الإنسانيّة في عرف الرجل شيء مُذكّر، فهو يعتبر نفسه يمثل الجنس الإنساني الحقيقي، أما المرأة فهي في عرفه تمثل الجنس الآخر

| سيمون دو بوفوار

«منذ أكثر من عشرين عاماً تستيقظ صباحَ كل يوم في تمام السادسة، لم أرها يوماً تشكو أو تعاني إحباطاً، استطاعت تربية خمسة أبناء وتعليمهم وحدها، باعتبار أن أبي كان مسافراً طوال الوقت عاجزاً عن مساعدتها بشيء بسبب عدم قدرته على تحصيل عمل جيد هناك، كانت أمي تمضي أياماً وليالٍ وهي تحسب كيف تعلمنا وتدير حياتنا، الآن أفكر ولا أستطيع إيجاد أجوبة، من أين كانت تتدبر معيشتنا وتبقى متماسكة وقوية طوال الوقت، وهي المرأة غير المتعلمة والتي تزوجت في سن الثامنة عشر، أمي لا تعرف حتى اللحظة أن هناك يوماً للمرأة يُحتفل بها فيه، وأن النساء تناضل من أجل تحصيل حقوقها، هي مقتنعة بأن ما تفعله هو ما وجدتْ من أجله».

نساءٌ لا يعلمن بحقوقهن

تحكي “منى سلمان”(اسم مستعار)، خرّيجة كلية الهندسة المعمارية في دمشق، قصة أمها التي تختصر حكاية الأمهات السوريّات، السيدات المكافحات اللواتي كرَّسن أنفسهنَّ ليكنَّ نساء ناجحات في عملهنَّ بتربية الأبناء والاهتمام بالعائلة، نساء لا يمتلكن أي تصور آخر عن الحياة خارج هذه الدائرة، ولدن وتربين للقيام بهذه الأفعال ضمن إيمان مطلق بأن واجبهنَّ أن يفعلن ذلك بأفضل صورة.

تقول “منى” لـ(الحل نت): «مات أبي منذ عشر سنوات، بقيتْ أمي وحيدة بعد أن تزوج الجميع وأصبح مستقلاً، وبالرغم من أن أمي كانت أماً وأباً في آنٍ معاً فعلتْ ما لا يمكن لإنسان أن يفعله وحققت مساواتها بيدها، إلا أن المجتمع لم يُنصفها حتى وهي في عمر متقدم، فليس باستطاعتها أن تعيش وحيدة إنها تحتاج لوصي أخ أو ابن أو زوج، المهم هو وجود رجل يحميها هي السيدة البالغة من العمر ستين عاماً، لم يرحمها من حولها وفرض عليها أن تتحرك وتتصرف وفق قوانينهم».

يعتبر التمييز ضد المرأة من أعمق أنواع التمييز في السياق التاريخي للبشرية، فمنذ بدء الحياة على الأرض هناك رجل وامرأة، و تفوقُ أحدهم يعني اضطهاداً وظلماً للآخر حكماً، حيث مورستْ عبر العصور كل أنواع التحجيم والتقييد على المرأة لتجيير طاقتها وعملها لصالح الرجل، رجال السلطة ومحبي المجد هم من فعلوا ذلك، أخفوا صوتها وفكرها وأقنعوها عبر خطاباتهم وقوانينهم أن عالمها له جدران، في مطلع القرن العشرين، أدركت النساء بعد سنوات من تغييب صوتها وفعلها أنها قادرة على كسر هذه الجدران، وأُقر يوم الثامن من آذار/ مارس يوماً عالمياً للمرأة منذ ما يقارب القرن وعشر سنوات، فهل تَحقق شيء من مطالب النساء بعد هذا الزمن؟

نسويّات دون علم منهن

«لم أشعر بالتعب في يوم من الأيام، غصة وحيدة رافقتني ولا تزال حتى الآن سببها إبعادي عن المدرسة، أما عدا ذلك فكل ما فعلته كنت أفعله بحب، لذلك سعيت بكل ما لدي لتعليم أبنائي، غالباً ما أقول لبناتي طوال الوقت عليكنَّ بالحلم والعيش بكامل طاقاتكن، لقد كنت في ما مضى أؤمن أن الفتيات لم يُخلقن للعمل والسفر، ولكنني في عمر متقدم اكتشفت كم حُرمنا من مباهج الحياة دون سبب».

“أم إياد”(اسم مستعار)، سيدة خمسينية، أوقفها والدها وهي في عمر العشر سنوات عن الدراسة كي تعتني بإخوتها الأصغر سناً بعد وفاة والدتها، تزوجت في العشرين وأنجبت 3 أطفال، ربتهم وعلمتهم رغم معاناتها مع زوج قاس، حتى أنها لم تكتف بذلك، فبعد أن تزوج أبناءها وأنجبوا أصبحت تخصص لكل منهم يوماً تذهب فيه للاعتناء بأطفالهم، الأغرب من ذلك أنها استدعت إحدى الفتيات من جيرانها لتعيش معها بعد أن رأت عنف عائلتها معها.

وتتابع “أم إياد” لـ(الحل نت): «أينما التفتُّ حولي أرى نساءً يظلمن، تربينا على أن المرأة التي تعنَّف هي السبب في ذلك ولزوجها الحق بأن يعنفها، المرأة تعنَّف وتجوع وتتشرد وما من أحد يحرك ساكناً، لو كان من يتعرض لذلك رجلاً ما كنا لنرضى نحن النساء، ربما بناتنا أوفر حظاً منا فقط بسبب علمهنَّ فهنَّ يستطعن على الأقل أن ينتجن ويبقين مكتفيات، عدا ذلك معاناتنا نحن النساء واحدة».

يوم المرأة العالمي يمر مرور الكرام في سوريا

مرت ذكرى ثورة “الخبز والورد” على سوريا هذا العام ككل عام دون أي تغيير، النساء اللواتي خرجن في مدينة نيويورك عام 1908 حاملات للورد والخبز مطالبات بحقوقهنَّ وإنصافهنَّ في العمل والحياة، لا تعلم بوجودهنَّ أمهاتنا ونساءنا في سوريا، فهنَّ مشغولات بانتظار يمتد لساعات من أجل حصولهنَّ على ربطة من الخبز في طابور طويل، ناسيات لمغزى الورد ودلالته، بعد مرور قرن على بداية الحركة النسويّة في العالم، لا تزال النساء هنا يفتقدن لأبسط حقوقهنَّ، بل إن الحرب زادت من اضطهادهنَّ ومعاناتهن، وعلى الرغم من أن مئة عام مرت تغيرت فيها الكثير من المفاهيم والقوانين التي تخص المرأة في العالم، إلا أن ذلك لا ينطبق علينا نحن السوريّات، فالسلطة السياسية والدينية والاجتماعية لن ترضى بتغيير كهذا.

“رشا سعد”(اسم مستعار)، ناشطة في منظمة نسويّة غير حكومية، تعلق على ذلك وتقول لـ(الحل نت): «لن يحدث تغيير حقيقي في واقع المرأة السوريّة إلا بترافقه مع تغيير سياسي، نحن نعمل في الخفاء حتى أننا لا نجرؤ على الإعلان عن مطالبنا ضمن الوضع الحالي وضبابية ما يحدث، كما أن الأوضاع الاقتصادية تشكل عائقاً حقيقياً أمام أي تقدم قد نحرزه في هذا الاتجاه، هناك مئات النساء اللواتي يعانين من الفقر وعدم القدرة على إيجاد عمل أو مأوى، وأخريات منشغلات بتمضية يوم آخر في إرضاء أزواجهنَّ دون تعنيف وخسارات، حتى أن النساء أنفسهنَّ لن يسمعننا، إحدى النساء قالت لي منذ وقتٍ قصير عن أية مساواة تتحدثين كل ما أريده أن أنام وأنا مطمئنة بأن أبنائي لم يناموا جائعين».

في شروطٍ كهذه يستحيل على المرأة أن تدرك التمييز الذي يقع عليها، أو تخرج للتظاهر من أجل ذلك، فبزوغ الشمس بالنسبة للنساء السوريّات هو إنذار ليسرعن بتدبر يومهن، نساءٌ منشغلات بحقوقهنَّ البسيطة والمسلَّم بها لن يستطعن أن يفكرن بأكثر من ذلك، التغيير يبدأ من السلطات الأعلى، بمساهمة النساء وإصرارهن، وجود يوم للمرأة لا يعني تفوقهنَّ أو تكريماً لهن، بل يعني اعتبارهنَّ دخيلات على الإنسانيّة بحاجة ليوم يتذكر فيه العالم حقوقهنَّ وحياتهنَّ الموصومة بالظلم، ما يجب السعي إليه أن لا يكنَّ مستعبدات تابعات، لهنَّ خصائص محددة بجنسهن، وأجساد مقيدة بعقول من حولهن، ما تحتاجه النساء أن يكنَّ نساءً فقط لا حدود ولا أوصاف تتسعهنَّ ولسن بحاجة ليوم عالمي لهن.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.