في ظل ارتفاع متزايد لأسعار المواد الغذائية الأساسية كان آخرها الخضار والفواكه، لم يعد أمام السوريين في مناطق سيطرة السلطات السورية الكثير من البدائل لسد احتياجاتهم الغذائية.

وذلك بسبب التردي الاقتصادي الكبير، فضلاً عن سياسات الحكومة الفاشلة لحل الأزمات المتكررة، والفساد المستشري داخل أجهزة الحكومة، إضافة إلى وجود الميليشيات التي تسيطر على طرق المواصلات وتفرض الإتاوات الكبيرة على شاحنات البضائع.

وفي نهاية شهر تموز/يوليو الفائت، أوضحت لجنة تجار ومصدري الخضار والفواكه بدمشق، أنه من المستبعد أن تنخفض أسعار الفواكه والخضروات خلال الفترة القادمة، مشيرةً إلى أن التصدير هو السبب الرئيسي لارتفاع أسعارها.

بينما قال عضو لجنة تجار ومصدري الخضار والفواكه، “أسامة قزيز” إنه «في حال كان إنتاج سوريا من الفواكه يومياً بحدود 1000 طن على سبيل المثال فإن حصة المصدرين من هذا الإنتاج ستكون 800 طن».

وأضاف في تصريحات لصحيفة (الوطن) المحلية، نهاية الشهر الفائت، أنه «هناك نحو 50 براداً (25 إلى 35 طن) محملاً بالخضار والفواكه تخرج من سوريا وبشكل يومي إلى دول الخليج عبر معبر نصيب الحدودي مع الأردن، وما بين 8 و15 براداً تخرج باتجاه العراق».

ما خيارات مواجهة ارتفاع الأسعار؟

ما تبقى لدى السوري من خيارات لأجل تعويض ارتفاع الأسعار في حاجاته الغذائية الأساسية، تتمثل في أن يلجأ إلى العمل لساعات طويلة يوميا إما بعمل واحد ويكون الدخل أعلى، أو العمل في أكثر من عمل قد تصل إلى ثلاث ورديات عمل مختلفة المجالات (موظف صباحا وبائع لدى محل ظهر وسائق تكسي ليلا) فنجده يعمل من 16-18 ساعة يوميا، وفق ما أفاد به الباحث الاقتصادي رضوان الدبس لموقع (الحل نت).

صفحات سورية على مواقع التواصل الاجتماعي، أشارت إلى أنه وبالتزامن مع ارتفاع أسعار تلك المواد، تنتشر العشرات من برادات النقل التي تحمل لوحات عبور عربية، وتقوم بنقل الخضار والفواكه إلى خارج سوريا، في دلالة تؤكد على أن سبب تلك اﻻرتفاعات بشكل رئيسي تتصل بعملية التصدير.

في حين نقلت تقارير صحفية محلية، أن مبيعات الخضار والفواكه في سوريا، تُسجل تراجعا كبيرا، نتيجة تدني القدرة الشرائية للمواطن، وارتفاع أسعارها بشكل قياسي.

وباتت قضية تكاليف الحياة اليومية للمواطن السوري وقدرته على الصمود هي الشغل الشاغل للسوريين، وذلك في ظلِّ انفلات الأسعار المترافق مع دوامة الجدل الدائر حول عدالة أسعار المواد الغذائية الأساسية في السوق ومدى ملاءمتها لدخل المواطن.

الباحث الاقتصادي “رضوان الدبس” علّق بالقول أن «التصدير موجود ولا يمكن إيقافه لحاجة الحكومة للقطع الأجنبي والعملة، والتهريب موجود لأن المهربين بالأساس تابعين لأمراء الحرب المرتبطين بالأجهزة الأمنية أو المتنفذين في الحكومة، والاحتكار موجود لأي مادة مستوردة من الخارج أو مصدرها للخارج هو من طرف أمراء الحرب أو أحد التجار الذين يعملون لصالح أو بالتعاون مع الحكومة».

موجة الارتفاع الأولى التي طالت أسعار الخضار والفواكه، جاءت مطلع تموز الفائت بعد أن رفعت الحكومة السورية الدعم عن أسعار الأسمدة الزراعية.

وأعلن المصرف الزراعي التعاوني بدمشق، آنذاك، عن وقف بيع الأسمدة الزراعية بالسعر المدعوم حكومياً للمزارعين، رغم التصريحات السابقة المؤكدة على دعم القطاع الزراعي، في مواجهة العقوبات الغربية.

وبلغت نسبة ارتفاع الأسعار 300 في المئة، حيث حدد المصرف سعر مبيع الطن الواحد من سماد السوبر فوسفات بمليون و112 ألف ليرة سورية، بعد أن كان بـ 304.8 آلاف ليرة.

اللجوء إلى الزراعة؟

رغم ادعاءات السلطات السورية باهتمامها خلال الفترة المقبلة بقطاع الزراعة من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي والتخلص من آثار التدهور الاقتصادي على حياة السوريين، إلا أن المساحات الزراعية حالياً في سوريا هي مساحات صغيرة جدا وبنيتها التحتية هشة وبحاجة إلى صيانة من قنوات الري والصرف، وصولاً إلى استصلاح الأراضي الموبوءة بمخلفات الحرب، بحسب المهندس “وائل باكير”.

وتابع «ليس هناك موارد زراعية كافية، فالزراعة تحتاج إلى بذور مهجنة، أسمدة، مبيدات، معدات تصنيع، قطع تبديل، آلات زراعية وكلها تحتاج إلى عملة صعبة للحصول عليها، لذلك لا يمكن للحكومة أن تدعم هذا الأمر و خزينتها من العملة الصعبة شبه فارغة».

بينما أشار الباحث الاقتصادي “رضوان الدبس” إلى أنه وفي حال استطاعت الحكومة السورية تأمين المواد الأولية للإنتاج الزراعي، فإن هذه المواد في بعض الأحيان أسعارها مرتفعة جداً وترهق المزارع بشكل كبير لعدم وجود القدرة المالية على ضخ أموال كثيرة في مشروع زراعي.

وتزيد تكاليف الإنتاج بشكل مضاعف أحياناً، وبالنتيجة تكون المحاصيل مرتفعة الثمن ولا يستطيع بيعها في السوق الداخلي لضعف القدرة الشرائية، وإذا رغب بتصديرها فيجب عليه أن يصدرها عن طريق الحكومة أي أمراء الحرب وتجارها، بحسب الدبس.

وتابع «من الصعوبة التوجه للزراعة  في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج، وكذلك في ظل غياب سياسة واضحة وعملية لبيع الإنتاج بأسعار معقولة بالنسبة للمواطن ومربحة للمزارع، أو تصديره للخارج بطرق آمنة وأسعار جيدة للمزارع، الأفق ضبابي جداً، وقد يندفع المزارعين الى بيع الأراضي أو تركها (بور) لسنوات  والاتجاه إلى أعمال أخرى، وهذا الأمر له انعكاس سلبي على قطاع الزراعة على المدى المتوسط والبعيد».

ترددت انتقادات في مواقع التواصل الاجتماعي، منتصف شهر تموز/يوليو بعد موجة رفع أسعار في المواد الغذائية الأساسية، رافقتها زيادة 50 بالمئة على أجور العاملين والموظفين، بينما ترفع الأجور الشهرية للموظفين المتقاعدين المدنيين والعسكريين بنسبة 40 بالمئة، حسب مرسوم تشريعي أعلنه الرئيس السوري “بشار الأسد”، في 11 من الشهر ذاته.

الخبير الاقتصادي “محمد لومان” قال في حديثه لموقع (الحل نت) بأن الحكومة السورية تعمل على إعادة ترميم الموارد الخاصة بخزينتها سعياً منه لترتيب التعامل مع الملفات الاقتصادية، لذا فإنها لن تجد مشكلة منها إعادة تقدير أسعار السلع والخدمات التي تقدمها للمواطنين.

فيما اعتبر الدبس أن «موجة الارتفاعات في الأسعار ستستمر بشكل دائم، لعدم وجود خطة فاعلة من الحكومة لحل مشكلات الاقتصاد الذي يعاني أساساً من عقوبات دولية، وخروج الكثير من الموارد عن سيطرة الحكومة».

وتزداد مشكلة الجوع في مناطق سيطرة السلطات السورية مع تواصل فقدان مداخيل العائلات الشهرية جزءاً كبيراً من قيمتها بسبب الانهيار القياسي لسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الذي يسجل حالياً نحو 3200 ليرة، بعدما كان بين 45 و50 ليرة في عام 2010.

وباتت أغلبية المواطنين في مناطق سيطرة الحكومة تعيش أوضاعاً معيشية مزرية للغاية بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار، خصوصاً المواد الغذائية، حيث ارتفعت أكثر 40 مرة، بينما لا يتعدى متوسط الراتب الشهري لموظفي القطاع العام 20 دولاراً، ولموظفي القطاع الخاص 50 دولاراً، بعدما كان راتب الموظف الحكومي قبل سنوات الحرب نحو 600 دولار.

ويعاني 12.4 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي، ويواجهون صعوبة في الحصول على وجبتهم الأساسية، بحسب بيانات برنامج الغذاء العالمي.

ويشكّل هذا العدد ما يقرب من 60 في المئة من سكان سوريا، وزاد بنسبة مذهلة بلغت 4.5 مليون شخص خلال العام الماضي وحده.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.