أوروبا تواجه معضلة تتبع منابع أموال «داعش» الضخمة

أوروبا تواجه معضلة تتبع منابع أموال «داعش» الضخمة

 حسام صالح – موقع الحل

يبدو أن الهزيمة العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» بقيادة التحالف الدولي في كل من سوريا والعراق، لم تكن كافية للقضاء عليه بشكل نهائي، فالتنظيم استطاع جمع مئات الملايين من الدولارات، وبالتالي أصبح قادراً على تمويل أنشطته لسنوات أخرى، ومن هنا ظهرت معضلة تتبع أموال التنظيم وتجفيف منابعها، وهي عملية تتسم بالتعقيد وفقاً لمسؤولين أوروبيين، حيث تتخذ أشكالاً وطرقاً متعددة، ويسخّر التنظيم التطور التكنولوجي في سبيل تحويل وغسل أمواله بطرق يصعب الكشف عنها.

وعقد في شهر نيسان الماضي مؤتمر حمل اسم (لا تمويل للإرهاب)، حيث اجتمع أكثر من 500 خبيراً و80 وزيراً من أكثر من 70 دولة حول العالم، وكان الهدف من المؤتمر الكشف عن طرق تمويل داعش لنفسه.

وخلص المؤتمر إلى أن “العملية تتم عبر منصات رقمية لتجميع الأرصدة، والبطاقات المسبقة الدفع، إضافة إلى الهبات الموجهة للمنظمات الإنسانية”، دون إيجاد آلية واضحة لإيقاف هذه الأنشطة التي تتم حول العالم.

نشاطات الكترونية

استفاد تنظيم داعش من التطور التكنولوجي وتعدد خيارات دفع وتحويل الأموال خلافاً لما جرت العادة مع التنظيمات التي سبقته، والتي كانت تستخدم الطرق التقليدية.

مجموعة (جوست سيكرويتي جروب) الأمريكية والمختصة بنظم الدفاع وتعقب الإرهابيين، أكدت أن حساب تنظيم داعش في العملة الرقمية (بيتكوين) يصل إلى 3 مليون دولار، كما  ذكرت وسائل إعلام أمريكية قبل نحو شهرين، أن “السلطات الأمريكية اعتقلت شابة كانت تساعد على تمويل تنظيم داعش من خلال عملة البتكوين، إضافة لغسيل الأموال، حيث قامت الفتاة بتحويل ما لا يقل عن 150 ألف دولار إلى أشخاص وكيانات وهمية، تبين فيما بعد أنها كانت غطاء لداعش في كل من باكستان والصين وتركيا خلال عام 2017”.

صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية نشرت أيضاً تقريراً لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي يؤكد استخدام التنظيم موقع (إيباي) كغطاء لتلقي الأموال عبر الموقع التجاري (باي بال)، وتقول الصحيفة إن “شخصاً يُدعى (محمد الشناوي)، كان جزءاً من شبكة عالمية تمتد من بريطانيا إلى بنجلادش، وأن الشبكة استخدمت مخططات مماثلة لتمويل داعش، وكان يديرها (سيفول سوجان) أحد قادة داعش في سوريا، الذي قتل خلال غارة لطائرة بدون طيار في كانون الثاني 2015.”

وعلى النطاق الأوروبي، كشف النائب العام في باريس (فرانسوا مولينس) عن تحديد أكثر من 400 متبرع لمنظمات إرهابية في فرنسا خلال عامين عن طريق تمويلات صغيرة، مستخدمة منصات التمويل الرقمية والعملة الافتراضية، وذلك لتجاوز الرقابة المفروضة على التحويلات المالية.

التوجه نحو الذهب

بعد قيام تنظيم داعش بسك عملات خاصة به إبّان سيطرته على مساحات شاسعة في كل من سوريا والعراق، كان الذهب أحد أبرز الفئات النقدية، وذلك لتحقيق عدة أغراض اقتصادية تتعلق بالتمويل وسهولة التداول واحتفاظ الذهب بقيمته المادية.

ويقول الخبير (إيان أوكسنفاد) من جامعة كاليفورنيا في حديث لموقع (دي دبليو) الألماني إن “الذهب طريقة جيدة لغسل الأموال، وبالإمكان أن تذهب إلى أي مكان في العالم وتحوله إلى أموال نقدية، وبالتالي دمج هذه الأموال في النشاط الاقتصادي لتلك الدول”.

وأضاف أوكسنفاد، أن “عناصر داعش المتواجدين في فرنسا يرسل إليهم الذهب، فيقومون بإذابته بحيث لا يبدو واضحاً أنه يتبع للتنظيم، ثم تحويل هذا الذهب لأموال نقدية، مما يسمح لهم بشراء سيارة أو وضع الأموال في المصرف، وبالتالي من الصعب تعقب هذه العملية المعقدة”.

بدوره أكد الباحث والخبير في الشأن الاقتصادي (يونس الكريم)، في حديث سابق لموقع الحل أن من أبرز مزايا الذهب مقارنة بالدولار أو العملات الأخرى، أنّه “غير قابلا للتحقّق”، أي أنّ عملية تهريبه عبر الحدود تكون أمراً أسهل بكثير من تهريب الدولار، وكذلك الحال بالنسبة لعملية تصريفه، موضحاً أن “الذهب قابل لعمليات غسيل الأموال والعمل بعدّة جوانب اقتصادية، بينما بات الدولار صعباً جداً بالنسبة لعملية التصريف لأن معظم الدول باتت تعلم أن هناك حروب في المنطقة، وأن الجهات المسلّحة تمتلك أموالاً كثيرة”.

تكتيك “الذئاب المنفردة”

تشير صحيفة (لوبوان) الفرنسية إلى  أن مسألة تنفيذ الهجمات من قبل تنظيم داعش في أوروبا لم تعد تحتاج إلى تنظيم كبير وخلايا نائمة، وإنما أصبح مشروعاً ذاتياً عبر ابتكار “الذئاب المنفردة” الذي قدمه المتحدث باسم تنظيم داعش (أبو بكر العدناني)، فبمجرد أن يعلن الشخص الذي استقطبه التنظيم ولاءه، يخوَل بتنفيذ العملية القادمة، حيث مكّن هذا التغيير في مفهوم القتال لدى التنظيم من تجنب مخاطر وتكاليف التنقل إلى المناطق التي سينفذ فيها هجماته.

وكشفت تحقيقات أوروبية أن الهجمات التي تنفذ على أراضيها تتم بمبالغ قليلة، فتكلفة تجنيد خلية من شخصين تتراوح بين 500 إلى 1000 يورو شهرياً، وهو مبلغ لايتم تأمنيه عن طريق إرسال الحوالات البنكية أو بطاقات الائتمان، وإنما عبر طرق أخرى كالقروض غير المسددة أو مدخرات الأشخاص المنضمين حديثاً لتنظيم داعش أو أعمال قصيرة الأمد، وهنا تكمن صعوبة تتبع هذه الأموال لدى السلطات الأوروبية والكشف عن تفاصيل تلك العمليات، وهو مايؤكد عليه الخبراء بقولهم “في نهاية المطاف، من السهل الحصول على هذه المبالغ المالية الصغيرة، وبإمكانها تسهيل الهجمات الناجحة بصورة مؤلمة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.