تعاني أغلبية مدن وبلدات شمال وشرق سوريا من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، مقارنةً مع الفترة ذاتها من العام المنصرم، لكن السبب اليوم غير مرتبط بتقصير خدمي من قبل #الإدارة_الذاتية، التي تشرف على تشغيل السدود المولّدة للطاقة الكهربائية، بل يتعلّق بانخفاض منسوب تدفق مياه نهر #الفرات، الذي يُعد شرياناً حيوياً رئيسياً لسوريا والعراق معاً، وهو الانخفاض الذي يتهم كثير من المختصين الدولة التركية بالمسؤولية المباشرة والمتعمّدة عنه.

ولا تقتصر التأثيرات الجانبية لخفض منسوب تدفق النهر على القطاع الخدمي، وتوليد الطاقة الكهربائية، بل كذلك على القطاع الزراعي، ما يهدد الأمن الغذائي لشمال وشرق سوريا، ولاسيما مع ذروة موسم الزراعة، في مناطق مثل #الرقة وعين عرب/كوباني ودير الزور.

 

مخاوف خروج سدي “الفرات” و”تشرين” من الخدمة

وبدأت #تركيا منذ أشهر بتقليص مخصصات سوريا من الوارد المائي لنهر الفرات، بحسب “زياد رستم”، رئيس هيئة الطاقة في الإدارة الذاتية، الذي يؤكد لموقع «الحل نت» أن «الوارد المائي لمنطقة #جرابلس انخفض لمئتي متر مكعب/ثانية فقط، منذ بداية شهر شباط/فبراير المنصرم، بدلاً من خمسمئة متر مكعب/ثانية، وهو ما يجب أن تناله سوريا والعراق، وفق الاتفاقيات بين هاتين الدولتين وتركيا عام 1987. وقد أدت قلة التدفق لانخفاض منسوب بحيرة “سد تشرين”، الأمر الذي أدى إلى خروجها عن الخدمة».

ويعدّ “سد تشرين” ثاني أكبر سد في سوريا بعد “سد الفرات”، وبالتالي فإن تعطله له تأثير مباشر على الحياة في المنطقة، لارتباطه بقطاعات أساسية، مثل توليد الطاقة الكهربائية والزراعة والنشاط الصناعي.

إلا أن “سد تشرين” ليس السد الوحيد، المهدد بالخروج من الخدمة، فـ”سد الفرات” يعاني المشكلة نفسها، لأن «المنسوب الأعظم لبحيرة الفرات، الواقعة خلف السد، يجب أن يبلغ 304 متر فوق سطح البحر، في حين يبلغ حالياً 301 متر فقط، أي بانخفاض 2-3 متر»، يقول “رستم”.

الحالة مرشحة لمزيد من التدهور، بحسب المسؤول في الإدارة الذاتية، ولاسيما بسبب تزايد دراجات الحرارة في الارتفاع، مع بدء فصلي الربيع والصيف: «هنالك انخفاض يومي في “بحيرة الفرات”، بمعدل 4 سم/يوم، وعند ضخ المياه إلى الأراضي الزراعية، لتوفير الري، سيصل الاستنزاف لأكثر من 5 سم/اليوم، وبالتالي ستصل “بحيرة الفرات” إلى منسوب 300 متر، وهو منسوب حرج، يؤدي إلى توقف “سد الفرات” عن توليد الطاقة الكهربائية، بل ربما يؤدي إلى أضرار في جسم السد، بسبب انحسار المياه عنه».

 

مزيد من التقنين

بدوره يؤكد المهندس “جهاد بيرم”، الإداري في “سد الفرات”، أن «انخفاض المياه يؤثر على بنية السدود، ومردود العنفات، والمخطط البياني لتشغيلها. إذ أن استهلاك العنفة للمياه، مع انخفاض الوارد المائي، يبقى نفسه، إلا أن مردودها من الكهرباء ينخفض للنصف، نتيجة ضعف قوة الضخ الذاتي، وهو ما يعني خسارة المخزون المائي دون فائدة».

ويتابع المهندس في حديثه لموقع «الحل نت»: «عندما كان الوارد المائي جيداَ كانت العنفات تعمل لمدة أربع وعشرين ساعة متواصلة، ولكن مع انخفاض الوارد بدأنا العمل وفق نظام أكثر صرامة في التقنين، فنشغّل العنفات من منتصف الليل وحتى الساعة الرابعة صباحاً، ما يجعل التغذية خدمية فقط، من الساعة الرابعة صباحاً وحتى الساعة الثالثة عصراً». ويُشير “بيرم” أيضاً إلى «وجود جدول تقنين أشد في الايام القادمة».

المشكلة لا تقتصر على تقنين الكهرباء بل «سيواجه جسم السد صعوبات ومشاكل فنية، وسيخرج عن الخدمة خلال فترة قصيرة جداً، إذ ما استمر المنسوب في الانخفاض، وهو ما يعني حرمان مناطق كثيرة من الطاقة الكهربائية تماماً، وتأثير هذا على قطاعات حياتية عدة سيكون ملحوظاً، ولاسيما مع اقتراب فصل الصيف، وموسم الري في المناطق الزراعية. كما أن انخفاض منسوب بحيرة الفرات أدى إلى تقليل خزانها المائي، وظهور النفايات الصلبة ومخلّفات الصرف الصحي، وخروج كثير من مضخات المياه من الخدمة، وهذا يعني أن المياه المخصصة للشرب صارت بحاجة إلى معالجة»، يؤكد “بيرم”.

 

مجاعة على الأبواب

ويصف المزارعون في مدينة الرقة قطع المياه عنهم بـ«حرب التجويع والتعطيش»، وهو ما عبّر عنه المزارع “أحمد اليعربي” بالقول: «سنواجه كارثة إنسانية حقيقية، إذا استمرت تركيا بحرب المياه، وتخفيضها لمنسوب مياه نهر الفرات، وخاصة في هذا العام، الذي يُعدّ عام جفاف، بسبب قلة الأمطار الموسمية الهاطلة، التي أثّرت بشكل كبير على الزراعة البعلية».

“اليعربي” ينتمي إلى نسبة 85% من سكان الرقة، الذين يعتمدون على الزراعة لتأمين دخلهم، «ربما سنواجه مجاعة، لعدم قدرتنا على زراعة أراضينا بالمحاصيل الصيفية الاستراتيجية، وخاصةً القطن، الذي يحتاج إلى الري بكميات كبيرة ومتواصلة من المياه». يقول المزارع الرقاوي لـ«الحل نت».

بدوره يحذّر “سلمان بارود”، الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية، من «تأزّم الوضع، وتحوّله لكارثة إنسانية وغذائية، في حال استمرار تركيا بخفض منسوب تدفق النهر».

 

تأثير شامل على الحياة

«ستضطر الإدارة الذاتية لتقنين ضخ مياه الري إلى بعض المناطق، التي تعتمد في ري أراضيها على محطات الضخ، بهدف توفير الكهرباء، لأنه لا بد من الموازنة بين الري والكهرباء، فانقطاع الكهرباء سيؤثر على أنواع كثيرة من الصناعات، ومن الممكن أن يؤدي إلى توقفها، وبالتالي ازدياد نسبة البطالة، وسينعكس الأمر مباشرة على عمل المطاحن والمداجن والأفران، وغيرها من القطاعات الإنتاجية الهامة»، وفقاً لما قاله “بارود”.

ولا يستبعد “بارود” أن «يؤثر انخفاض منسوب مياه النهر وبحيرات السدود على نشاط الصيد وحياة الصيادين، نتيجة ضحالة المياه، وهو ما يهدد الثروة السمكية أيضاً».

ويرى المسؤول المحلي أن «الحلول تكمن في الضغط على تركيا، عن طريق المنظمات الدولية ذات الشأن، مثل #مجلس_الأمن ومنظمات حقوق الإنسان، لإلزامها بتطبيق اتفاقية عام 1987، والسماح بتدفق حوالي خمسمئة متر مكعب/ثانية من المياه نحو سوريا والعراق، لأن المياه تعتبر من الحقوق الاساسية للإنسان».

 

«جريمة حرب لأهداف سياسية»

ويصف مسؤولون في الإدارة الذاتية ما تقوم به تركيا بـ«جريمة حرب»، فقد أدانت إدارة السدود في شمال وشرق سوريا «الممارسات التركية، وتلاعبها بمنسوب مياه الأنهار وتدفقها، واستخدامهما ورقةً للابتزاز السياسي»، وعدّت ذلك «انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني».

وهذه ليست المرة الأولى، التي تخرق فيها تركيا اتفاقية عام 1987، وتقوم بتخفيض كميات المياه الواردة إلى سوريا، إذ صار هذا المشهد متكرراً منذ عام 2016، أي بعد سيطرة #قوات_سوريا_الديمقراطية على منطقة السدود، عقب طردها تنظيم #داعش منها. هنا يتساءل “زياد رستم”: «لماذا لم تقطع تركيا المياه عند سيطرة داعش على المنطقة؟»، مقارناً بين واقع تدفق المياه سابقاً، أثناء تواجد داعش، وبين حاله اليوم، في ظل الإدارة الذاتية: «أثناء حكم داعش كان تدفّق المياه طبيعياً، ولكن في عهد الإدارة قطع الأتراك المياه، بشكل متكرّر ومتعمّد».

ويؤكد “رستم” أن: «دوافع خفض وارد المياه سياسية، والهدف تحريض المواطنين ضد الإدارة الذاتية، والتشكيك بقدرات الإدارة على تقديم الخدمات الرئيسية، مثل الكهرباء ومياه الشرب والري».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.