(الحل) – على غرار ما كانت تفعله العديد من الفصائل الإسلامية؛ من حلّ نفسها وإعادة انطلاقتها تحت مسمى جديد، عاد تنظيم “جند الأقصى” إلى ساحة تواجد التنظيمات الإسلامية المتشددة في إدلب تحت مسمى “أنصار التوحيد”.

 

ولادة «أنصار التوحيد» من رحم «جند الأقصى»
“جند الأقصى” أو “أنصار التوحيد”، هو تنظيم جهادي لا يختلف عن أدبيات تنظيم “القاعدة”، المنتمي إليها فكرياً وعقائدياً، فقد ولد من جذور ذاك المتشددة، ويتبنى  دعوات القاعدة لـ “الجهاد العالمي”، ولا يكفّ عن تكفير واتهام كل من يخالفه بالرأي، بالانزياح عن تعاليم “التوحيد”.
ومع هذا يحرص “أنصار التوحيد” أن يكون له هويته المستقلة ضمن خارطة التنظيمات الإرهابية الساعية للسيطرة على أي حيز جغرافي أو منطقة مدمّرة داخل سوريا، ليبني على أنقاضها أوهام “دولة الخلافة”.
في الثاني من آذار 2018، أُعلن عن تشكيل عسكري جديد في إدلب تحت هذا المسمى “أنصار التوحيد” . ويتراوح تعداد التشكيل الجديد قرابة 300  مقاتل، وينتشر التنظيم في كل من سرمين والنيرب وجبال اللاذقية.
اعتمدت قيادة “أنصار التوحيد”، في بداية التشكيل على جمع العناصر السابقين من “جند الأقصى”، منهم من كان قد اتخذ الحياد خلال حرب جند الأقصى و”هيئة تحرير الشام” (هتش) ومنهم من كان قد بايع تنظيم “هتش” والحزب “الإسلامي التركستاني”، وقسم كبير لم يبايع أي فصيل وبقوا ملاحقين من قبل “هتش”.

 

بذور التأسيس من سجون «الجولاني»
عملية الإعلان عن التشكيل الجديد، سبقها اجتماعات بين كل من أبو محمد الجولاني و”أبو ذياب سرمين” قائد التشكيل الجديد، وأفضت إلى عفوٍ عن عناصر جند الأقصى بقرار من الجولاني أطلق بموجبه أكثر من 50 عنصر سابقين من “جند الأقصى”، معظمهم من القادة، كانت قد اعتقلتهم “هتش” وبينهم أشخاص اعتقلوا على خلفية مجزرة الخزانات بدايات عام 2017.
إفراج “هتش” عن قادة الجند والقبول بظهورهم في تشكيل جديد في محافظة إدلب، يأتي بناء على مصالح مشتركة بين الطرفين، حيث كانت “هتش” تريد كسب التشكيل الجديد في صفها في حال تجدد المعارك مع “حركة أحرار الشام”، مستفيدة من العداء الذي يُضمره “جند الأقصى” لمكونات جبهة تحرير سوريا التي كانت تعتبر أحرار الشام عمودها الفقري قبل أن يتم القضاء عليها نتيجة الحرب الطاحنة التي دارت بينها وبين “هتش”.
خلال بداية التأسيس عمل قادة التشكيل الجديد “أنصار التوحيد” على إعادة المقاتلين السابقين  وضم مقاتلين جدد، وذلك عن طريق إقناعهم بأن التشكيل الجديد ليس إلا تنظيم “جند الأقصى” ذاته من حيث العقائد والمنهج والفكر والعناصر والقادة مع اختلاف الاسم. 

 

السلاح والحاضنة الشعبية
امتلك “أنصار التوحيد” كميات من السلاح، بينها مدافع هاون ومضادات طيران مختلفة القياسات وبعض الآليات المدرعة، وقام التشكيل ببعض العمليات العسكرية بعد تشكيله مباشرة قبل عام، منها استهداف بلدتي كفريا والفوعة بقذائف الهاون ضمن عملية مشتركة مع تنظيم “هتش”.
واتجهت مساعي التنظيم في حينها إلى كسب أكبر قدر من الحاضنة الشعبية في محافظة إدلب، لكن نتائج تلك المساعي كانت تدل على عكس ذلك نتيجة نفور المجتمعات المحلية من التشكيل الجديد، خاصة لمعرفتهم بأنه ستار يختبئ ورائه جند الأقصى، التنظيم الذي ارتكب انتهاكات واسعة بحق السوريين.

 

التحالف مع «حراس الدين»
بداية الإعلان عن التشكيل جرت مباحثات واجتماعات لبحث هيكلة التشكيل، وذلك بمساعدة من المدعو “أبو محمد زور” أحد قادة جند الأقصى، الذين بايعوا الحزب “التركستاني” في جبال الساحل، والذي نجح فيما بعد بضم عناصر “أنصار التوحيد” ضمن قيادة عمليات التركستاني على جبهات ريف اللاذقية للقتال في معاركه المستمرة منذ أشهر في جبال اللاذقية بالتزامن مع الحملة الأخيرة التي تقودها قوات الجيش بإسناد جوي روسي على ريف حماة الشمالي وقرى ريف إدلب.
أما على مستوى التحالفات مع الفصائل الجهادية الأخرى، فقد أعلن فصيلا “أنصار التوحيد” وتنظيم “حراس الدين” عن تشكيل حلفٍ بينهما تحت مسمى “نصرة الإسلام”، وكان الهدف المزعم لذلك الحلف هو “إقامة دين الله ودفع العدو الصائل”، بحسب بيان مشترك  انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمعرفات الرسمية للفصيلين.
وبرز تشكيل “أنصار التوحيد” مؤخراً من خلال تبنيه لعدد من الهجمات التي كبدت قوات الجيش خسائر بشرية كبيرة في جبهات ريف اللاذقية الشمالي، وتباهى عناصر التنظيم بارتكابهم أفعال شنيعة تذكّر بأفعال تنظيم “داعش” وتعكس فكره المتطرف، كقطع رؤوس عناصر في الجيش النظامي.

 

العودة إلى البداية
يعتبر المدعو “محمد يوسف عثمان العثامنة”، الملقب  بـ”أبو عبد العزيز القطري”  وهو فلسطيني من مواليد العراق، المؤسس الأول لتنظيم “جند الأقصى”، حيث كانت له صلات وثيقة بزعماء تنظيم القاعدة في أفغانستان، وعندما عاد إلى العراق انضم إلى صفوف تنظيم “دولة العراق الإسلامية”. وفي مطلع عام 2012 دخل إلى سوريا برفقة الجولاني وآخرين لتأسيس فرع للتنظيم في سوريا .
مع بداية الخلاف بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية (في تلك المرحلة أصبح اسمه داعش، اختصاراً للدولة الإسلامية في سوريا والعراق)، انشق القطري مع عشرات العناصر عن الجبهة، معلناً تأسيس “جند الأقصى”. 

القطري أكدّ في شريط مصور ظهر فيه وهو يخطب بعناصره خلال أحداث قتال “النصرة” مع تنظيم “داعش” بداية عام 2014 ، معلناً أنه لن يشارك في القتال بين التنظيمين، معتبراً أن الخلاف بين الجولاني وأبو بكر البغدادي خلاف تنظيمي لا يجوز الدخول فيه.
مع ذلك أبقى “جند الأقصى” على شعرة الود بينه وبين تنظيم “داعش” رافضاً تسمته بـ “الخوارج”، ومانعاً السكان المحليين من إطلاق مسمى “داعش”، الذي يبغضه عناصر التنظيم.

 

الحرب مع «جمال معروف» وجثة «القطري»

سرعان ما دخل “جند الأقصى” في سلسلة حروب طاحنة كان أولها حربه ضد “جبهة ثوار سوريا” بقيادة “جمال معروف”. تلك الحروب كانت بمثابة تأسيس لمرحلة انهيار التنظيم.
في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 تم عثوره على جثة أمير ومؤسس “جند الأقصى” (أبو عبد العزيز القطري) في بئر تسمى “جب كوكبة” على عمق 33 متراً، بمنطقة دير سنبل بجبل الزاوية، في محافظة إدلب شمالي سوريا، وتبين أنه قتل على يد أحد عناصر جبهة “ثوار سوريا” خلال المعارك التي دارت بينهما في إدلب.بعد مقتل القطري، آلت قيادة التنظيم للمدعو “عمار الجعبور” الملقب بـ “أبي مصعب”، وقُتل بعد فترة في معارك ريف إدلب ضد قوات النظام، فتولى القيادة بشكل فعلي المدعو “أبو ذر النجدي الحارثي” ويلقب أيضاً  بـ “الجزراوي”، في حين كان القائد المسمى للحركة هو “أيمن قدحنون” الملقب “أبو دياب سرمين”، وهو سوري الجنسية.
بدايات عام 2017 انقسم “جند الأقصى” إلى 3 أقسام، كان أبرزها جماعة “لواء الأقصى” التي رفضت بيعة “هيئة تحرير الشام” وكانت تنشط شمالي حماة، ومجموعة أخرى تنتشر في إدلب تحت اسم “أنصار التركستان”، بينما بقيت مجموعة ثالثة اعتزمت الانضمام إلى “هيئة تحرير الشام”.

 

الحرب مع الجولاني «البرغماتي»
في شباط /فبراير 2017، دارت حرب طاحنة بين “لواء الأقصى” و”هيئة تحرير الشام” التي يتزعمها الجولاني (وهو من أفرج عن قيادات جند الأقصى الذين شكلوا نواة أنصار التوحيد لاحقاً) على إثر مذبحة “الخزانات” التي اركبها الأول وطالت نحو 100 معتقل معظمهم من مقاتلين الجيش السوري الحر وعناصر من “هيئة تحرير الشام”، وذلك بعد احتجازهم في أحد مقرات اللواء في معسكر الخزانات بمحيط مدينة خان شيخون، حيث كان “لواء الأقصى”، وخلال سيطرته على مقرات لفصائل الجيش الحر في مدينة كفرزيتا بريف حماة، قد نفذ حملة اعتقالات طالت العشرات أغلبهم من “جيش النصر” و”الفرقة الوسطى”.
وكذلك تعرضت محكمة شرعية بمدينة خان شيخون، تابعة لـ”هيئة تحرير الشام”، لهجوم نفذه عناصر “لواء الأقصى”، قام اللواء في ذلك الهجوم بتصفية أكثر من 40 عنصر لـ”هيئة تحرير الشام” رمياً بالرصاص وذبحاً بالسكاكين وهم مكبلو الأيدي، غالبيتهم من ريف إدلب الجنوبي.
“هيئة تحرير الشام”  اعتبرت أن “لواء الأقصى”، المنشق عن “جند الأقصى”؛ “طائفة خوارج تابعة لجماعة البغدادي (تنظيم داعش)”.

 

«خوارج»

واتهم “عبد الرحيم عطون” (أبو عبد الله الشامي)، وهو عضو اللجنة الشرعية “للهيئة”، في كلمة صوتية ،”لواء الأقصى” بالسعي لتمهيد مناطق في ريف حماة الشمالي، لإدخال تنظيم الدولة “داعش” إليها، وربطها بمناطق سيطرته.
وقال “الشامي”، إن بعض شرعيي وعناصر “لواء الأقصى”، يكفّرون زملاءهم السابقين في “جند الأقصى”، لعدم تكفير الأخيرين من بقية الفصائل.
وفي تلك الحرب قتلت “هيئة تحرير الشام” المسؤول الأمني في “لواء الأقصى”، المكنى بـ”أبي ريحانة”، والقيادي العسكري “أبي حسين هرموش” وآخرين، إضافة إلى أسر العشرات، بينما تمكن “لواء الأقصى” من قتل القائد العسكري البارز في “تحرير الشام”، أبي بكر تمانعة.

 

تنظيم إرهابي

تجدر الإشارة إلى أن جند الأقصى في تلك الأثناء تم تصنيفه ضمن لوائح التنظيمات الإرهابية.
عودة مسمى “أنصار التوحيد” (الوجه الجديد لجند الأقصى) لواجهة الأحداث في #إدلب يعتبر من أهم المبررات التي يستخدمها النظام وروسيا في القصف الممنهج على بلدات ريف إدلب وجبال اللاذقية، والتي راح ضحيتها حتى الآن المئات من المدنيين، دون أن تلحق الكثير من الخسائر في صفوف تلك الجماعات الجهادية.


إعداد: سالم ناصيف – تحرير: سامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة