أصبحت الجغرافية السورية المقسمة أمراً واقعاً، تتجاذبها جهات دولية وإقليمية وصراعات محلية.

فضمن هذه البقعة الجغرافية تتنوع المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، من أبرزها القمح الذي يشهد عليه طلباً كبيراً من الأطراف السورية كافة، وبخاصة بعد خروج مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية من العملية الإنتاجية، نتيجة الحرب في سوريا منذ 2011.

قبل عام 2011، كانت سوريا تنتج نحو أربعة ملايين طن من القمح، لكن الإنتاج تراجع كثيراً في السنوات الخمس الماضية، وتراوح ما بين مليون طن، ومليون ونصف المليون طن سنوياً، وفق إحصاءات رسمية لوزارة الزراعة السورية.

في حين، تحتاج المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية إلى مليوني طن من القمح سنوياً لتأمين حاجتها من الخبز فقط، عدا عن المناطق غير الخاضعة لسيطرتها في شمال غربي سوريا ومناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

عام القمح ولكن!؟

بدايةً أبدى المزارعون السوريون تفاؤلاً بمحصول وفير من القمح هذا الموسم بعد سنوات عجاف، مرت على سوريا.

وأعلنت وزارة الزراعة في الحكومة السورية أن الموسم الزراعي 2020-2021 هو عام القمح، وأبدت تفاؤلاً من المساحات المزروعة من القمح لهذا الموسم.

وبلغت نسبة المساحات المزروعة هذا العام 93% من الخطة المقدرة زراعتها، البالغة 1550865 هكتاراً حيث تم زراعة 1436767 هكتاراً منها، بحسب الوزارة.

وأوضح أحد المهندسين في قسم الإنتاج النباتي بوزارة الزراعة لموقع (للحل نت)، فضل عدم ذكر اسمه، أنه «تم تنفيذ نحو 94 % من خطة زراعة القمح المروي، و50% للقمح البعل، التي تراجعت خاصة في المناطق الشمالية الشرقية نتيجة انحباس  الأمطار».

وتبدو المعطيات الحالية والمتوفرة مع بداية تسليم  إنتاج القمح من المزارعين لمراكز للمؤسسة العامة السورية للحبوب التابعة للحكومة السورية غير مشجعة، ولا تعكس  ما أعلن عنه سابقاً وزير الزراعة السوري “حسان قطنا” بأن يكون عام 2021 عامًا للقمح.

حيث أثرت الظروف المناخية وانخفاض كميات الأمطار سلباً على المساحات المزروعة من القمح البعل، وتوقع “قطنا” أن يصل إنتاج القمح البعل إلى 1200 مليون طن.

إلّا أن الإنتاج الفعلي قد لا يتجاوز 300 ألف طن، والمساحات الباقية سيكون إنتاجها “متدنيًا” عن الإنتاج المخطط، وهذا مؤشر واضح على وجود فجوة كبيرة ما بين الإنتاج والاستهلاك من مادة القمح في مناطق الحكومة السورية.

وحاولت الحكومة السورية ترغيب المزارعين بتسليم محصولهم للمراكز التابعة للحكومة، بعد أن حددت  سعر شراء القمح بـ 800 ليرة سورية، بالإضافة إلى مبلغ 100 ليرة سورية “مكافأة تسليم”، ليصبح الدعم على السعر النهائي 900 ليرة سورية.

محصول القمح في مناطق الإدارة الذاتية

بينما شهدت مناطق الإدارة الذاتية الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وتمتدّ منطقتها الجغرافية من شمالي وشرقي سوريا وتشمل أجزاء من محافظات الحسكة، الرقة، حلب ودير الزور، تراجعاً كبيراً في الإنتاج الزراعي بعد 2011.

وكانت سابقاً، تساهم في إنتاج محصول القمح بنسبة تفوق 60 في المئة من إجمالي الناتج المحلي السوري.

وفي ظل الأوضاع الحالية للموسم الزراعي، فإن المعطيات على الأرض غير مشجعة على الإطلاق، وبخاصة بعد سيطرة الجفاف على هذه المناطق، وخروج مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة من القمح البعل من العملية الإنتاجية، ووصلت مساحة الأراضي المزروعة بمحصول القمح في إقليم الجزيرة إلى مليون و50 دونماً.

وأبدى العديد من المزارعين في مناطق الإدارة الزراعية، تشاؤما من هذا الموسم وأكدوا أن خسائرهم ستكون كبيرة ، لأن المعطيات الأولية للإنتاج غير مشجعة.

وقال المزارع “عبد الله خلف” من الرقة  لموقع (الحل نت) «زرعت 70 دونماً من القمح البعل، على أمل أن يكون الموسم الزراعي جيداً، وخصوصاً أن الأمطار كانت في بداية الموسم جيدة، ولكن مع انحباس كميات الأمطار في مناطق الرقة تراجع المحصول كثيراً، ومن المتوقع أن لا يصل إنتاج الدونم الواحد أكثر من 500 كيلو، وهذا لا يغطي كلفة زراعة القمح».

وفي هذا الصدد توقع الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد لشمال وشرق سوريا “سلمان بارودو” في تصريح لوكالة (نورث برس) أن وضع الموسم الزراعي لهذا العام سيء جداً، لأن معظم المساحات المزروعة بعلية وتأثرت بقلة هطول الأمطار.

وتبلغ مساحات الزراعات البعلية من القمح والشعير في شمالي وشرقي سوريا نحو 800 ألف هكتار، بينما لا تصل المساحات المروية إلى 300 ألف هكتار، وتوقع “بارودو” أن يصل إنتاج شمالي وشرقي سوريا من القمح في هذا العام إلى نحو 500  ألف طن فقط بالمقابل بلغت كمية إنتاج القمح في مناطق الإدارة الذاتية العام 2020 نحو 850 ألف طن.

وسعرت   لجان الزراعة والإحصاء في الإدارة الذاتية أسعار استلام القمح من المزارعين للموسم الحالي بشراء كيلو القمح هذا العام بمبلغ 1150 ليرة.

بينما حددت شركة تطوير المجتمع الزراعي في ديريك بالإدارة الذاتية مراكز تسليم القمح  من مركز  (ديريك وگر زيارات) ومركز (بروچ) بالإضافة إلى مركز (تل علو) لاستلام محصول القمح من الفلاحين.

واقع محصول القمح في الشمال الغربي السوري

تتنوع المنتجات الزراعية في الشمال الغربي السوري، وتتركز المساحات المزروعة على زراعة المحاصيل الحقلية من القمح والشعير والعدس والكمون وحبة البركة وغيرها.

علاوةً على ذلك وجود مساحات لا بأس بها من الأراضي للأشجار المثمرة، كالزيتون والفستق الحلبي والتين والرمان.

إلا أن الكثير من المساحات الزراعية التي خرجت من العملية الإنتاجية في الشمال السوري منذ نيسان عام 2019 بعد تقدم الحكومة السورية على حساب المعارضة.

العملية العسكرية هددت الأمن الغذائي في مناطق الشمال السوري، وبخاصة من جهة زراعة المحاصيل الاستراتيجية كالشعير والقمح الذي تراجعت مساحات زراعته.

وفي تصريح صحفي لمدير  مؤسسة الحبوب في الحكومة المؤقتة المعارضة “حسان المحمد” أن زراعة محصول القمح بالمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بلغت أكثر من 90 بالمائة بعد زراعة 100 ألف هكتار بالقمح.

مزارعو ريف إدلب: غياب الدعم وموسم القمح غير مبشر

بالمقابل اعتبر مزارعون في محافظة إدلب والمناطق المجاورة أن الموسم الحالي للقمح غير مبشر، نتيجة الظروف المناخية وانحسار هطول الأمطار التي ساهمت في تدني محصول القمح البعل، وانخفاضه إلى النصف.

وأوضح المزارعون لموقع (الحل نت) أنه «لا يوجد أي بيانات رسمية في المنطقة التي تحدد كمية الإنتاج من الأراضي المزروعة بالقمح مروياً كان أم بعلاً، كما لم تعلن الحكومة المؤقتة عن السعر الرسمي للقمح حتى الآن».

وقال المزارع “أحمد الباشا” من منطقة بنش في ريف إدلب إن «50% من المزارعين يعتمدون على تركيب ألواح الطاقة الشمسية لسقاية زراعتهم، رغم الكلفة العالية التي يتكبدها المزارع وتتراوح بين 1000 دولار و3000 دولار وحسب مساحة الأرض».

وأضاف الباشا لموقع (الحل نت) أن «محصول القمح هذا الموسم غير مشجع، بسبب انخفاض كميات الأمطار ، ويبلغ تكلفة   كيلو القمح البعل 2.5 ليرة تركي والمروي فوق 4 ليرات تركي إذا كان يسقى على المازوت».

وأكد أن «مراكز التسليم في المنطقة غير متوفرة وأحياناً يسلم الإنتاج للمستودعات في معرة مصرين،وأغلب الأحيان يأخذونه التجار ببنش من أجل مادة الخبز، كما هناك تجار يشترون القمح ويهربونه باتجاه مناطق الحكومة السورية بعد أن دفع عمولة للحواجز».

ونفى الباشا وجود أي دعم تقدمه “الحكومة المؤقتة” للمزارعين في مناطقهم سوى مرة واحدة أرسلت الحكومة المؤقتة شوالات لمحاصيل القمح والشعير وبيعت بسعر رمزي، موضحاً أن سعر القمح لم يتضح ومن المتوقع أن يبلغ سعر الطن الواحد من القمح ما بين 300-350  دولار.

من جانبه، أكد المزارع “أبو اصطيف سماق” من محافظة إدلب أنه حاول زراعة القمح هذا العام ولكن لم يتسنى له لعدم استطاعته تحمل كلفة سقايته، لافتاً إلى أن غالبية المزارعين هذا العام، باعت محصولها من القمح المروي لصناعة الفريكة للحصول على سعر أفضل، فالموسم لهذا العام لا يحقق تكلفة حصاده.

وأشار سماق إلى أنه حاول أكثر من مرة تسليم إنتاجه في السنوات السابقة لمراكز الحبوب، ولكن لم يستطع فالأمر يحتاج إلى واسطة، على حد تعبيره نافياً وجود أي مساعدات في مناطقهم للمزارعين مشبها المزارع بالمدن المنسية.

كما لم يعلن عن  تسعيرة القمح ، بينما الأراضي البعلية لا يوجد فيها أي إنتاج ذو قيمة.

أما المزارع “سامر الصوص” فأشار إلى أن كلفة دونم القمح مع ضمان أرضه بحدود 110 دولار إذا كان مرويا وينتج حوالي 600 كغ في الطن الواحد، بينما الأراضي البعلية لا يتجاوز انتاج الدونم 350 كغ.

وأوضح أن الكثير من المزارعين هذا العام اتجهوا إلى زراعة كميات كبيرة للحبة السوداء والكمون، رغم المخاطر التي أصابت هذه المحاصيل من انتشار الأمراض التي ساهمت في القضاء على الموسم كاملاً لدى الكثير من المزارعين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.