تصف الأمهات مشاعر الأمومة بالفريدة، فالعاطفة التي تكسبها الأمومة للمرأة غالباً ما تصل إلى ذروتها لحظة معرفتها بالحمل، إلا أنها في غالب الأحوال مشاعر تكبر معها منذ طفولتها سواء كان هذا الشعور يتولد لديها بالفطرة أو من خلال تنمية هذه الفكرة لديها من قبل أهلها، عند حصرها بالدمى التي يتوجب عليها أن تتبناها وتعتني بها.

تشكل عاطفة #الأمومة هذه ركناً أساسياً من أركان مجتمعاتنا العربية حتى وصلنا الى درجة اعتبار أن هذا الحب الأمومي للطفل الرضيع هو شيء مضمون الحدوث وواقع أكيد، دون الالتفات إلى بعض المشكلات النفسية التي قد تتعرض لها المرأة بعد ولادتها والتي من الممكن أن تحجب عنها هذا الحب لبعض الوقت، مثل اكتئاب ما بعد الولادة.

ما هو اكتئاب ما بعد الولادة؟
هو اضطراب نفسي مزاجي يمكن أن يصيب الأم بعد الولادة، حيث تمر بمشاعر حزن شديد، #قلق، وإرهاق والذي بإمكانه أن يمنع الأم من إتمام نشاطاتها اليومية سواء المتعلقة بها أو بالآخرين. ويختلف عما يطلق عليه “كآبة النفاس”، والتي تصيب غالبية الأمهات عادة بعد الإنجاب. بمعنى أدق، فإن كآبة النفاس هي المصطلح الذي يطلق للتعبير عن الشعور بالقلق، عدم السعادة، والتعب الذي يمكن أن تواجهه #المرأة بعد الولادة، ويكون سببه عادة حاجة الأطفال الرضع إلى الكثير من العناية والاهتمام ما يجعل #الأمهات تشعرن بالتعب وبشيء من القلق والخوف من المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقهن.

تؤثر “كآبة النفاس” على حوالي 80% من الأمهات، ولكنها تذهب من تلقاء نفسها خلال أسبوع أو أسبوعين على الأكثر. أما في حالة #اكتئاب_ما_بعد_الولادة فيصيب 15% من الأمهات شعور عميق بالحزن والقلق، يمنعهن من العناية بأنفسهن أو بعائلاتهن. يصيب هذا الاكتئاب النساء بعد الولادة مباشرة أو بعد وقت قصير منها (أسبوع لشهر بعد الولادة)، وفي بعض الحالات تكون الحاجة إلى #العلاج ملحة وضرورية جداً.

مسببات اكتئاب ما بعد الولادة
من المهم أن نعرف جميعاً أن هذا الاكتئاب لا يصيب الأم بسبب خطأ ارتكبته أو بسبب تقصير منها، فالأمومة بمضمونها #حب وعطاء، وتواني الأم عن تقديم هذه المشاعر خلال فترة الاكتئاب هي حالة مؤقتة ويجب التعامل معها بشكل صحيح، حيث لا يوجد مسبب واحد لاكتئاب ما بعد الولادة ولكنه يحدث بسبب مزيج من العوامل الفيزيائية الجسدية والعوامل العاطفية. وهو اضطراب خارج عن إرادة الأم تماماً فلا يجب أن تلقى باللائمة عليها أو اعتبارها أماً قاسية، فاشلة، أو غير مؤهلة لتكوين عائلة.

التغيرات الجسدية الذي تحدث خلال فترة الاكتئاب يمكن تلخيصها بانخفاض مستويات #هرمونات معينة في جسد المرأة “الأستروجين والبروجيسترون” بشكل سريع جداً بعد الولادة، مما يسبب تغير كيميائي في الدماغ والذي بدوره يحرض على حدوث التغيرات المزاجية لديها. بالإضافة إلى ذلك، تعاني الكثير من الأمهات من عدم القدرة على الراحة إطلاقاً وهو ما تحتاجه أجسادهن بعد الولادة. يؤدي هذا الحرمان المستمر من الراحة إلى تعب جسدي وإرهاق كبير مما يزيد إمكانية إصابة الأم باكتئاب ما بعد الولادة.

أعراض اكتئاب ما بعد الولادة
كما ذكرنا سابقاً، فإن أول ما يظهر من أعراض هو الشعور بالحزن، فقدان الأمل، الفراغ الداخلي، أو عدم الشعور بالراحة، وقد نرى الأم تبكي بلا سبب، أو تعبر عن شعور بالخوف أو القلق دون وجود أي داعي لذلك. في أغلب الحالات التي تمت دراستها كانت الأم المصابة بالاكتئاب تعاني من #اضطرابات في النوم وفي الأكل، ومن الشعور بالانزعاج الدائم وعدم الراحة، ويتملكها الغضب من كل شيء، وتواجه مشاكل في التركيز أو تذكر التفاصيل أو اتخاذ القرارات المهمة. كذلك تفقد الأم الاهتمام بالنشاطات التي كانت في السابق تشعرها بالسعادة، وتبدأ بالانزواء وتجنب الأصدقاء والعائلة. في حالات كثيرة تعاني الأم من آلام جسدية مثل وجع في الرأس بشكل متكرر، مشاكل في المعدة، وألم في العضلات.

ولكن ما قد يستغربه البعض أن من أعراض هذا الاكتئاب وجود صعوبة لدى الأم في إيجاد رابطة أو تعلق عاطفي بالطفل الرضيع، والشك المستمر لديها بعدم قدرتها على الاعتناء بطفلها. وقد يصل هذا #الاكتئاب إلى درجات قصوى تفكر فيها الأم بإيذاء نفسها أو طفلها الرضيع. تختلف أعراض اكتئاب ما بعد الولادة بين امرأة وأخرى لذلك من الأفضل اللجوء الى أخصائي نفسي لمعرفة ما إذا كانت المرأة تعاني من هذا الاكتئاب للبدء بمعالجته قبل أن يتفاقم وتغرق به المرأة أكثر وأكثر.

من هم النساء الأكثر عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة؟
يصيب اكتئاب ما بعد الولادة الأمهات بغض النظر عن عمرهن، عرقهن، أو وضعهن الاقتصادي. من أكثر النساء المعرضات لهذا الاكتئاب هن الزوجات اللواتي يتعرضن للتعنيف أو لعدم الاهتمام من قبل شركائهن في الحياة. حيث تحتاج الأم خلال فترة الحمل وبعد الولادة لكمية كبيرة من الحب والاهتمام و#الدعم_النفسي والعاطفي، وأي ضغط نفسي في هذه الفترة سيؤثر عليها سواء تمثل هذا الضغط بخسارة عمل، وفاة شخص قريب، أو وجود عنف منزلي.

كذلك يلعب تاريخ العائلة الطبي دوراً بمدى احتمالية إصابة المرأة بالاكتئاب بعد الولادة. كما أن النساء اللواتي تعرضن في مرحلة سابقة من حياتهن للاكتئاب هن الأكثر عرضة للدخول في نوبات اكتئاب جديدة، وكذلك المدمنات على الكحول أو المخدرات. وقد يكون المحفز للاكتئاب هو حدوث تعقيدات طبية خلال الولادة مثل ولادة مبكرة أو وجود مشاكل صحية لدى الطفل الرضيع أو وجود مشاعر مختلطة عند الأم تجاه الحمل منذ البداية سواء إن كان مخطط له أم لا.

علاج اكتئاب ما بعد الولادة
من حق المرأة أن تشعر بكل الحب والاهتمام وفي كل الأوقات، وبدل المحاولات المستمرة لعلاج الاكتئاب الذي يصيب بعض النساء بعد الولادة، فمن باب أولى أن تشعر المرأة بما تحتاجه من رعاية ودعم نفسي وعاطفي بشكل دائم.

هنالك العديد من الطرق الفعالة لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة، وهو مشكلة نفسية لا تعد الإصابة بها عيباً أو شيئاً مخجلاً. يستطيع الطبيب أن يساعد الأم على اختيار طريقة العلاج الأفضل لحالتها والتي ممكن أن تتضمن:

  • الجلسات الاستشارية: التي تتضمن التكلم مع اختصاصي مثل مستشار نفسي، معالج نفسي، طبيب نفسي أو أخصائي اجتماعي. يوجد هنالك نوعان من الاستشارة والتي أثبتت فعاليتها في علاج اكتئاب ما بعد الولادة. أولها العلاج السلوكي المعرفي والذي يساعد الأشخاص على تمييز الأفكار والسلوكيات السلبية وتغييرها، وثانيها العلاج الشخصي والذي يساعد الأشخاص على فهم واجتياز المشاكل في العلاقات الشخصية.
  • العلاج بالدواء: تساعد مضادات الاكتئاب على تعديل كيميائية الدماغ التي تؤثر على الاضطرابات المزاجية. ومع أن غالبية هذه الأدوية تعتبر غير خطرة عند تعاطيها مع الإرضاع ولكن على المرأة أن تستشير طبيبها حول الفوائد والأخطار الناتجة عن هذه الأدوية لها ولرضيعها.

    خطر عدم معالجة اكتئاب ما بعد الولادة
  • قد يستمر اكتئاب ما بعد الولادة في حال تجاهله لمدة أشهر أو سنوات. وهذا الاكتئاب ليس خطراً على #صحة الأم فحسب بل إنه يؤثر على قدرتها على التواصل والاعتناء بطفلها أيضاً مما قد يتسبب له بمشاكل عديدة في النوم، الأكل، وكذلك السلوك. وكما ذكرنا سابقاً، في حالات الاكتئاب القصوى قد تقوم بعض الأمهات بالانتحار أو بإيذاء أطفالهن، لذلك لا يجب تجاهل أعراض هذا الاكتئاب بل معالجته.
  • دور العائلة والأصدقاء عند حدوث اكتئاب ما بعد الولادة
  • قد يكون أفراد العائلة والأصدقاء هم أول من يلاحظ أعراض اكتئاب ما بعد الولادة لدى الأم. يتوجب عليهم تشجيع الأم على التحدث مع طبيبها بالموضوع، وتقديم الدعم النفسي لها، ومساعدتها في نشاطاتها اليومية مثل الاعتناء بالطفل الرضيع أو المنزل. ولنتذكر أن الحب والاهتمام والإنصات ومشاركة المسؤوليات والأفكار لايمكن طلبها من الصيدليات.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.