حلفاءُ الأسَد وآخر محاولات الإنقاذ.. ماذا تريدُ روسيا من مِنصّة الدّوحة؟

حلفاءُ الأسَد وآخر محاولات الإنقاذ.. ماذا تريدُ روسيا من مِنصّة الدّوحة؟

خلال الجولة الخليجية لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تم الإعلان عن المنصة الجديدة الروسية- التركية- القطرية في الدوحة الجمعة الفائت،  لتحريك الركود السياسي حول الملف السوري، وإعادة تدوير الزوايا بإشراك دولة عربية، تُقاسم الأتراك في دعمها المعارضة السورية شمالاً، وإقصاء إيران عنها، دون التخلي عن التحالف معها ضمن ثلاثي أستانة.

لا تملك روسيا من خيارات حول سوريا غير تعويم الأسد، وتواصل سياسة فتح المسارات الجديدة، لكسر حالة الجمود السياسي، دون أن تملك خطة متكاملة للخروج بحل للأزمة السورية، طالما أنها تصرّ على عدم تقديم التنازلات.

في قمة الدوحة، قدّمت موسكو وعوداً ومقترحات تتعلق بتأجيل الانتخابات، ومناقشة مسألة إطلاق سراح المعتقلين، وتمديد إيصال المساعدات الإنسانية عبر المنافذ الحدودية إلى آخر العام؛ وذلك مقابل أمرين، أولهما إعادة إحياء مسار اللجنة الدستورية، وهو ما كان محور الاتصال بين نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوكدانوف، والمبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، وفي نفس يوم قمة الدوحة، مع التركيز على إعادة الإعمار وعودة اللاجئين. والثاني أن تشارك الدولتان الحليفتان، تركيا وقطر، في تقديم المساعدات الإنسانية بما فيها مناطق النظام، ومشاركة جزئية في إعادة الإعمار، للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية للنظام والمناطق الخاضعة لسيطرته، بسبب آثار قانون قيصر.

قبل يوم من قمّة الدوحة، زار وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة اللبناني، رمزي مشيرفية، دمشق، وقال أنّه حصل على ضمانات بعودة كريمة لّلاجئين، وأن الظروف الدولية مهيّئة لذلك. وتزامن ذلك مع إصدار الأسد عفواً رئاسياً عن المتخلفين عن الخدمة العسكرية، والمقصود بهم اللاجئون.

في نفس يوم القمة، الجمعة، أصدرت روسيا بياناً بمناسبة مرور 10 أعوام على “الأزمة السورية”، تعتبر نفسها فيه وسيطاً عبر صيغة أستانة لضمان استدامة وقف الأعمال القتالية.

وفي البيان إشارة واضحة إلى بؤر التوتر في إدلب، وتنديد بالتواجد الأميركي “غير المشروع” شرق الفرات والتنف، وانتقاد سياسة الخنق الاقتصادي لما سمّاها “القوى المناهضة لسوريا”، والمساعدات الانتقائية ودعم التوجهات الانفصالية، وفيه دعوة إلى المجتمع الدولي لتوفير الجهود المواتية لعودة اللاجئين الآمنة والطوعية.

إذاً، تعود روسيا مجدداً إلى خطتها حول (عودة اللاجئين وإعادة الإعمار)، والتي كانت قد طرحتها في 2018، وقوبلت حينها باشتراطات أميركية، أبرزها يتعلق بالوجود الإيراني وبالحل السياسي وفق المقررات الدولية؛ ثم فشلت موسكو في مساعيها مجدداً، مع عقدها مؤتمر عودة اللاجئين في دمشق في 10 نوفمبر العام الماضي، مع الإحجام عن المشاركة العربية والدولية.

لم يكن تحالف الدوحة وليد لحظة جولة لافروف الخليجية، بل تم التحضير له لمدة شهرين، لكن لحظة إعلانه هي التي كانت ملحّة بالنسبة للدول الثلاث المشاركة؛ وهي اتضاح السياسة الأميركية لإدارة الرئيس بايدن حول سوريا، باستمرار التواجد الأميركي في شرق الفرات، ودعم الإدارة الذاتية، ومنع روسيا والنظام من الاستفادة من آبار النفط المتواجدة تحت السيطرة الأميركية.

على ذلك، يتفق ثلاثي الدوحة في بيانهم، على الوقوف في وجه “الأجندات الانفصالية”، والمقصود بها الكُرد. وقبيل القمة كان هناك حشد عسكري من النظام وروسيا قرب عين عيسى، بموازاة تعزيز للقوات التركية في تل أبيض، كتهديد للإدارة الذاتية، وضغوط لإخضاعها للأجندة الروسية.

بكل الأحوال، الحراك الدبلوماسي الجديد، سواء الجولة الخليجية بقصد إعادة مقعد النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، أو قمة الدوحة، كل ذلك كان استغلالاً روسياً لانشغال إدارة بايدن عن الملف السوري، بأولوياتها حول الملف النووي الإيراني ومواجهة خطر الصين الاقتصادي.

سوريا باتت منطقة صراع دولي أميركي روسي، وكل تحرك روسي هو محط اهتمام أميركي، ولذلك عاد الاهتمام الأميركي بسوريا، في نفس يوم القمة، الجمعة الفائت، بإعلان وزارة الخارجية الأميركية أنها بصدد مراجعة سياستها في سوريا وبناء سياسة جديدة، وذلك بقيادة مسؤول الشرق الأوسط الجديد في مجلس الأمن القومي، بريت ماكغورك، المعروف بتعاطفه مع الكُرد.

وبالتزامن مع الذكرى العاشرة للانتفاضة السورية، قدمت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مشروع قرار يتعلق بإدانة جرائم النظام ومحاسبته وداعميه، ومنعه من الوصول إلى الموارد التي تساعد آلته العسكرية، وكذلك الاحتفال رسمياً بالذكرى السنوية للانتفاضة السورية.

هذا التحرك، يُعدّ رسالة إلى المجتمع الدولي ضدّ تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، والتأكيد على الحل وفق القرارات الدولية، جنيف و2254. وهناك بيان رباعي أميركي، بريطاني، ألماني، فرنسي، في ذكرى الثورة، يتضمن أن لا مشاركة في إعادة إعمار سوريا قبل تقدم جوهري في العملية السياسية.

اعتمد البرلمان الأوروبي، الخميس الفائت، قراراً يزعم بارتكاب تركيا انتهاكات في سوريا، وأنها تحتل أراضي سوريّة، ويدعوها للانسحاب، ويعارض القرار أي تطبيع مع نظام الأسد دون تقدم في المسار السياسي، ويدين انتهاكات روسيا وتركيا وإيران في سوريا؛ وهذا القرار يعتبر كردِّ أوروبي على المساعي الروسية.

وبالتوازي مع ذلك، هناك تحرك هولندي وكندي لمحاسبة الأسد، وتقارير بريطانية عن ضلوع زوجة الأسد في انتهاكات إنسانية وإمكانية محاسبتها وتجريدها من الجنسية البريطانية.

إيران هي الغائب الحاضر في التحرك الروسي الأخير؛ اختارت روسيا حليفين، تركي وقطري، غير معاديين لإيران، وداعمين للمعارضة السورية في الشمال. فالإمارات رحبت بعودة النظام إلى جامعة الدول العربية، رغم انزعاجها من النفوذ الإيراني، والسعودية كانت أكثر تحفظاً من حيث إبداء موافقتها، وهي أكثر المتضررين من مشروع التمدد الإيراني في المنطقة.

ترغب روسيا في الحد من النفوذ الإيراني المنافس لها في سوريا، لكنها تريد الإبقاء على التحالف مع طهران في سوريا، لاستمرار حاجتها لمقاتلي مليشياتها، ولاستخدامها كورقة للضغط والتفاوض مع الحلفاء والأفرقاء حول الحل السوري.

كانت روسيا قد استدعت حزب الله إلى موسكو قبل القمة، لدفعه لتغيير سلوكه بما يتناسب مع الانفتاح العربي، وإفهامه أن احتفاظه بترسانة أسلحته النوعية بات غير وارد في ظل الهيمنة الروسي، على سوريا وخاصرتها الهشة، لبنان.

على ما سبق، فإن تأجيل الانتخابات الرئاسية واردٌ، باعتبار أن إجراءها يعني إنهاء العملية السياسية برمّتها. وقد لا تنجح المساعي الروسية في إنقاذ اقتصاد النظام من الانهيار؛ فهل تدرس روسيا حلولاً مختلفة، غير تعويم الأسد، ومنها ما يُطرح حول تشكيل مجلس عسكري؟


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.