«لا أشعر بأني أرغب حقاً بالمساواة المطلقة مع الرجل، ثم ماذا تعني كلمة مساواة، لا يمكننا أن نكون متشابهَين في كل شيء، الاختلاف هو أساس علاقتنا ببعضنا ونجاحها، بالتأكيد أرغب بالمساواة في العمل والأجور وقوانين الأحوال الشخصية والقوانين الاجتماعية، أما بيني وبين زوجي فالأمر مختلف تماماً، فالحياة الواقعية تختلف عن النظريات، هناك مهام تخصني باعتباري أنثى وأخرى عليه القيام بها كرجل ولا جدال في ذلك».

“لميس صادق”(اسم مستعار)، خريجة كلية التربية قسم الإرشاد النفسي، متزوجة ولها طفلة بعمر السنتين والنصف، تتحدث لـ(الحل نت) عن رؤيتها للمساواة بين الجنسين، فهي بالرغم من أنها تقف مع ضرورة تحصيل المرأة لحقوقها، إلا أنها لا ترى المساواة ضرورية في كل شيء، وتتابع: «ما الذي نريده تحديداً من الرجل؟ أن يعترف بنا؟ أن يعطينا الحق بأن نقوم بما يفعله هو؟ هذا غير طبيعي ويخل بالتوازن وهذا ما يصلني من مطالبات النسويات، أراهنَّ حاقدات على الرجال ومتطرفات بعض الشيء، مع أنني متأكدة من أن هذه السلطة المطْلقة التي يتمتع بها الرجال في مجتمعنا تقع مسؤوليتها بشكل كبير على النساء، وهي لم تؤخذ منا بيوم وليلة إنها نتاج سنوات طويلة، لا يمكننا استردادها بسهولة».

تختلف وجهة نظر النساء في المجتمع السوري حول موضوع المساواة مع الرجل، في الآونة الأخيرة، فأصبحتْ معظم النساء على دراية بتلك المطالبات لتحصيل الحقوق، وانتشر نوع من الفهم وإن كان سطحياً للمشكلة المترسخة حول التمييز وأسبابه، يمكننا رصد آراء مختلفة حول ذلك، هذه الآراء قد تكون مهمة في لحظة من اللحظات بالضغط العام لتحصيل تلك الحقوق من عدمه.

“مها رشيد”(اسم مستعار)، سيدة غير متعلمة وأم لثلاث أبناء، تعرَّض زوجها لحادث عانى على إثره من شلل في الأطراف منذ أكثر من عشر سنوات، تقول لـ(الحل نت): «تجربتي الشخصية كانت كافية لأقتنع بأننا نستطيع القيام بنفس المهام نحن والرجال، اضطررت لأن أربي أبنائي وحدي وأعلمهم وأساعدهم كي يؤمنوا مستقبلاً فيه نوع من الاستقرار، كانت كل من مهام الرجل والمرأة تقع على عاتقي في الوقت ذاته، والآن أدركت أن شعوري بأنني أقل من الرجل كان نابعاً من نظرة المجتمع وتربيته، الآن أشعر بأنني قوية كفاية لأن أكون مساوية له حتى دون الحاجة لأن يطالب أحد بحقوقي، مساواتنا نحن من يصنعها لسنا بحاجة لمطالبتهم بها».

غالباً ما تثبت النساء قدراتهنَّ إن وضعن في مكان يختبر تلك القدرات، عدا عن ذلك تبقى المرأة حبيسة الصورة المجتمعية لها ولما يمكنها فعله، النساء يحقق مساواتهنَّ ضمن سياق وعيهنَّ الخاص وتطورهنَّ وتجاربهنَّ الخاصة، فيما تبقى أخريات تابعات دون أن يصلن إلى تلك العتبة التي تكشف ما يستطعن فعله، هاته النسوة تحديداً هنَّ الفئة الأكثر هشاشة واللواتي لا يمتلكن أدنى إيمان بالمساواة يعشن حياتهنَّ وفق قناعة بأنهنَّ أدنى مرتبة دون أية رغبة بالتغيير.

المرأة بين الماضي والحاضر

في يوم المرأة العالمي انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لفتاة أميركيّة تلقي اللوم على نساء حقبة الستينات ومطالباتهنَّ بالمساواة وتبعيات ذلك عليها، فهي لا تريد أن تكون مساوية للرجل أو أن تعمل وتدرس، معظم المشاركات لهذا الفيديو كانت لفتيات في العشرين من عمرهن، وكان لـ(الحل نت) حوار مع إحداهن، حيث قالت: «ليست لدي تلك الرغبة بأن أتعلم وأحقق حلماً ما أو أن أعمل، لدي حب لأعيش حياة تقليدية في منزلي مع العائلة، أن أعيش تلك التفاصيل الصغيرة التي باتت معظم النساء ترفضها، أنتظر زوجي أحضر له الطعام أعتني به وبأطفالي هذا كل ما أحلم به، وغالباً ما أرى النساء اللواتي يدافعن عن حقوق المرأة منفعلات ولا أفهم السبب».

هناك وجهة نظر شبه عامة تصف النسويات بأنهنَّ يعانين من شعور حاد بالنقص يدفعهنَّ لمهاجمة الرجل ومحاولة التشبه به، قد يكون منشأ هذه الرؤية نظريات “فرويد” أو ربما سلوكيات بعض النسويات، المشكلة تكمن بأن يكون بين النساء أنفسهنَّ تلك الانقسامات، فقسم منهنَّ يطالب بالمساواة وآخر يرفض، الفهم الخاطئ لقضية المرأة هو السبب، حيث لا تدرك معظم النساء أهمية تحصيلها لحقوقها وممارسة إنسانيتها بشكل كامل كما الرجل، في الواقع من الضروري أن يُلتغى التمييز بين الجنسين، ولتختر حينها كل امرأة الوضع والحياة التي تناسبها، اختلاف الرغبات والرؤية الحياتية لا يعني رفض الحقوق أو إلقاء اللوم على أحد.

تعيش الفتيات في المجتمع السوري الآن حالة من المبالغة بإظهار الأنوثة، والعمل على زيادة اكتساب الصفات الأنثوية في محاولة لجذب الرجال، تنتشر هذه الظاهرة بشكل معكوس مع الانفتاح والحرية التي يحظى بها هذا الجيل الذي يمتد من بداية التسعينات حتى الآن، لا يبدو واضحاً ما هو منشأ هذه الظاهرة وسبب كثرتها، إلا أن أحد أهم الأسباب هو رغبة الذكور بهذا النوع من النساء، المرأة في مجتمعنا تصنع نفسها وتبني ذاتها وفق معايير الرجل وما يرغب به مع غياب تام للمعايير الخاصة بها كمرأة، فيما ترفض معظم النساء الشكل الذي تطرحه النسوية للمرأة والذي يُفهم غالباً على أنه شكل عنيف يتشبه بالرجال في كل شيء.

مصدر سوء الفهم

“جود مراد”(اسم مستعار)، ناشطة في منظمة نسوية، تقول لـ(الحل نت): «النساء في مجتمعنا معتادات على نمط محدد من التعاطي مع ذواتهنَّ ومع الرجال، هو موروث مجتمعي مترسخ بشكل عميق في اللاوعي الأنثوي، بعض الفتيات يتخلصن من ذلك نتيجة تجاربهنَّ الخاصة، أما الأكثرية فهنَّ يعشن ضمن حلقة محدودة من العلاقات والتي تمتلك ذات الأفكار وتحكمها العادات، هاته النسوة مقتنعات بدورهنَّ ويحتجن لوقت طويل ليحدث أقل تغيير في فكرهن، وقناعتهنَّ تلك تجعلهنَّ يرفضننا نحن النسويات، نعم هناك نظرة بأن النسويات يتشبهن بالرجال ولكنها نتيجة لسلوكيات فردية وليست عامة».

غالباً ما تعجب النساء بالرجل الذي يمتلك سلطة عليهنَّ وقوة، فيما يحتقرن الرجل الضعيف الذي لا يمتلك ذلك الحضور، وهذا ينطبق على غالبية النساء، وفيما تحاول النساء التحرر من سلطة الرجل والتبعية له يقعن في مطب رفض هذه الرغبة الخفية والمحببة لديهنَّ بقوة الرجال، فتتحول إلى نوع من الكره والمجابهة لهذه القوة ليصبح الرجل القوي مكروهاً، وكذلك الضعيف، ويتشكل لديهنَّ ميل إلى إظهار قوتهنَّ، وبما أنه ليس أمامهنَّ قوة وسلطة غير تلك التي تخص الرجل، فهنَّ لا شعورياً يسلكن سلوكاً مشابهاً في إظهار هذه القوة، المشكلة تكمن في مقارنة المرأة نفسها بالرجل، هذه المقارنة ستكون مخيِّبة في معظم الأحيان، لا يمكن المقارنة بين جنسين يمتلكان من الاختلاف الكثير ويجمعهما هدف واحد وهو الحفاظ على النوع، ما يجب أن تفعله النسوية هو أن تقارن نفسها بنفسها من دون حقوق ومساواة ومعهما، أن تحصل على امتيازاتها الخاصة التي تميزها وحدها كمرأة، أن تخلق إبداعها ونجاحها الخاصين بها.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.