أبرزت الموارد البشرية والمالية المستنزفة في السنوات الأخيرة، ثغرات ونقص الحوكمة في جميع القطاعات في #سوريا، الأمر الذي دفع إلى إنشاء مبادرات الحكم المحلية في بعض المناطق “المتصالحة” مثل بلدة #التل في #ريف_دمشق وأجزاء من محافظة #درعا، حيث نظمت مثل هذه المناطق أنفسها تحت جناح #الحكومة_السورية، وحتى بمباركتها، لإنشاء لجان حكم محلية ممولة ذاتياً لسد هذه الثغرات.

ومع ذلك، تُعتبر تجارب كل من (التل) ومناطق (درعا) فريدة من نوعها بشكلٍ نسبي، فعلى بُعدِ كيلومترات قليلة، لم تكن مناطق في #الغوطة_الشرقية وأجزاء أخرى من درعا، والتي كانت سابقاً تخضع لسيطرة المعارضة، قادرة على تأسيس مبادرة مماثلة يقودها المجتمع لدعم الحكم وتوفير الخدمات.

ويعود السبب في ذلك إلى ثلاثة عوامل رئيسة: الضمانات الأمنية التي مُنِحت في كل من (التل) ومناطق من (درعا)، والتي لا توجد في أي مكان آخر، وقدرة المجتمع على التنظيم وفشل الدولة في توفير الخدمات الأساسية خاصةً في المناطق الثائرة من قبل.

دور الضمانات الأمنية

في الوقت الذي كانت فيه #داريا تخضع لسيطرة #المخابرات_الجوية وأجزاء كبيرة من (الغوطة الشرقية) كانت تخضع لسيطرة #الحرس_الجمهوري والفرقة المدرعة الرابعة، حيث كان القتال على أشدّه، كانت (التل) تخضع لإدارة الأمن السياسي في الحكومة السورية.

حيث استفاد قادة (التل) من ذلك، إضافة إلى العلاقات الشخصية التي تربطهم مع الحكومة السورية في خلق لجنة المصالحة الوطنية وبعد ذلك لجنة التطوير المحلية، وهي لجنة شبه رسمية ممولة ذاتياً تحافظ على استقلاليتها المالية والإدارية، ولها حساب مصرفي منفصل عن البلدية وتستضيف اجتماعات الأهالي لتقييم الحاجات وتقديم الخدمات بحسب الأولوية.

إلا أن الضمانات الأمنية؛ لم تكن دائماً تعتمد على العلاقات الشخصية، حيث يمكن كذلك الاعتماد على الأطراف الخارجية، ومواجهة الظروف السياسية والعسكرية مختلفة جداً من منطقة لأخرى، فقد استفادت أجزاء من درعا كانت تخضع سابقاً لسيطرة المعارضة، من ضمنها #بصرى_الشام و#طفس و#درعا_البلد، من حضور #روسيا كدولة ضامنة لتشكيل اللجنتين المركزيتين والمؤلفتين من مجموعات مسلحة وشخصيات بارزة وناشطين.

وتعمل هذه اللجان باستقلالية كبيرة، لكن بموارد محدودة جداً، للتوسط في النزاعات مع الحكومة السورية، من خلال الشفاعة الروسية، والإشراف على بعض جوانب الحكم وتقديم الخدمات وتنسيق الموظفين التقنيين. كل ذلك تحت الإشراف الواضح لفرع الأمن العسكري التابع للحكومة السورية.

إمكانيات تنظيم المجتمع

بالإضافة إلى ضمانات الأمن الروسية، تختلف كلّ من (بصرى الشام وطفس ودرعا البلد) بشكلٍ كبير عن الأجزاء الأخرى من درعا، والتي كانت تخضع سابقاً لسيطرة المعارضة مثل #نوى و#جاسم، حيث عادت الفروع الأمنية والقطع العسكرية التابعة للحكومة السورية وتم تقريباً منع كل المحاولات للأنشطة المحلية.

ونجاح أي تقويض أو تقاسم للسلطة، يعتمد على قدرة المجتمع على تنظيم نفسه وجمع الأموال والاستجابة للاحتياجات الأساسية، ذلك حيثما تسمح الدولة. ولم تشهد أي من (التل) أو أجزاء درعا الأخرى عمليات نزوح سكانية كبيرة وفقاً لاتفاقيات المصالحة مع الحكومة السورية.

فقد تمكّن قادة المجتمع الموثوق بهم والشخصيات البارزة والجماعات المسلحة والناشطين في درعا، من التعاون للمساعدة في إنشاء النظام اللازم وبناء ثقة كافية ضمن المجتمع المحلي لجمع الأموال لسد جزءٍ من الثغرات التي خلّفتها الدولة.

لكن في المجتمعات “المتصالحة” الأخرى مثل الغوطة الشرقية، تم تهجير أعداد كبيرة من السكان، من ضمنهم قادة المجتمع والناشطين حيث تم تهجيرهم بالقوة أو اعتقالهم عقب عودة أجهزة أمن الدولة والشرطة.

ومع تمزق النسيج الاجتماعي لم تعد الألفة والثقة اللازمة متواجدة لتنظيم مبادرات الحكم المحلي لدعم الرفاهية المجتمعية التي لم تعد موجودة.

فشل الدولة

يرتبط تسامح الدولة المحدود مع حكم المجتمعات المحلية، ارتباطاً وثيقاً مع عدم قدرتها على خدمة المناطق والافتقار إلى الدعم المحلي والثقة في مؤسسات الدولة.

فقد أخفقت هذه المؤسسات في كلّ من (التل) وأكثر من ذلك في درعا في توفير الخدمات الأساسية. كما أن السكان المحليين في كلا المنطقتين لم يكونوا راغبين في دعم هيئات الدولة مالياً بأكثر من دفع الضرائب والرسوم الإلزامية.

فقد تبرعوا بالمال للجنة التطوير المحلية في (التل)، على سبيل المثال، لإعادة تأهيل المدارس وتوفير إدارة النفايات وبناء الآبار وحتى لدعم رواتب المدرسين بشكلٍ جزئي. وبالمثل، في درعا، تبرع السكان إلى اللجان المركزية لإصلاح البنية التحتية الأساسية وتوزيع المساعدات الطارئة.

ومع ذلك، وبالرغم من الضعف المتزايد والموارد المحدودة للدولة، إلا أن الحكومة السورية لا تزال تنظر إلى الحكم المحلي على أنه يشكل تهديداً لوجودها ودافعاً للانفصال.

وبالرغم من نجاح لجنة التطوير المحلية في (التل) بجمع الأموال من السكان المحليين ومعالجة الثغرات التي تعاني منها الخدمات، إلا أنها واجهت عداءاً كبيراً من #حزب_البعث الحاكم والذي يسعى بشكلٍ مستمر لحل هذه اللجان. وبالمثل، تم استجواب الأشخاص المنتسبين إلى اللجان المركزية في درعا من قبل فرع الأمن العسكري، بسبب عملهم في جمع الأموال وتوزيع المساعدات الطارئة.

ومع غياب الإرادة السياسية الحقيقية لنقل السلطة بطريقةٍ مجدية، فإنه من غير المرجح أن تسمح الحكومة السورية باستمرار مبادرات حكم المجتمع المحلي المماثلة أو ظهورها في المستقبل، حيث يتطلب الأمر اكتساب مزيد من الموارد أو مواجهة ضغوطاً أقل من قبل الجهات الخارجية الضامنة. وإن كان من غير المرجح أن يحدث ذلك في أي وقت قريب مع ندرة مصادر الدولة فقط نتيجةً للأزمة المالية في البناء وانتشار جائحة #كورونا.

وبدلاً من ذلك، كما هو واضح في الأجزاء “المتصالحة” من درعا التي تخضع لسيطرة الفرقة الرابعة المدرعة، سُمح للمبادرات المجتمعية مؤخراً بتشكيل بلديات والمشاركة معها في تقديم توصيات الصحة العامة المتعلقة بفيروس كورونا.

وربما تسعى المجتمعات في المناطق “المتصالحة” الأخرى للتفاوض مع الحكومة السورية ومؤسسات الدولة المختلفة على ترتيبات مماثلة للمساعدة في معالجة الوضع الذي يزداد سوءاً ولضمان مجرد بقائهم.

 

عن موقع (Chatham House)

لـ ريم صلاحي


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.