بالتزامن مع رفع البنوك المركزية على مستوى العالم سعر الفائدة لمواجهة التضخم، لا سيما بعد قرار البنك الفيدرالي الأميركي برفع معدلات الفائدة على الأموال الفيدرالية بربع نقطة مئوية لتصبح 0.5 بالمئة، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2018، أقر مصرف سوريا المركزي، قرار برفع الفائدة بمعدل 4 بالمئة، لكن هذا القرار جاء مرفقا بتعديل سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار لتنخفض بحوالي 300 ليرة، ما يدل على أن السياسة النقدية للبلاد آخذة في الانهيار.

لا ثقة بسياسة المركزي السوري

يعدّ رفع سعر الفائدة في الأزمات الدولية محركا عاجلا من البنوك المركزية، لاستعادة ثقة العملاء، وعدم سحب ودائعهم واستبدالها بعملات الملاذ الآمن، إلا أن في سوريا وعلى مدى الأعوام السابقة، كانت السياسة النقدية للمركزي السوري كفيلة بحجب الثقة عنه.

قرار مصرف سوريا الأخير، الأربعاء الفائت، والذي نص فيه على  تحديد سعر الفائدة بما يعكس فجوتي الناتج والتضخم، احتسب سعر فائدة سنوية بنسبة 11 بالمئة على الودائع لأجل شهر واحد، بالإضافة إلى رفع سعر صرف الحوالات الشخصية من 2500 إلى 2800 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد.

تقلب سعر صرف الليرة السورية خلال الأشهر الماضية ليس أزمة نقدية قصيرة الأجل. بل إنه يعكس تدمير الأسس الاقتصادية في سوريا. تقول المواطنة رولا اسكندر، تعليقا على قرار المركزي السوري، إن الثقة هي التي تجذب المدخرات، وغالبية المواطنين الذي يقطنون في مناطق الحكومة السورية، أعلنوا جميعهم الوقوف مع الليرة عام 2012 لدعمها، وللتخفيف من انهيارها.

وأشارت اسكندر، لـ”الحل نت”، إلى أن الليرة السورية أصبحت مثل اللبنانيه، و”خسرنا 80 ضعف قيمة أموالنا، ووعدت الحكومات المتعاقبة بالتعويض، وإلى الآن ننتظر، فمن وضع 5 مليون أصبحت لدى البنك المركزي 7 مليون، بينما قيمتها الحقيقية  يجب أن تكون حاليا حوالي 400 مليون”.

وأوضحت اسكندر، إن لم يتم التعويض على من وقف مع الليرة فمن الصعوبة إعادة الثقة للمدخرين، علما أن الحكومة تعوض من خسر نتيجة الكوارث والحروب مثل الحرائق والتفجيرات، في حين أن تضخم عقود الدولة فهي تحسب فروقات أسعار للمتعهدين ومن أخذ قروض تمتع بها وسددها بأرخص الأسعار، إلا المودعين مظلومين ولم يعوض لهم.

ومن جهته، قال محمد مصطفى، لـ”الحل نت”، إنه في معظم دول الغرب يمتلك الإنسان العادي الثقافة الكافية لفهم قرارات رفع الفائدة في البنوك، أو التحكم بسعر الصرف بمرحلة معينة، مع ذلك يدور نقاش في مختلف وسائل الإعلام من قبل اختصاصيين ومستثمرين وأحزاب عن جدوى أو خطورة هذه القرارات وتتم تهيئة الأسواق لها.

أما اليوم في سوريا، تم رفع الفائدة في البنوك وتعديل سعر الصرف الرسمي، ويقال أن التعديل سينعكس إيجابا على سعر صرف الليرة، وبالتالي القوة الشرائية لدخل المواطن، وهنا ألا يجب أن تقوم المؤسسات الإعلامية والاقتصادية بفتح نقاشات موسعة حول هذه الخطوات، على الأقل لوضع المواطن في صورة التغييرات هذه.

للقراءة أو الاستماع: قرار جديد لضبط سعر صرف الليرة السورية.. هل ينجح؟

سياسة نقدية غير فعالة

خلال شهر آذار/مارس الفائت، أعلنت الحكومة السورية عن استقرار العجز التجاري السوري عند حوالي 3.3 مليار يورو، وهذا يوحي حجم الانكماش داخل السوق السورية، وعليه يرى المحلل الاقتصادي، فراس شعبو، أن قرار الفائدة للمركزي السوري غير فعال، لأن سياسته النقدية لم تتغير منذ 11 عام رغم الحرب، وما حدث داخل البلاد والأزمات الدولية.

ويشير شعبو، إلى أن المركزي السوري يحاول في قراره لتطبيق سياسات الدول الاقتصادية الكبرى، والتي تتمتع باقتصاد مفتوح، ولكن في سوريا ذات الاقتصاد المغلق الذي يعاني من مشاكل اقتصادية وأمنية. لن تؤثر أبدا على الواقع في سوريا، بل العكس هو قرار لإعلان “الموت السريري”.

وأوضح شعبو، أن قيمة الفائدة التي أعلن عنها المركزي السوري، أهدرت قيمة الليرة، وأصبحت الفائدة التي أعلنت عنها سلبية، بمعنى أن وقت تكون معدلات التضخم أكبر من معدلات الفائدة يصبح معدل الفائدة معدل سلبي. ما يعني أن المودعين بالعملة السورية يخسرون يوميا بسبب إيداع أموالهم في البنوك السورية.

هناك شبه إجماع على أن الليرة السورية ستستمر في الانخفاض. وبالتالي وبرأي المحلل الاقتصادي، سوف يساهم في عدم صلاح هذه السياسة إن طبقت، فالمركزي يحاول أن يقرب من أسعار الصرف السوقية والسوق الموازي أو في السوق السوداء حتى يستفيد من الأموال في أروقة المصارف الرسمية. ولا يستبعد شعبو، أن الأسعار داخل سوريا سوف تزيد في الفترة المقبلة. لدرجة أن نقل المواد من محافظة إلى أخرى سيكون عبر إتاوات.

الجدير ذكره، أن الاقتصاد السوري، الذي أصابه الشلل منذ أكثر من عقد، أصبح يعتمد على الدولار بشكل متزايد حيث يحاول الناس حماية أنفسهم من انخفاض قيمة العملة والتضخم. وأدى استمرار تدهور الليرة السورية إلى ارتفاع أسعار السلع ومفاقمة مصاعب السوريين الذين يكافحون لشراء الطعام وأساسيات أخرى.

للقراءة أو الاستماع: لماذا رفع “المركزي السوري” دولار الحوالات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.