عن الحلم والكرامة: لماذا عادت عبارة “وعد الخطيب” لتثير كل هذا الجدل بين الناشطين السوريين المعارضين؟

عن الحلم والكرامة: لماذا عادت عبارة “وعد الخطيب” لتثير كل هذا الجدل بين الناشطين السوريين المعارضين؟

لاقت المخرجة السورية “وعد الخطيب” دعماً من كثير من المعارضين للحكومة السورية، حين ترشّح فيلمها “إلى سما” لجائزة الأوسكار عام ٢٠٢٠، وأثارت عبارة «تجرّأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة»، التي كتبتها على الفستان، الذي ارتدته خلال حفل توزيع الجوائز في المهرجان العالمي، ردود فعل متحمّسة ومتعاطفة.

اليوم، وبعد مرور ما يقارب العام على الحفل، ومع استخدام البعض العبارة ذاتها شعاراً لإحياء الذكرى السنوية العاشرة لانطلاقة الاحتجاجات السورية، نشب جدل كبير بين مؤيدين لهذه العبارة ومنتقدين لها، اعتبروا أن فيها استغلالاً لمعاناة السوريين، أو بالحد الأدنى تجاهلاً لها واستعلاءً عليها، فالحديث عن الحلم أو الكرامة، بحسب المنتقدين، ليس أكثر الطرق مناسبة للتعبير عن حدث، أدى لمقتل وتهجير الملايين من الناس، الذين لم يختر جميعهم بالتأكيد، الإيمان بذات “الحلم”، الذي تجرّأت عليه “الخطيب”، كما أن أوضاع أغلب السوريين اليوم، من فقر وتشرّد وجوع وخضوع للقمع السياسي والتمييز العنصري، لا تتفق كثيراً مع مفهوم “الكرامة”.

«كيف تحدثت وعد باسمنا جميعا؟»، سؤال طرحه، بشكل صريح أو ضمني، عدد كبير من الناشطين السوريين، على مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت ذاته اعتبر آخرون أن إعادة فتح النقاش حول العبارة، في هذا الوقت تحديداً، مهم جداً، لأنه قد يسمح لكثيرين بالتعبير عن تجربتهم ورؤاهم حول الحدث السوري، فلا يبقى التعبير عنه مُحتكراً في أوساط الناشطين والنخب الأكثر حظاً.

موقع «الحل نت» التقى “وعد الخطيب”، لسؤالها عن الجدل الذي تثيره عبارتها حالياً. وحاول استقصاء آراء بعض الناشطين السوريين المعارضين، لمعرفة الأسباب، التي جعلت من هذه الجملة البسيطة مثاراً لسجالات طويلة.


وعد الخطيب: «النقد حقٌ للجميع، واللاجئون في المخيمات لديهم كرامة أكثر منّي»

«الجدل، الذي يدور حول العبارة محق، ومن حق الناس أن يعطوا رأيهم فيها، ولا أجد أنني المتسببة بهذا الجدل، صحيحٌ أنه أثير بسبب شيء كتبته أنا، إلا أن الجدل حول موضوع الكرامة، في الذكرى العاشرة للثورة، كان سيدور حتماً، حتى لو لم أكتب شيئاً. وأنا لا أريد أن ينتقل هذا الموضوع من جدل سوري محق، إلى موضوع شخصي، ضد عبارة كتبتها أنا».

بهذه الكلمات بدأت “وعد الخطيب” حديثها، ثم تسترسل في شرح الظروف والخلفيات، التي دفعتها للحديث عن الحلم والكرامة: «حاولنا، في كل مكان كنّا نذهب إليه، أن نترك رسالة، ونوجه الضوء إلى قضية الثورة السورية. في مهرجان كان السينمائي مثلاً رفعنا لافته تطالب بإيقاف قصف المستشفيات. وفي كل مناسبة شاركت فيها كنت أرتدي رمزاً للثورة، أو علم الثورة السورية. وخلال حفل الأوسكار لم أتمكن من الصعود إلى المسرح، والحديث عن سوريا، لأنني لم أربح أية جائزة، لذلك أردت أن أوجه رسالة، في هذا الحدث العالمي، بطريقة مختلفة. وبعد استشارة أصدقاء، من الناشطين في الثورة، ارتأينا جميعاً أن نكتب شيئاً على الفستان، الذي سأحضر به الحفل، فكاميرات الصحفيين تركّز دوماً على ملابس الحاضرين، وتنقلها إلى الملايين حول العالم. وهكذا قررنا، بهذه الوسيلة، أن نعبّر عن أنفسنا: من نحن “السوريون” وماذا نفعل. اقترحت عليّ صديقة أن أكتب على فستاني عبارة “لن نندم على الكرامة”، التي كانت موجودة على إحدى الصور المتداولة على موقع “فيس بوك” من مظاهرات #درعا، وبعد نقاش طويل، اتفقنا على استخدام عبارة “تجرّأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة”، لأنها تعبّر عن روح الثورة. صحيح أننا لم نصل إلى ما كنا نحلم به، لكننا تجرّأنا ولن نندم».

ولكن كيف تفهم “الخطيب”، وزملاؤها من الناشطين، “الكرامة”؟ وهل ترى أن ظروف السوريين حالياً تتطابق مع أي مفهوم للكرامة؟ تجيب المخرجة السورية بحماس: «الكرامة شيء غير ملموس، لا نستطيع قياسه، أو تحديده بقالب معين، ومن يقول إن في عبارتي استعلاءً على معاناة الناس، لا يدري أنه هو من يستعلي عليهم. من قال إن الناس، التي تعيش في المخيمات، ليس لديها كرامة؟ أرى أنهم يملكون كرامةً أكثر منّي، أنا التي أعيش في مكان آمن».

إجابة “الخطيب” دفعتنا للتساؤل عن المقصود بـ”نا”، أي ضمير المتكلّم الجمع، الذي استخدمته في عبارتها. باسم من كانت تتكلم؟ ومن كانت تمثّل بعبارتها، وظهورها بذلك المظهر، في أهم مهرجان سينمائي في العالم؟

«استخدمت هذه العبارة على ملابسي الشخصية، واستخدمت ضمير “نا”، الذي يشير إليّ، ولكل الناس الذي يشعرون بمعنى هذه العبارة: عائلتي، وفريق الفيلم، والناس الذين أعرف أن هذا هو رأيهم. وأي شخص يريد أن يكون ضمن “نا” الجماعة هذه مرحّب به بالتأكيد، وإذا كان هناك من يجد أن هذه العبارة لا تعنيه، لديه الحرية الكاملة بانتقادها، والقول إنها لا تمثّله. نحن، وأعني أنا وفريقي وعائلتي، استخدمنا هذه الجملة إطاراً خاصاً بنا، والناس شاركوها على مواقع التواصل الاجتماعي، لأنهم شعروا أنها تعبّر عنهم، ولم نجبر أحداً على هذا»، تجيب “الخطيب”.

وتعبّر المخرجة السورية عن رؤيتها للثورة السورية، ودورها فيها، بالقول: «بعد عشر سنوات من انطلاق الثورة يمكن بالتأكيد القول إننا لسنا في المكان الذي كنّا نحلم به، والذي كنّا نتمناه، وأتفهّم حالة فقدان الأمل لدى كثيرين، فجميعنا نشعر بهذا في كثير من لحظات القهر. لو كنت أستطيع التحكّم بمجريات الأمور لاخترت أن أموت أنا، وينجو كثيرون غيري. لكن هذه هي الحياة، وهذا هو الواقع، اليوم علي أن أبقى حاملة للأمانة، أي أن أتحدّث عن الأشياء التي آمن بها الناس في الثورة، ومات كثير منهم لأجلها. لا يحقّ لي أن أستسلم أو أن أتوقف أو أن أتعب. أستطيع أن أستمر بصناعة الأفلام عن سوريا، لتذكير العالم كله بحلم السوريين، والأسباب التي ثاروا لأجلها».

وتختتم حديثها بالرد على من يتهمها باستغلال المأساة السورية: «أنا وصلت للأوسكار فعلاً بسبب الثورة والثوار، ولا أستطيع أن أنسب شيئاً مما حققته لنفسي، ولم أكن الوحيدة، كان معي كثيرون. رأيت يوم الأوسكار كيف تفاعل الناس مع عبارتي، وهناك واحدٌ وعشرون ألف شخصٍ شاركوها على صفحاتهم الشخصية، وبالتالي فهي تعني شيئاً ما للكثيرين. وأكرر: من حق الناس أن تعبّر عن عدم موافقتها على العبارة، ولكن ليس عن طريق جلد كل من يقول إنه لن يندم على الكرامة».


«الثورة إبداع، ويجب أن لا نُسكت المبدعين»

«الاحتجاج على عبارة “وعد الخطيب” ناتجٌ برأيي عن جوعنا، نحن السوريون والعرب عموماً، للتعبير عن أنفسنا، بعد قرون من الاستبداد والقمع والقهر. الناس تريد أن تُعطي رأيها وتعبّر عن ذاتها، تريد أن تحسّ أنها موجودة، وهذا هو جوهر تعاطي المثقفين السوريين تحديداً مع الموضوع». بحسب تحليل “محمد المير إبراهيم”، الناشط السوري المعارض، المقيم في مدينة هامبورغ الألمانية.

ويبدو “المير إبراهيم” غير مرتاح لردود الفعل السلبية، التي لاقتها “الخطيب” وعبارتها: «هل يُعقل تقييم عبارة كهذه من ناحية البلاغة والجزالة اللغوية؟ نحن الآن في مرحلة إعادة بناء كل شيء يكوّن ذواتنا، وبرأيي يجب أن نشجّع وندعم أيه محاولة للخلق والإبداع، لا أن نحاول تحطيمها، وإدانة المبدعين».

ويتابع بالقول: «ما يهمني شخصياً هو الفعل، بمعنى أن الثورة آلية يستخدمها المجتمع لإحداث تغيير هائل في أوضاعه، وهذه الآلية فيها كثير من الخلق والإبداع، النابع من صميم المجتمع نفسه. لذلك أنا مع الذي فعلته “وعد” وعبّرت عنه، سواء من خلال فيلمها المهم، أو الفستان الجميل، الذي ارتدته في حفل الأوسكار، فهما يحويان قيمة جمالية ومعنوية، تتناسب مع مفهوم الثورة، بوصفها إبداعاً قبل كل شيء. ويلخصان قصة كثيرٍ من السوريين».

«نعم، الإنسان السوري يعيد صياغة نفسه وعالمه بالكامل، وهو يقوم بهذا بنفسه، وليس خاضعاً بذلك لأي طرف، وهذا أهم إنجاز للثورة السورية، والمعنى الحقيقي للحلم والكرامة»، بهذه الكلمات، التي تُبدي كثيراً من التفاؤل والحماس، يختم الناشط السوري حديثه.


«عبارة إنشائية ضعيفة، لا تعبّر عن معاناة السوريين»

إلا أن كثيراً من المثقفين والناشطين السوريين لا يشاركون “الخطيب” و”المير إبراهيم” حماسهما، “منير الشعراني”، الخطّاط ومصمم الغرافيك السوري المعروف ، يتحدث لـ«الحل نت» عن الأسباب التي تدفعه لنقد العبارة ومردديها: «علّقت على صفحتي الشخصية على موقع “فيس بوك”، منتقداً عبارة “وعد الخطيب”، لأنني رأيت أنها مكتوبة بصيغة إنشائية ضعيفة، ولا تقوى على التعبير عن الحمولة الدلالية لعشر سنوات من الثورة، شهدت خروج الناس إلى الشارع ضد الاستبداد، ومعاناتهم من القتل والقمع والتشريد».

ويوضح “الشعراني” تصوراته عن مفهومي “الحلم” و”الكرامة” بالقول: «الحلم أمر لا يخشاه إلا العبيد المتأصلون في العبودية، والأحرار يحلمون دوماً، أما الجرأة فهي في محاولتهم تحقيق الحلم الجمعي، لا في الحلم بحدّ ذاته. وهذا أول ما يجعلني انتقد عبارة “الخطيب”؛ أما الكرامة فهي مفهوم لا يقبل الندم أو عدمه، فهي شعور عميق في نفوسنا، نثور له، عندما يتم الاعتداء عليه، لذا فالقول “لن نندم على الكرامة” لا يصحّ».

ويتساءل الفنان السوري باستنكار: «وبمناسبة الكرامة، هل يشعر أي من الاثنين وعشرين مليون سورياً، المنتشرين بين سوريا وبقية بقاع العالم، أن كرامتهم محفوظة في أي مكان؟ أم أنهم ما يزالون بحاجة لعمل حقيقي، من أجل استرداد شيء منها؟»

ويتابع انتقاداته بالقول: «ظهر التعامل العاطفي مع هذا الوسم على مواقع التواصل الاجتماعي، من قبل مريديه الكُثر، الذين تصّرف بعضهم تصرّف السلفيين تجاه النصّ المقدّس، فاتهموا مخالفيهم بالمزاودة أو التراجع أو الضعف، وكأنه ليس من حق أحد أن يكون له رأي نقدي في كلامهم. هل حقاً يرون في سلوكهم تعبيراً عن حلم السوريين بالحرية؟ أم يظنون أنهم احتكروا الحق بإنتاج صيغة التعبير الأوحد والأكمل، التي تتناسب مع الذكرى العاشرة للثورة؟ لا أرى في منطقهم اتفاقاً مع القيم الفعلية، التي خرجت لأجلها الثورة، أو تعبيراً صادقاً عن الظروف والمعاناة التي يعيشها السوريون».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.