تزويج القاصرات في العراق: لماذا تفشل القوانين في حماية الفتيات من العنف والانتهاكات الاجتماعية؟

تزويج القاصرات في العراق: لماذا تفشل القوانين في حماية الفتيات من العنف والانتهاكات الاجتماعية؟

توقع كثير من المراقبين أن تقلّ نسب زواج القاصرات بالإكراه في العراق، بعد التحول الديمقراطي في البلاد، وظهور المنظمات المجتمعية والنسوية، التي تدافع عن حقوق النساء، لكن واقع الحال يشير إلى أن هذه الظاهرة تزايدت مؤخراً، وكثيرٌ من أولياء الأمور استخدموا وسائل غير شرعية، لإجبار الفتيات القاصرات على الزواج.

الزواج بالإكراه يعدّ من أهم أسباب ارتفاع نسب الطلاق، وهو ما بدا واضحاً في سجلات المحاكم العراقية، التي وثّقت آلاف حالات الطلاق، لأزواج تتراوح أعمارهم  بين خمسة عشر وثمانية عشر عاماً. فضلاً عن حالات الانتحار العديدة، التي تمتلئ بها سجلات الشرطة والطب الشرعي.

يُعرّف لزواج بالإكراه، أو الزواج القسري، بأنه  أحد أشكال الزواج، الذي يتم على الرغم من رفض أحد أو كلا الطرفين له، ويتم إبرام القِرَان بالإكراه المادي أو المعنوي.

 

الخوف من الفقر والانتهاك

لم تكمل “شهد” السنة الثامنة عشرة من عمرها عندما أجبرها والدها على الزواج من صديقه الثري، «لم يسألني والدي عن رأي، إنما أبلغ أمي بأني سأتزوج صديقه مقابل سيارة، وتنازل العريس عن ديونه المستحقة علينا»، تقول “شهد” بكثير من الأسى.

وتضيف في حديثها لموقع «الحل نت»: «كنت أحب دراستي، وأحلم بفارس أحلام مثل بقية البنات، ولكن والدي قضى على كل أحلامي. حاولت الهرب، ولكن لم أستطع بسبب الخوف. حاولت الانتحار مرتين ولم أنجح، لذلك طلبت الطلاق بعد وفاة والدي، وعدت إلى منزل أهلي».

بدورها تروي “سارة”، ذات الستة عشر ربيعاً، حكاية أكثر قسوة لموقع «الحل نت»: «لم يتحمّل والداي مسؤوليتي ونحن في مخيمات النزوح، كانا يخشيان عليّ من الاغتصاب من قبل عناصر تنظيم #داعش، الذي كان لا يزال ناشطاً في المنطقة».

وتتابع: «تزوجت وأنا في عمر الثالثة عشر، ولم يكن أبي يفكر بتزوجي قبل أن نضطر للنزوح، عقب خسارتنا لكل ما نملك. زوجي كان يبلغ من العمر آنذاك اثنين وثلاثين عاماً، ولأني لم أكن قد وصلت إلى سن الزواج القانوني، اضطر والدي إلى القبول بعقد القران عبر رجل دين، دون ضمانات تذكر».

 

جهل بالنتائج

“أميرة الجابر”، الإعلامية والناشطة المدنية، تعدّ زواج القاصرات أو الزواج بالإكراه «ظاهرة متجذّرة في المجتمع العراقي، على الرغم من تطوره وتنوّعه الثقافي. وتكثر هذه الظاهرة في المناطق الريفية، حيث تجبر الفتيات على الزواج من أولاد العم أو صديق الأخ، في حال كان الأخ هو المعيل وصاحب القرار».

“الجابر” أضافت في حديثها لموقع «الحل نت»: «كثير من أهالي المحافظات الجنوبية ما يزال يجبر بناته على الزواج في سن مبكرة، خوفاً من الحوادث المجتمعية، فضلاً عن العادات والتقاليد والأعراف العشائرية. ولكنّ من يفعلون ذلك يجهلون النتائج، التي يولّدها إجبار الفتيات على الزواج، مثل الانتحار والطلاق، بل حتى الهروب واللجوء إلى طرق غير شرعية للحصول على مصدر رزق».

“ياسر اسماعيل”، رئيس “منظمة نايا”، المختصة بالشأن الاجتماعي والعنف الأسري، يرى بدوره أن «للجهل والعادات العشائرية، وتردي الوضع المادي لدى بعض العوائل، دور كبير في استمرار تزويج القاصرات بالإكراه، حتى في ظل التطور الحضاري والتكنولوجي».

و يوضح “اسماعيل” دور الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في الحد من هذه الظاهرة بالقول: «يجب على كل المؤسسات المجتمعية والإعلامية المطالبة بإيجاد آليات وقوانين، للحد من زواج القاصرات، والعمل على توعية الأهالي من مخاطر تزويج بناتهم القصّر، من خلال الندوات والحوارات والبرامج التوعوية».

 

خصوصية الحالة العراقية

الباحثة الاجتماعية “الهام العبيدي”، تشير، في حديثها لـ«الحل نت»، إلى أن «زواج القصّر ظاهرة الاجتماعية لها أسباب يشترك فيها المجتمع العراقي مع المجتمعات العربية، وأخرى يتفرّد بها، فالعراق عاش حروباً استمرت لثلاث وثلاثين سنة؛ تبعتها حربٌ طائفية، استمرت لسنتين؛ وتفجيرات إرهابية؛ وميلشيات خارجة عن سلطة القانون؛ فضلاً عن حصار اقتصادي استمر ثلاثة عشر عاماً، ما أدى إلى تضرر ملايين العراقيين، بين قتيل ومفقود ومعوّق ومهاجر، تركوا وراءهم بنات قاصرات بلا معيل، مما اضطر عديداً من الأسر العراقية إلى حرمان بناتهن من الدراسة، وإجبارهن على العمل أو الخدمة في البيوت، أو تزويجهن لرجل ميسور الحال، للاستفادة المادية من المهر».

وتبيّن “العبيدي” أن «الأضرار الطبية والنفسية والاجتماعية، التي تنتج من هذه الزيجات، لا تقتصر فقط  كون الطفلات غير مكتملات النضج البيولوجي والنفسي، بل غالباً ما ينتهي الزواج بالطلاق، لعدم إدراك القاصر مسؤوليات تكوين أسرة. واللافت أن كثيراً من جرائم الشرف، التي تُرتكب في العراق، كانت بحق قاصرات، أرغمن على الزواج، ثم هربن من منازل أزواجهن».

 

ضعف الآليات القانونية

بالنسبة للقانون العراقي الزواج بالاكراه جريمة، يُعاقب عليها بالحبس لمدة ست سنوات.

الحقوقي “محمد المياحي” يقول لـ«الحل نت»: «من يجبر ابنته او اخته على الزواج يُحاسب بشدة، ولكن المشكلة ليست في قانون الأحوال الشخصية، وإنما في آليات تطبيقه، التي لا تضمن سلامة وحقوق من تشتكي على والديها، أو من أجبرها على الزواج».

“المياحي” يضيف أن «المحاكم تصدر عادةً، بعد الشكوى، مذكرة بإلقاء القبض على الجناة، ولكنها لا تصدر أي أوامر بحماية القاصرات، اللواتي تقدمن بالشكوى، ما جعل كثيراً من الفتيات يحجمن عن اللجوء إلى القانون، ولذلك يجب أن يكون هناك قانون يحمي النساء من العنف وكل أشكال الاضطهاد».

ويختتم الحقوقي العراقي حديثه بالقول: «معالجة هذه الظاهرة تتطلب إحداث تغييرات في قانون الأحوال الشخصية، لا تبيح للقاضي تزويج القاصر، فضلاً عن منع الزواج خارج المحاكم الرسمية، أو المكاتب الشرعية المجازة، التي تتمتع بسمعة طيبة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.