«كنت صغيرة العمر، لكن فكري كان عكس أخواتي وبنات بيئتي. بينما هُن يعشن يومهن بالانجرار وراء المسلسلات وقصصها الورديّة. كان عقلي يفكر بأسئلة بحاجة لأجوبة كثيرة»، تقول أنسام سلمان.

تحب #بغداد ولا تقدر على مفارقتها، ومنطقة #الكرادة هي الهواء الذي تتنفّسه. ولدت قبل 3 عقود، وهي اليوم من بين أبرز الناشطات والمدافعات عن حقوق المرأة والإنسان في #العراق.

إنسام سلمان – إنستجرام

«كما أي فتاة في الشرق عامة، والعراق خاصة، ولدت بمجتمع محافظ يجعل من المرأة “قليلة الأهمية” بين أفراد هذه البقعة. لكن التساؤلات التي راودتني جعلتني أكسر الصندوق المغلق».

تقول إنها جيئت للحياة في بيئة، همها أن تكون “المرأة” ربّة بَيت، ترعى منزلها، تلتزم بتعاليم الإسلام. يجب أن ترتدي الحجاب، وتحترم رجال الدين، لنيل مرضاة “الله” في الحياة وما بعدها.

سلمان إبّان مشاركتها بتظاهرات أكتوبر

أنسام سلمان تسرد عن نفسها

«هذا كان الصندوق الذي أُغلق بداخله عقلنا الجمعي، لكنني وجدت الإجابة على تساؤلاتي بمرحلة البلوغ. اكتشفتُ أن الباب إلى “الله” مفتوح لا مُغلَق، الباب له بالمواجهة لا بالتسليم».

تناضل #أنسام_سلمان لتوعية المرأة من تغييب المجتمع لها. نظّمت أبرز 3 وقفات نسوية ضد “الفساد، والتسقيط الديني، والذكورية”. وهي اليوم من بين مؤسّسي “تحالف 21 لتمكين وتطوير المرأة”.

«بدأت بتمكين نفسي، عبر حضور الورش المعنيٍة بحقوق المرأة بشكل مكثّف. لم أكتفِ بالورش التنظيرية لكسب معلومات تُحصر بالدماغ، وشهادات تقديرية، وانتهى»، تقول لـ (الحل نت).

«بل استفدت مما شاركت في الورش لترجمته عمليا من قلب الواقع والميدان. كنت أرصد ما يمارس من بطش وعنف بحق المرأة، أوثقه بالتقارير وأرسله للمنظمات الدولية». تُردف.

سلمان وهي تشارك بإحدى الورش المعنية بحقوق المرأة

الوقفات التي نظمتها أنسام سلمان

نظّمت “سلمان” مع زميلات لها وقفة نسويّة بيوم المرأة العالمي في 2019 حملت وَسم #عدها_حق. وهي وقفة ضد سلطة الذكر الذي يمنع المرأة من حقّها ويعنّفها ويقتلها.

أنسام إبّان مشاركتها في وقفَة “عدها حق”

«نظمت الوقفة تحت #نصب_الحرية في #ساحة_التحرير ببغداد، وحظيت بتغطية دولية واسعة من الإعلام الغربي، ناهيك عن العربي، ومما طالبناه تشريع قانون مكافحة العنف الأسري».

في ذات العام انطلقت “انتفاضة تشرين”، وهي الانتفاضة التي شهدت مشاركة غير مسبوقة للمرأة العراقية بتاريخ العراق الحديث على امتداد كل حركاته السياسية وغير السياسية.

أنسام عند رسمة إبّان مشاركتها في انتفاضة تشرين

سلمان وتشرين

كان لـ “سلمان” الدور البارز لتشجيع النسوة بمشاركة الرجل لتظاهرات “تشرين” التي انطلقت دفعتها الأولى (1 – 10 أكتوبر) شبابية رجالية، فحشّدت هي وأخريات معها لمشاركته بالاحتجاج.

انزعج التيّار الديني من وجود المرأة بحجم كبير في “تشرين”، فبدأ #مقتدى_الصدر بحملة تسقيط لها واتهمها بـ «ممارسة الفسق والفجور»، ودعا لمنع الاختلاط الجنسي في التظاهر.

سريعا ردت “أنسام” على تلك الحملة “غير النظيفة” بمواجهة “نظيفة”، فنظّمت أشهر مسيرة نسوية إبان تظاهرات أكتوبر، عرفت بـ “المسيرة الوردية” منتصف فبراير 2020 للرد على “الصدر”.

سلمان أثناء تنظيمها لوقفَة “المسيرَة الورديّة”

اكتساب الشجاعة

«أردت القول إن المرأة أشرف من كل من يسقِط بها مهما كانت صفته، ومهما كان جمهوره. رددنا بأن صوت المرأة ثورة لا عورة. مكان المرأة جنب الرجل الحقيقي لانتشال الوطن من الفساد».

عدها حَق، والمسيرة الورديّة، وتشرينيّة، تعد أبرز 3 وقفات نسوية نظمت في العراق ضد الفساد، والتسقيط الديني، والذكوريّة

اكتسبَت “سلمان” الشجاعة منذ أن كانت تدرس الثانوية إبان الحرب الطائفية (2005 – 2009). كانت تذهب يوميا لمدرستها مشيا والجثث حولها بين الأزقة ووسط الشوارع.

كادت أن تفقد حياتها ذات مرّة في تلك السنوات الصعبة، وحُبست بالمدرسة حتى العصر بسبب عمليات الخطف والقتل، وكان والدها يجلس باكيا عند باب المنزل، لا يعرف مصيرها وماذا يفعل.

أنسام سلمان – إنستجرام

تفاصيل

«تأخرت 3 ساعات عن البيت ذاك اليوم. جرحت صديقتي. بالكاد وصلت للمنزل، وعندما رأيت دموع أبي، ازدَدت شجاعة بدل الانكسار. لم أترك المدرسة بتلك الفترة المؤلمة كما البقية».

واجهَت “أنسام” فساد الحكومة بتنظيمها لوقفة #تشرينية بذكرى “تشرين” الأولى، وقبلها بذروة الانتفاضة تحدثت عن كل ما مورس بحق الشباب والنسوة في برنامج “دنيانا” عبر (BBC).

لم تكن “سلمان” مدافعة عن حقوق المرأة فحسب، بل عن حقوق الإنسان ككل، ففي سنوات الحرب مع #داعش كانت تشارك مع #الهلال_الأحمر لإغاثة النازحين عبر زيارتهم بالمخيمات.

«لم ينتهِ دوري عند هذا، فبعد “التحرير” ساهمت بمشاريع لتعزيز السلام بالمناطق المحرّرة من يد “داعش”. كنا نوعي الناس بأكاذيب فكر التنظيم وتطرّفه، ونحثهم على نسيان المأساة».

أنسام في انتفاضة تشرين – إنستجرام

سلمان ومنظمة “إيسن”

إضافة إلى “تحالف 21 لتمكين المرأة”، أسست “سلمان” مؤخّرا منظّمة “إيسن” لحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، وأخذت تشق النجاح بوقت قصير، بنشاطات عديدة، لا متناهية.

«مع كل ما أسسته وساهمت به، ظل العمل التطوعي والإغاثي يعيش بداخلي، فلم أتركه حتى اللحظة. نتبرع أنا ومجموعة من الأصدقاء من جيبنا لنساعد العوائل قدر المستطاع، ولن نتوقّف».

أنسام بإحدى نشاطاتها التطوعيّة

درست “أنسام” الترجمة في كليّة آداب الجامعة المستنصرية، وتجيد الإنجليزية، وعملت – وتعمل – مترجمة في أحايين عديدة لبعض الشركات والصحف والمواقع، وهي ابنة برج “الثور”.

«ما أفتخر به، تمكني من فتح مشاريع خاصّة للعديد من النساء، تارة بفتح ورشة للخياطة، ومرّة بتشغيلهن بالقطّاع الخاص، وأخرى بفتح دكاكين لهن، وسأستمر بهذا ما استطعت».

أنسام سلمان – فيسبوك

رسالة أنسام

لديها عشرات الشهادات المحلية والدولية، ونتيجة لجهودها الداعمة للمرأة، ها هي اليوم تعمل منسّقة للعلاقات العامة بهيئة #الأمم_المتحدة للمرأة في العراق، تكريما لما بذلته وتبذله.

سلمان في ورشة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في العراق

تلامس “أنسام” (24 أبريل 1990) عامها الـ 31 بعد شهر، وتفكّر مستقبلا – لا الآن – بتمكين المرأة من العمل السياسي للنهوض بالبلاد. تقول: «سأعمل للعراق حتى آخر نبضة من عمري».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.