(الحل) – قد تبدو مراوغة سياسية ذكية بعض الشيء، إذ اقترحت موسكو وقفاً لإطلاق النار أحاديّ الجانب في #إدلب، وافقت عليه دمشق، وأعلنت في بيان عسكري أنها ستلتزم بوقف العمليات القتالية منذ فجر السبت، مع الاحتفاظ بما سمته “حق الرد”.

يأتي هذا الإعلان بعد أشهر من القصف المتواصل، تضمن خلاله محاولة شبيهة بهذه المحاولة، أو إن صح التعبير، مسرحية مشابهة، أعلنت خلالها القوات الحكومية عن تهدئة، ثم ادعت أن مقاتلي المعارضة قد خرقوا التهدئة، فعاودت الهجوم، وكسبت نقاطاً استراتيجية وهامة، مثل مدينة #خان_شيخون، أكبر مدن ريف إدلب الجنوبي، واستحوذت على كامل شريط ريف حماه الشمالي، وأعلنت أخيراً سيطرتها على بلدة #التمانعة، التي تقع إلى الشرق من بلدة خان شيخون بمسافة 10 كم، وبعد ذلك كلّه تُعلن القوات الروسية والسورية طلب التهدئة!

وتضمن دمشق من خلال هذه الخطوة- إن تمّت- حماية مواقعها الجديدة من أي هجوم، بحجة أن هناك وقف لإطلاق النار، وتستعيدُ خلال هذا الوقت ترتيب أوراقها، وتمنح الجنود بعض الراحة وإعادة رسم الخطط من أجل الهجوم مُجدداً.

وفيما لو لم توافق فصائل المعارضة على هذا المقترح، تكون الذريعة جاهزة أمام الغرب وأمام الرأي العام العالمي لاستكمال الهجوم، والسيطرة على مناطق إضافية.

إذن؛ هي حركة مزدوجة، تكسبُ فيها دمشق بكلا الحالتين، سواء طُبّق الاتفاق، وحافظ الجيش السوري على مواقعه الجديدة، أو لم يطبق، فيستكمل الجيشان السوري والروسي عملياتهما باتجاه تحقيق مكاسب أكبر.

وفي كلا الحالتين، لا يبدو الدور التركي أكثر من المتفرج، بينما أرض الميدان في الحقيقة للاعب الروسي الذي يحرّك ما يشاء دون أن يواجهه أحد، بينما تمرّ المعارضة وفصائلها في إدلب بأسوأ أوقاتها، مع التشتت والضعف وقلة الإمداد إن لم يكن قد انعدم بالكامل.

كما فقدت المعارضة ظهرها التركي، وتغطيتها السياسية، بعد اتهام فصائل جهادية متشددة بالانخراط والسيطرة على معظم أجزاء مدينة إدلب، وبالتالي فإن الجيش السوري يبدو وكأنه يحمل لواء “محاربة الإرهاب”، رغم أعداد القتلى المدنيين الذين يسقطون يومياً بضرباته العشوائية!

أما تركيا وبعيداً عن تصريحاتها الإعلامية، فإن مصالحها تمضي على قدم وساق، سواء في تأمين مزيد من مناطقها شمالاً لمنع الكورد من أي تمدد أو تفكير في التوسع، أو من خلال صفقات الأسلحة الجديدة مع روسيا، أو من خلال علاقتها مع أوروبا، إذ ما تزال تُمسك بيد الأوروبين من الزاوية المؤلمة، وتلوّح كلما أرادت بأزمة لاجئين جديدة قد تصيب الدول الأوروبية في حال عاندوا القرار التركي أو وقفوا في وجهه.

وبين كل ما سبق، يعود الشعب السوري مرة أخرى ليدفع الثمن غالياً من دمه ودم أطفاله، وتشكل صورة النزوح والتهجير، الانعكاس النمطي لوضع السوريين، إذ حين نقول سوري، يتشكل مباشر في ذهن السامع القصف والموت والتشرد والنزوح، فيما يطالب الكثيرون بأي نوع من أنواع الخلاص، بعيداً عن الموت تحت الركام، وقد أرسل فصل الشتاء رسله للإنذار بأن البرد آت، والموت في العراء من البرد آت!

سامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة