته في البلاد، لكن المعادلة الغذائية تغيرت بعد خروج المدينة الصناعية عن الإنتاج، ورزوح المدينة تحت الحصار منذ عامين من قبل تنظيم الدولة الإسلامية (#داعش)، ما أفرز بالضرورة معادلة تجارية جعلها معرضاً للاحتكار.

تتوزع منتجات المدينة الجائعة سابقاً على شبكة داخلية تربط بين المحافظات، يقول أبو أسامة لموقع الحل: “في الماضي القريب كنت أملك معملاً لتصنيع منتجات غذائية قوامها الحليب، وعلى إثره اعتمدت مركزاً للبيع بدمشق، لكن الحرب فرضت شمع الإغلاق، بحث عن مورد صناعي آخر في المدينة، فكلفة التصنيع أقل”.

وعن الصعوبات تتمثل في نقص #المحروقات وزيادة في سعر العلف وارتفاع أجرة التغليف، وكذلك المواد الداخلة في تصنيع الحليب المجفف، وأضاف: «لكن الأمر ازداد سوءاً..دخلت داعش على خط الشحن، فبات الأمر أشبه بالرهان، إما أن تصل البضاعة بضعف ثمنها بحجة مالية من السائق، مفادها أنه اضطر لدفع مبلغ مالي لقاء مرور البضاعة، أو يتأخر وصولها».

وحسب مكتب الإحصاء المركزي الذي يشير إلى أن “#الصناعة تشمل نسبة 27% من الناتج القومي، تضاعفت في السنوات العشر الأخيرة”، لكن يبدو أن التقرير «غض الطرف» عن سنون الحرب الخمس، ليكتفي بالذكر أن نسبة نمو قطاع الصناعة بلغ بنحو 8%، في وقت كشفت فيه تقارير صحفية سورية، عن خروج 250 معملاً لتصنيع الألبان والأجبان في دمشق وريفها، وهو عدد يتجاوز حد الجهات المصنعة للأجبان والمعلن عنها، ما يشي بانتشار جهات مصنعة للغذاء غير مرخصة.

وعلى هامش التقديرات، فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الصناعي رغم رفع أسعار المنتجات، حيث بلغ خلال النصف الأول من عام 2015 نحو 13 مليار ليرة، وكان قد بلغ في عام 2014 نحو 48 مليار ليرة، متراجعاً من حوالي 61 مليار ليرة في عام 2010 إلى 59 مليار في عام 2011، ونحو 49 مليار في عام 2012، و56 مليار في عام 2013.

لكن قائمة المهن المهددة بالزوال لم تنته، فهناك ثلة من القطاعات التي تحتل جزءاً لا بأس به من الناتج القومي في بالبلاد، منها #قطاع_البناء الذي أضحى محدوداً بما تبقى من #العقارات، عقب تقدير تقارير أممية أن عدد العقار المتضرر جراء الحرب يقدر بـ2 مليون، في حين يتطلب إعمارها زهاء 4.5 مليار دولار، لكن الأرقام الواردة تبقى قيد الإحصاء، فالحرب لم تعلن انتهاءها بعد.

كذلك هو الحال بالنسبة لقطاع #السيارات، فعدد غير قليل من صالات العرض باتت خارج الخدمة، فضلاً عن تقلص حصة #سوريا من استيراد السيارات لتصل إلى 2000 سيارة مستوردة سنوياً، حسب ما أعلنته إدارة الجمارك، وسط انتشار ملحوظ لسرقة السيارات، ليعلن القطاع خروجه من دائرة «رفاهية» المواطن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.