يسأل العراقيون أنفسهم هذه الأيام، هل نقاطع الانتخابات المقبلة والسبب، أم لا نقاطعها والسبب أيضاً؟. هذه الجدلية كانت قد ظهرت في انتخابات 2018، حين أصرّت الأحزاب المتنفذة والكيانات السياسية الحاكمة منذ عام 2005 على التصدي للانتخابات لوحدها، دون إفساح المجال للطامحين الجدد بالمشاركة على صعيد الترشح أو تأسيس كيانات مدنية حديثة، تؤمن بتطوير العمل السياسي وطرد المتهمين بالفساد.

كان للناخبين في العراق مبررات مفهومة لمقاطعة الانتخابات السابقة، وكانت نتيجتها، حكومة عادل عبدالمهدي التي أسماها العراقيون “حكومة الصناديق المحترقة”، وفيما بعد سُميت بحكومة “القنّاصة”، نظراً للقمع الذي تعرّض له المحتجون في بغداد في أول أيام “انتفاضة تشرين” عبر “قنّاصة” توزعوا على أسطح الأبنية العالية القريبة من ساحة التحرير ببغداد.

لكن المقاطعة الحالية، التي يجتهد ناشطون للتأكيد على أهميتها، حديثة ولم تكن لها أي مبررات، لولا الانسحاب الأخير للقوى السياسية التي أفرزتها “انتفاضة تشرين” من سباق الانتخابات عقب حادثة اغتيال الناشط إيهاب الوزني، الذي قُتِل بنفس طريقة “ريهام يعقوب وهشام الهاشمي وأحمد عبدالصمد وفاهم الطائي” وآخرين.

يُفكر الذين قاتلوا وقُتلوا من أجل الانتخابات المبكرة النزيهة، والذين آمنوا بالكيانات التشرينية، أن انسحاب التشرينيين من سباق الانتخابات، سيُفقد الأخيرة شرعيتها الشعبية والدولية، كون العالم كله ينظر إلى العراق، كما تقول جينين بلاسخارت.

لكن واقعياً، تبدو الكيانات التقليدية فرحة بخيار التشرينيين الجديد، كون الساحة الانتخابية باتت لا تحوي إلا الموالين لها، وأن هذا سيُسهّل من عملية التنافس، وسيعود مرة أخرى إلى التقليديين أنفسهم، بدلاً من التقليديين والتشرينيين.

التقليديون يريدون أن تتوجه جماهيرهم لوحدهم دون أي جماهيرٍ أخرى تتبع غيرهم أو منافسين لهم في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، إلى صناديق الاقتراع، كي تكون النتيجة محسومة بينهم لوحدهم. هذه أمنية الصدريين والحكيميين والدُعاة وجماعة الحلبوسي والخنجر وغيرهم.

ويبدو أن التشرينيين لم يدركوا هذا الأمر بعد، أو ربما يدركونه، حيث لا خيار آخر مع استمرار استهداف الناشطين وانفلات السلاح. لكن العدول عن هذا الخيار وعودة التشرينيين إلى السباق، وإنهاء خيار المقاطعة الشعبية سيُسهم بالحل؟.

في نفس الوقت الذي تتمنى فيه أحزاب السلطة أن تبقى تتسابق لوحدها دون أي دور للتشرينيين، تطمح ذات الأحزاب إلى توريط ناشطي تشرين بالانتخابات وتمكينهم للحصول على عددٍ قليل من مقاعد برلمانية، وهذه النتيجة تُسفر عن حصولهم على مناصب حكومية في الوزارات والهيئات، وفقاً لمبدأ المحاصصة المعمول به في البلاد.

بذلك، تكون الأحزاب قد ربحت مرتين، عبر إنهاء الاحتجاجات وحصول التشرينيين على ما يناسبهم من مقاعد وفقاً للتصويت الجماهيري، والثاني من خلال إشراكهم بطريقة أو بأخرى في حفلة الفساد والفشل على مستوى القرارات “التشريعية والتنفيذية” في المستقبل.

هذه فكرة أحزاب السلطة حالياً، وهي طريقة ماكرة لطمر “تشرين” وإخفاء المطالبات الوطنية لها بالوطن الحر، والتحقيق بملفات مهمة مثل الكشف عن قتلة المتظاهرين وحصر السلاح بيد الدولة.

لقد بلغت أحزاب السلطة في العراق، مرحلة متقدمة من المكر السياسي والتوغل في دماء الناشطين، كما أنها تمتلك الخطة “دائماً” لأي قرار يُتخذ سواءً على مستوى أعضائها أو على صعيد المنافسين لها والمناهضين لوجودها أيضاً. ويتضح هنا أن خيار مقاطعة الانتخابات لن يؤدي غرضه، كما لا يبدو أن خيار المشاركة في الانتخابات يؤدي غرضه أيضاً.

ويفيد معظم الخبراء بالقانون العراقي، أن خيار المقاطعة الشعبية للانتخابات لا يعني فقدان هذه الانتخابات شرعيتها القانونية، طالما أن هناك من ينتخب من العراقيين سواءً من جماهير الأحزاب أو غيرهم.

وبحسب الإفادات القانونية أيضاً، فإن البرلمان سيتشكل حتى لو أن 10 بالمائة من الشعب العراقي صوّت في الانتخابات، و90 بالمائة قاطعوا. بهذه الحالة يمكن الاعتراف أن “تشرين” لا تزال تحبو، ولا خيار غير العودة للساحات والميادين.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.