كشفت رسائلٌ إلكترونية لشركةٍ روسيّة، كانت قد أبرمت عقداً مع الحكومة السورية للتنقيب عن النفط والغاز البحري، أنها جزءٌ من شبكة من الشركات التي تُشكّل مجموعة المرتزقة الروسية المعروفة باسم #فاغنر.

وبحسب تقريرٍ لصحيفة (Foreign Policy)، فإن عملاء شركة “فاغنر” الذين اشتهروا بنشاطهم المرتزق الممتد عبر العالم من #السودان مروراً بأوكرانيا إلى #فنزويلا، سعوا أيضاً إلى استغلال احتياطيات الموارد الطبيعية المربحة في الدول الهشّة.

الصفقة التي أُبرِمت مع شركة “كابيتال” الروسية غير المعروفة، والتي صادق عليها الرئيس السوري #بشار_الأسد في آذار الماضي، ستسمح للشركة بالتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل سوريا الجنوبية ضمن منطقة تضم مساحة 2250 كيلو متراً، ما يهدد بإثارة نزاع مع الجارة #لبنان، التي تقول إن «المنطقة تضم بعضاً من مياهها الإقليمية».

يأتي ذلك، في ظل سعي روسيا إلى ترسيخ موطئ قدمها الاستراتيجي في سوريا، وبالتالي توسيع نطاق سيطرتها على شرق البحر المتوسط، مع استمرارها بتحقيق أهداف سياستها الخارجية الأكثر تعقيداً، بالاستعانة بمصادر خارجية ومقاولين عسكريين من القطاع الخاص الذين يقدمون وسائل متعددة قليلة المخاطر للتدخل في جميع أنحاء العالم.

وبحسب التقارير المتواترة، فإن المقاول العسكري الخاص هو الأكثر شهرة في روسيا، وهي مجموعة مبهمة من الشركات تعرف باسم مجموعة “فاغنر”، يقودها #يفغيني_بريغوزين، الحليف المقرب للرئيس الروسي #فلاديمير_بوتين والذي عاقبته واشنطن لمحاولته التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016 وكذلك الانتخابات النصفية لعام 2018.

وتُظهِر رسائل البريد الإلكتروني المسرّبة التي حصل عليها مركز الملفات، وهي وحدة تحقيق مقرها لندن ويمولها الروسي المنفي “ميخائيل خودوركوفسكي”، وحلّلها المركز غير الربحي للدراسات الدفاعية المتقدمة، وجود تداخل في هياكل الملكية بين شركة “كابيتال” وغيرها من الشركات التابعة المعروفة لـ “فاغنر” العاملة في سوريا.

وقد أُدرِج المدير العام المسمى في عقد “كابيتال” مع الحكومة السورية، “إيغور فيكتوروفيتش خوديريف”، على أنه كبير الجيولوجيين في جدول عمل داخلي تستخدمه شركة “أفروبوليس”، وهي شركة أخرى تابعة لشركة “فاغنر” والتي أبرمت في وقت سابق صفقة مع الحكومة السورية منحتها 25 في المائة من عائدات حقول النفط والغاز المحررة من سيطرة تنظيم #داعش.

وسبق أن تصدرت “أفروبوليس” عناوين الصحف بعد اتهام مجموعة من الرجال العاملين في الشركة بالمسؤولية عن التعذيب الوحشي وقتل رجل سوري يدعى “حمدي بوتا”، بعد تصويره في مصنع غاز #الشاعر بالقرب من #تدمر السورية في عام 2017.

وفي الدعوى الأولى من نوعها، قدم شقيق الضحية شكوى في المحاكم الروسية في شهر آذار الماضي متهماً مجموعة فاغنر بارتكاب جرائم حرب. وفي ليبيا، اتهمت القيادة الأميركية في #إفريقيا عملاء فاغنر بـ «وضع الأفخاخ المتفجرة وحقول الألغام بشكل عشوائي». وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، اتُّهِمت المجموعة ذاتها بالتعذيب والاحتجاز التعسفي والإعدامات الجماعية.

كذلك أبرمت شركتان أخريتان على الأقل مرتبطة بفاغنر، بحسب عدة تقارير، صفقات نفط وغاز مع #الحكومة_السورية. ففي أواخر العام 2019، وافق #البرلمان_السوري على عقود استكشاف وتطوير ثلاث حقول يعتقد أن كل منها يحتوي على 250 مليار متر مكعب من الغاز.

وتعتبر مثل هذه العقود بمثابة مكافأة لمجموعات المرتزقة التي قاتلت في الخفاء إلى جانب القوات الحكومية السورية في بعض العمليات البرية الأكثر صعوبة في الحرب. ويُعتقد أن المئات من المرتزقة الروس قُتِلوا في اشتباكات مع القوات الأميركية في 2018، بعد أن هاجموا موقعاً أمامياً في محافظة #دير_الزور، حيث كانت تعمل وحدة صغيرة من القوات الكردية والأميركية.

ويشير الاستخدام الظاهر لشركات فاغنر إلى استراتيجية #الكرملين في سوريا: إن عمالقة الطاقة المملوكة للدولة في روسيا ليسوا هم الذين يُستَخدَمون لكسب موطئ قدم في البلاد، بحسب “آنا بورشيفسكايا”، الزميلة البارزة في معهد واشنطن والخبيرة في السياسة الروسية في الشرق الأوسط.

كما لا تبدو مشاريع “كابيتال” و”ميركوري” و”فيلادا” منطقية من منظور الطاقة الاقتصادي، لكنها قد تكون كذلك من الناحية الجيوسياسية.

فقبل اندلاع الاحتجاجات في عام 2011، كانت #سوريا تنتج أقل بقليل من 400 ألف برميل من النفط يومياً، أي أقل من نصف 1٪ من الإمدادات العالمية في ذلك الوقت. ومنذ ذلك الحين، انخفض الإنتاج بأكثر من 90 في المائة ويقدر الآن بحوالي 20 ألف برميل يومياً، لأن معظم حقول النفط الأكثر إنتاجية في البلاد تقع في مناطق لا تزال تسيطر عليها #قوات_سوريا_الديمقراطية في شمال شرقي البلاد.

ويرى “كرم الشعار” الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط والخبير في الاقتصاد السوري، بأنه ما لم تضخ شركات النفط المحلية الروسية أكثر من 10 ملايين برميل يومياً، فلن تبدو الصناعة السورية للنفط تستحق الجهد المبذول من وجهة نظر اقتصادية بحتة.

لكن موسكو ترى في سوريا وصناعة الهيدروكربونات وسيلة للحفاظ على نفوذها، في الوقت الذي تتطلع فيه البلاد إلى إعادة الإعمار بعد عقد من الصراع.

ويتابع الشعار قائلاً: «لدى الروس ولاء الأسد، لكنهم يريدون أن تكون لديهم أشياء موثقة. إنهم يعلمون أن من يملك النفط في سوريا سينتهي به الأمر بالحصول على بطاقة تفاوض مهمة للغاية ببساطة، بسبب الاقتصاد السوري الصغير».

كما أن وجود موطئ قدم أقوى في سوريا، سيساعد موسكو كذلك في تحقيق هدفها الطويل الأمد المتمثل في إعادة تأسيس وجودها في شرق البحر المتوسط. فلطالما كانت لروسيا علاقات وثيقة مع سوريا، التي تضم قواعد جوية وبحرية روسية.

وكان قرار روسيا بالتدخل في الصراع السوري عام 2015 بمثابة علامة على عودتها إلى الشرق الأوسط، بعد أن كانت غائبة إلى حدٍّ كبير منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. ومن خلال وضع نفسها كحليف مخلص للأسد، عززت موسكو علاقاتها في المنطقة، حيث سعت الولايات المتحدة إلى التراجع.

واستخدمت روسيا الأراضي السورية كقاعدة انطلاق لدعم عمليات فاغنر في ليبيا، حيث جلبت المجموعة مرتزقة روس وسوريين للقتال لدعم الجنرال المنشق #خليفة_حفتر.

وفي حال تمكّنت روسيا من السيطرة على سوريا جنباً إلى جنب مع ليبيا، فإن ذلك سيخلق قوساً استراتيجياً يسمح لها بالتوسع في إفريقيا وفي أوروبا من جانبها الجنوبي.

ومن خلال العمل في ضوء انعدام المساءلة في بعض البلدان الأكثر هشاشة في العالم، مثل السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا، عمل المقاولون الخاصون مثل مجموعة فاغنر كجنود للتأجير، بينما كانوا يسعون في الوقت نفسه إلى صفقات مربحة في مجال الموارد الطبيعية.

وتنخرط وزارة الخزانة الأميركية في لعبة Whack-a-mole (لعبة أركيد أو لعبة ضرب الخلد كلما أطل برأسه) المستمرة، حيث سعت إلى معاقبة الكيانات المرتبطة بشبكة الشركات المترامية الأطراف والمتغيرة باستمرار للمجموعة المذكورة.

وعلى الرغم من أن “فاغنر” متورطة بشكل وثيق مع الدولة الروسية، إلا أن الكرملين ينفي منذ فترة طويلة وجود أي صلة بهذه المجموعة.

لقد باتت موسكو، التي تفوّق عليها الغرب عسكرياً واقتصادياً، تعتمد على ما يسمى بتكتيكات المنطقة الرمادية، مثل الهجمات الإلكترونية واستخدام مجموعة “فاغنر”، كإجراءات فعالة من حيث التكلفة، لتعزيز مصالحها على المسرح العالمي.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.