تقرير (الحل) – بعد 7 سنوات من الدراسة في كلية #الطب البشري، يدخل الطلاب مرحلة الماجستير والتخصص، التي تمتد أيضاً إلى 6 سنوات أخرى، بمحصلة سنوات دراسة تصل إلى 13 عاماً.

وبعد ذلك يدخل #الطبيب في دوامة خدمة #الجيش، التي تمتد لسنوات أيضاً، وقد يصل طالب الطب إلى عمر 35 عاماً، حتى يبدأ بمسيرته العملية في الحياة ليؤسس لذاته.

يطال الأطباء في سوريا انتقادات واسعة بخصوص ارتفاع أجرة #المعاينة والتي باتت تتراوح بين 4 آلاف إلى 10 آلاف لاختصاصات معينة مثل العصبية، إضافة إلى ارتفاع أسعار العمليات الجراحية التي يقومون بها.

لكن الأطباء يبررون ذلك، أولاً بارتفاع تكاليف الحياة على الجميع، وثانياً بأنهم وبعد 13 عاماً من دراسة الطب على الأقل والحصول على المصروف من الأهل، ثم وضع رأسمال بملايين الليرات ثمناً للمعدات وأجرة للعيادة، ويرون أن من حق الطبيب الحصول على أجرة منصفة تليق بما هدر من عمره من وقت ومال على دراسته، حتى يبدأ بالتأسيس لنفسه متأخراً.

طبيب السيارات ينافس طبيب البشر!

على المقلب الآخر، وفي مقارنة طريفة بالنسبة للأطباء، فإن احتاج الطبيب أن يشتري #سيارة ببداية مشواره الحياتي وبمبلغ بسيط، عليه باللجوء إلى “طبيب السيارات” إن صح التعبير.

وهي قصة يرويها طبيب مختص بجراحة القلب يدعى (عمار. ب) لروزنة، قائلاً “بعد انتهائي من المسيرة الدراسية، أراد والدي أن يشتري لي سيارة بحوالي 2 مليون ليرة تعود إلى عام 1976”.

“والمفارقة كانت بارتفاع أجرة الكشفية على السيارة من طبيب السيارات أكثر من أجرة الكشفية التي أتقاضاها ببداية مشواري وهي 1500 ليرة”، بحسب عمار.

يقول عمار إن “الميكانيكي الذي اصطحبته معي أصغر مني عمراً، يقوم بفحص السيارات المعروضة، كونها قديمة ومستعملة وبحاجة نظرة خبير، أخذ مني 7 آلاف ليرة على الكشفية”، مضيفاً “يجب أن يرى السيارة أيضاً صواج وكهربائي، ولكل منهما كشفيته الخاصة، وبالتالي تصل كلفة فحص سيارة إلى 17 ألف ليرة تقريباً”.

وأشار إلى أن “لدى هؤلاء جهاز كومبيوتر محمول صيني المنشأ، بمجرد وضعه على السيارة يعني دفع 3 آلاف ليرة، وفي حال معالجة الأخطاء تزيد 3 آلاف وهكذا”، مردفاً “ليس لدي مشكلة مع الميكانيكي نهائياً ولا مع غيره، لكن عندما أنظر إلى سنوات دراستي وتعبي ولا أجد النتيجة المادية المرجوة، أصاب بالصدمة، أمام الكم الهائل من اللوم الذي يطالنا من المواطنين لغلاء الكشفيات علماً أنها منطقية”.

 طبيب: الميكانيكي مهندس دون دراسة

يتهم (سامي. ك) وهو طبيب يدرس الاختصاص حالياً (أذن أنف حنجرة)، العاملين بمجال السيارات “بالمتحذلقين” الذين يدعون العلم والمهارة في العمل، بينما هم يقومون بتجريب إصلاح الأعطال حتى يتم اكتشاف العطل.

يملك سامي، سيارة نوع “شيري” صينية المنشأ، ويقول إن “كشفية الميكانيكي مرتفعة جداً، فقد تصل أجرة يده خلال ساعة لأكثر من 20 ألف ليرة سورية، تبعاً للعطل، بينما قد ينتهي من العمل ويعود العطل من جديد ليكتشف الزبون أن الميكانيكي لم يصل إلى العطل أساساً”.

ويضيف سامي أن “الميكانيكي الذي فحص لي سيارتي أخذ 5 آلاف ليرة من سنتين، وأنا أدرس الاختصاص وراتبي الشهري 30 ألف ليرة، أتقاضاه كل 3 أشهر تقريباً، وأنا أخدم ليلاً نهاراً في المشافي الحكومية وأعالج يومياً أكثر من 20 حالة”، على حد قوله.

ويرى سامي، أنه “ليس انتقاصاً من قيمة الميكانيكي، إلا أن الأخير لم يدرس الدراسة الجامعية التي تخوله العمل لاختصاص هندسي كهذا، وبدأ ينفق على نفسه بعمر صغير، ومعداته بسيطة، بينما ندرس نحن سنوات طويلة لنأخذ الشهادة، ونخوض غمار الحياة بعمر متقدم، لتكون أجرتنا متقاربة”

ميكانيكي: نستحق ما نأخذ ونتحمَّل الكثير من التعب

(أبو محمد) ميكانيكي يبلغ من العمر 33 سنة، بدأ تعلم المهنة منذ كان في الـ 16 من عمره، حالياً يعمل في محل صغير في منطقة الفحامة، ويقول “استمر عملي كصانع بهذه المهنة نحو 15 عاماً، ومنذ سنتين بدأت عملي الخاص”، مضيفاً “15 عاماً من الخبرة ليست قليلة، وهي كافية لتؤهلني كي أطلب أجراً جيداً لقاء خبرتي”.

وفي مقارنة ما يتقاضاه مع الأطباء، يقول أبو محمد “عملنا كعمل الأطباء، بل أصعب أحياناً، هو قادر أن يسأل المريض من أين يتألم، ولديه أساليب أخرى لكشف المرض كالصور الشعاعية والتحاليل وغيرها، بينما نتعامل نحن مع جماد، ومع خرائط مختلفة للسيارات، ونستطيع تحديد العطل وإصلاحه”.

ويتابع “يلجأ إلينا الطبيب والمحامي والمهندس، وكذلك عامة الناس، ولا ننظر للأمور مادياً كما ينظر إليها الطبيب الذي يجلس في عيادة نظيفة مكيفة، فعملنا يتطلب جهداً جسدياً وارهاقاً وتعباً والتعامل مع الشحم والزيوت، ولكل هذه الأمور مقابل مادي، عدى عن المشاكل اليومية مع البلدية والمحافظة، والمخالفات التي تنهال علينا كزخ المطر لأسباب مختلفة كالنظافة وازعاج الجوار”.

(عصام) ميكانيكي بعمر الـ 45، يقول “أغلب من يعملون في المهنة صغار في العمر، وقد طفوا على السطح نتيجة غياب أصحاب الخبرة بسفرهم خارج البلاد، أو وفاتهم”، ويضيف “يأخذون أتعاباً قد تفوق الأتعاب التي أحصل عليها شخصياً من إصلاح أو معاينة سيارة ما، وهذا بالتأكيد خاطئ، فهم يستغلون قلة عدد المختصين مقابل زيادة أعطال السيارات نتيجة قدمها”.

ليس فقط العاملين في مجال ميكانيك السيارات، حتى العاملين في مجال كهرباء السيارات والدوزان والدهان الخاص بالسيارات، يرى الأطباء عند مقارنتهم مع مداخيلهم، أنهم يحصدون أكثر مما يحصلون عليه كأطباء، وفي المقابل يرى المهنيون المذكورون أن الأطباء أيضاً يتحكمون بالكشفيات بطريقة غير إنسانية، كما وصف بعضهم.

المعاناة تجمع كل أصحاب المهن

ويعاني الأطباء من رفع ضريبة الدخل من وزارة #المالية إلى أكثر من 50 ضعفاً كما أكد البعض، بينما لم تزداد الضرائب نهائياً على العاملين في ميدان صيانة السيارات، إلا أن الأخيرين خسروا ورشهم ومعداتهم وكل ما يملكون في ريف دمشق ودمشق، تحديداً في حرستا ودوما والقابون.

وتلاحق محافظة دمشق حرفيي السيارات لإجبارهم على الانتقال إلى منطقة حوش بلاس على أطراف دمشق، واخلاء محلاتهم في الفحامة والحلبوني وسط العاصمة، ما يعني خسارتهم لزبائنهم ودفعهم مزيداً من الأموال لقاء تأهيل محلات جديدة في حوش بلاس.

الأطباء قد لا يحتاجون إلى عمال في العيادات، كما يحتاج فنيو السيارات، وبالتالي لديهم تكاليف إضافية كرواتب، لكن يرى الأطباء أن تكاليف افتتاح العيادة مع التجهيزات التي يعمل الطبيب على توفيرها تباعاً بعشرات الملايين، قد يحتاجون إلى عشرات السنين حتى يقوموا بتأمينها.

لكلا الطرفين، وغيرهم من السوريين مشاكل تواجههم في العمل اقتصادياً، وكل ينظر إلى الآخر على أنه يحصد أكثر مما ينبغي، وذلك نتيجة ارتفاع تكاليف الحياة وانخفاض مستوى المعيشة وبالتالي ضعف القدرة على الإنفاق، فيتهم الجميع #التجار برفع الأسعار، ويتهم التجار الحكومة برفع الضرائب وفواتير الكهرباء، على سبيل المثال.

إعداد: فتحي أبو سهيل – تحرير: مهدي الناصر

الصورة من الإنترنت

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.