ارتفاع نسبة الطلاق في ريف دمشق.. والنساء يتحملن العواقب

ارتفاع نسبة الطلاق في ريف دمشق.. والنساء يتحملن العواقب

ارتفعت نسبة الطلاق في ريف دمشق بشكل كبير خلال سنوات الحرب الأخيرة، حيث أوضح القاضي الشرعي الأول في دمشق “محمود أنّ نسبة الطلاق وصلت إلى 31% في دمشق وريفها منذ عام 2011، وبرزت هذه الظاهرة كواحدة من أكبر المشاكل التي تواجه نساء سوريات، خصوصاً وأنّهنّ يواجهنّ ظلماً اجتماعياً كبيراً أثناء الطلاق وبعده.
ولعلّ تعاطي المجتمع مع المطلقات ونظرته إليهنّ بشكل رجعي وصبغ صفة “مطلقة” بطابع سلبي يبدأ التنمر الاجتماعي وينتهي بهضم الحقوق الاستغلال بكافة أشكاله.

أسباب غير مقنعة ومبررات بالجملة
الأستاذ غسان عبد الكريم المعراوي (خريج كلية الشريعة و أحد المسؤولين عن إبرام وفسخ عقود الزواج في الغوطة الغربية) قال “للحل نت”: “تعود الزيادة الكبيرة في حالات الطلاق في المنطقة إلى عدة أسباب أبرزها الزواج المبكر، حيث لا يأخذ الأهال سن الفتاة بعين الاعتبار ويقومون بتزويجها لأول شخص يتقدم لها. ويكتفون بالإجراءات التقليدية التي تربوا عليها كسؤال جيران الشخص وأصدقائه، والذين يخفون بدورهم كل ما من شأنه أن يعيق هذا الزواج سعياً لعدم “القطع بنصيب” الشاب، فيختلط عليهم الأمر بين تيسير الزواج وبين الضرر اللاحق الذي ستتعرض له الفتاة مع زوجها”.

كما أكدّ عبد الكريم أنّ انخفاض قيمة المهور وخصوصاً المتأخر ما يجعل الشبّان متساهلون بموضوع الطلاق، لا سيما مع انتشار أفكار خاطئة في المجتمع، تتعلق بتعامل الرجل مع زوجته بقسوة لإبراز رجولته، ما يجعلها عرضة للعنف والقمع، إضافةً لتسجيل عدد كبير من حالات الطلاق بسبب العلاقات الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم تسجيل ما لا يقل عن 350 حالة طلاق خلال ستة أشهر في الغوطة الغربية بسبب اكتشاف الزوجات أن الأزواج على علاقات وزيجات افتراضية.

وشدد المصدر على أنّ المجتمع بشكل عام والشخصيات الاعتبارية في كل منطقة تساهم بشكل سلبي بفشل الزيجات بطرق مباشرة أو غير مباشرة، وذلك عبر التحفيز المتواصل على الزواج، حيث يكتفون بما يسمى “كتاب الشيخ” دون تسجيل عقد الزواج في الدوائر الرسمية، التي تحفظ شيئاً من حقوق النساء في حال تعرضهنّ للمشاكل، وتأتي التبريرات على أساس “تيسير الزواج” مع التعهدات “غير المضمونة” بتسجيله بوقت قريب، دون الالتزام بذلك.

ظلم واضح أو إكراه على المعاناة
تواجه النساء في هذا النوع من الزيجات خيارين “أحلاهما مر” إما الاستمرار في حياة مليئة بالمشاكل والتعنيف أو انعدام التفاهم، أو الطلاق بدون أي حقوق مادية أو معنوية، حيث أكدّت إحدى المطلقات (رفضت كشف اسمها) “للحل نت” أنّه يتم إجبار الفتيات من قبل ذوي الزوج والوسطاء الذين يتدخلون لحل المشكلة على التنازل عن مستحقاتهنّ المادية كاملةً للحصول على الطلاق، كون الزوج يدّعي بأنّه لا يريد الطلاق لكنه يصّر على المعاملة السيئة، وبالتالي تطلب النساء الطلاق أملاً بالخلاص من المعاناة، وبالتالي يُلقى اللوم عليها في “خراب البيت”.

ولا تقتصر معاناة النساء على الجوانب المادية وهضم حقوقهنّ المالية، بل تتعدى ذلك وتصل للانتهاكات النفسية والمعاملة القاسية من الأهل، فمعظم سكان المنطقة يعاملون الفتاة المطلقة بطريقة غير لائقة، ويتم التضييق على بعضهن ومنعهن من ممارسة نشاطهن الطبيعي في الحياة أو الحصول على حقوقهن في الدراسة واختيار طريق جديد لحيواتهن، بالإضافة لوجود مشاكل متعلقة بحديث الناس عن المطلقات وعدم احترام حريتهن الشخصية، فقد تتعرض المطلقة للضرب لمجرد وصول أخبار غير صحيحة عنها لأحد أشقائها أو والدها.

أحكام المجتمع
تعاني المطلقات في المجتمع الريفي من نظرة سلبية من معظم شرائح المجتمع، فمنهم من يراها “فاشلة في حياتها، أو أنّها ليست مؤهلة لأن تؤسس أسرة بعد تجربة زواج لم يكتب لها النجاح لسبب أو لآخر”، كما يحاول بعض الرجال استغلال وضعهنّ الاجتماعي من خلال التقدم لهنّ بطلب الزواج بارتباط أقرب ما يكون “لزواج المتعة”، إذ لا يستمر هذا الزواج طويلاً، ما يزيد أوضاعهن تعقيدا.

يسرى محمد (مطلقة من بلدة سعسع) قالت “للحل نت” إنّها تتعرض للتنمر من الأقارب قبل الآخرين، كما تواجه محاولات ابتزاز على أكثر من صعيد، فقد حاول قريبها توريطها أمام أهلها من خلال مراسلتها عبر الانترنت مدعياً أنّه طليقها ويسعى لإعادتها إليه، وأثناء الحديث يحاول استغلال عاطفتها ويطلب إرسال صورها قبل أن تكتشف أنّ قريبها يحاول إيقاعها لابتزازها جنسياً، وعند محاولتها تقديم شكوى للشرطة بذلك منعها والدها بحجة “العيب”.
وأضافت محمد أنّ هذه الأمور تضاعف من المعاناة اليومية التي يعيشنها إلّا أنّها تزيدها إصراراً على إثبات ذاتها وصحة موقفها أمام أهلها وأمام المجتمع الذي يبيح الاستقواء على فئات معينة في المجتمع.

الطلاق ليس نهاية العالم
ترى المرشدة النفسية “سمر الشامي” أنّ المطلقات تساعدنّ المجتمع بالاستقواء عليهن من خلال الرضوخ لواقع المعاناة، وتؤكد أنّ تحركهنّ باتجاه النشاط في المجتمع سيخرجهنّ من دائرة الاستهداف الاجتماعي، لأنّ المجتمع لا يمكن له المساس بالأقوياء.

وأضافت المرشدة النفسية أنّها بصدد إعداد برنامج شامل لدعم المطلقات نفسياً وتهيئتهنّ للانخراط بشكل فعّال في النشاط الاجتماعي، مستندةً بذلك على بعض التجارب الناجحة لمطلقات تغلبنّ على مشاكلهنّ ونجحنّ دراسياً واجتماعياً من خلال نشاطات نسوية، أبرزها دورات محو الأمية وتعليم النساء المسنات في المنطقة، والتي لاقت نجاحاً مبهراً بتعليم أكثر من مئة وخمسين امرأة.

النظرة الاجتماعية السيئة والأفكار البالية التي تسود المجتمع السوري وخصوصاً الريفي، تجعل من المطلقات ضحية ظلم وتنمّر اجتماعي كبير، فكل مطلقة مستضعفة حتى تثبت قوتها، فهل ستكتفي المطلقات بكونهنّ ضحية لمجتمع كامل، أم أنّ لهنّ كلمة أخرى في النجاح والتغلب على ظروفهنّ الصعبة والقاسية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.