مع ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء بشكل غير مسبوق، وبالتزامن مع أزمة المناخ التي يوجهها العالم، تحدث تقرير تحليلي صدر أول أمس الخميس، عن تلك الأوضاع هيئة الأجواء المثالية لوقوع اضطرابات مدنية في أكثر من 100دولة، بينها العراق ولبنان.

التقرير الذي أصدرته شركة تحليل المخاطر “Verisk Maplecroft”، حذر من ازدياد حجم الاضطرابات السياسية خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، إذ تعاني أكثر من 80 بالمئة من بلدان العالم من ارتفاع حجم التضخم عن 6 بالمئة واحتمال استخدام تدابير قمعية لإخماد المعارضة.

والبلدان الأكثر عرضة لتلك المخاطر من غيرها، هي بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ إن ثلاثة، من أكثر عشر دولة مهددة، تقع في هذه المنطقة، حسب التقرير، الذي نقله موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، وتابعه موقع “الحل نت”.

يشار إلى أن، مصر ولبنان وتونس بالفعل في خضم أزمة اقتصادية وسياسية قبل الصدمة الأخيرة التي نتجت عن الهجوم الروسي على أوكرانيا في شباط من هذا العام.

لكن الضرر لن يكون متساويا في منطقة الشرق الأوسط، وفقا لتصريحات أدلى بها لتوربيورن سولتفيدت، المحلل الرئيسي في الشركة صاحبة التقرير، لـ “ميدل إيست آي”، كما قسم المنطقة إلى ثلاث فئات مهددة.

سولتفيدت أشار إلى، من بين الفات الثلاثة، أن لبنان وتركيا وإيران هي الدول الأكثر هشاشة، كما أنها بالفعل تقع في منطقة تضخم مفرط”، مضيفا أن “الأردن وتونس والجزائر ومصر والعراق والمغرب في الفئة المتوسطة؛ حيث تزيد معدلات البطالة والتضخم المرتفعة من خطر وقوع اضطرابات مدنية”.

اقرأ/ي أيضا: 95 بالمئة من نازحي العراق عادوا لديارهم

إسرائيل والخليج خارج الدائرة

كما لفت إلى أن “دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل فقط هي التي تبدو مجهزة جيدا لتخفيف الضغط الاجتماعي والاقتصادي المتزايد”، هذا واستفادت دول مجلس التعاون، التي تعتمد على صادرات النفط والغاز مصدرا رئيسيا للدخل، من الارتفاع القياسي في أسعار الطاقة.

كذلك إسرائيل التي تتمتع باقتصاد أكثر تنوعا، استفادت هي الأخرى أيضا من ارتفاع أسعار الطاقة، بعد زيادة صادراتها من الغاز إلى أوروبا بدرجة كبيرة، في حين أكد سولتفيدت أن “الحكومات التي لا يمكنها الخروج من الأزمة.. سيكون القمع بالقوة طريقتها الرئيسية في الرد على هذه الاضطرابات المتزايدة”.

وأردف أن “استخدام القوة لقمع الاحتجاجات المتصاعدة يهدد بتفاقم أزمة شرعية قائمة”، وأشار إلى أن “كثير من بلدان المنطقة تشترك في أنها لم تعتمد آليات فعالة لتوجيه السخط الشعبي، في وقت يتزايد فيه الاستياء من الوضع الاقتصادي والسياسي الراهن”.

بدوره، هاميش كينير، محلل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الشركة ذاتها، لفت إلى أن “تونس التي تعتبر على نطاق واسع بؤرة الربيع العربي، هي أكثر عرضة لمخاطر الاضطرابات المدنية”.

وقال كينير: “الفوضى السياسية في تونس تعرقل الجهود المبذولة لتأمين المساعدة الاقتصادية من المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي، رغم أن أي صفقة مع صندوق النقد الدولي ستتطلب، على الأرجح، إجراءات تقشفية تفاقم الاضطرابات المدنية”.

بالمقابل، أن مصر أكثر استقرارا- نسبيا- فهي تعاني من مشكلات اقتصادية مماثلة، على حد قول كينير، الذي أضاف أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يمكنه أيضا حشد الدعم المالي الخارجي بشكل أسرع، لا سيما من دول الخليج الصديقة.

اقرأ/ي أيضا:  ما احتمالية استغلال “داعش” للأزمة السياسية في العراق؟

القمع حاضرا

على صعيد آخر، أشار كينير إلى أنه “رغم استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة في المنطقة، فإنه يزيد من فرص الاضطرابات السياسية، لكن وقوع اضطرابات بحجم اضطرابات الربيع العربي مستبعد، إذ إن معظم الحكومات لا تجد غضاضة في اللجوء إلى الإجراءات القمعية لمنع تنامي الاضطرابات المدنية إلى نطاق لا يمكن السيطرة عليه”.

جدير بالذكر، أن مؤشر أسعار الغذاء الخاص بالأمم المتحدة سجل يوم أمس الجمعة، انخفاضا للشهر الخامس على التوالي، في إشارة إلى أن أحد الضغوط الرئيسية، التي تؤدي إلى ارتفاع التكلفة المعيشية، في جميع أنحاء العالم يمكن أن تخف.

وانخفض المؤشر إلى 138 في آب/أغسطس وهو الآن أقل مما كان عليه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، وكان كلا البلدين مصدرين رئيسيين للمحاصيل، بما في ذلك زيت دوار الشمس والذرة والقمح.

وتقول منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) إن اتفاق تموز/يوليو الذي دعمته الأمم المتحدة لإعادة فتح الموانئ الأوكرانية أدى إلى خفض أسعار الحبوب والزيوت النباتية، ويعني ذلك أن المزيد من الإمدادات تمكنت من الوصول إلى الأسواق الدولية.

كانت الحبوب “المحرك الرئيسي” لنمو أسعار المواد الغذائية هذا العام، لكن حاليا “الأسعار انخفضت لمجموعة من الأسباب المختلفة”، بحسب إيرين كوليير، من منظمة الأغذية والزراعة، وأوضحت أن الإمدادات تتزايد الآن، لأن الحصاد يبدو أفضل قليلا، خاصة في كندا والولايات المتحدة وروسيا”، والبلدان الثلاث المذكورة هي من كبار المصدرين للقمح.

وأضافت كوليير أنه بالنسبة للفئات الغذائية الأخرى، “ساعد تخفيف قيود التصدير على خفض أسعار السكر والنفط، كما ساعد ضعف الطلب على منتجات معينة في خفض أسعار اللحوم والألبان”.

ويعني تخفيض إندونيسيا المؤقت لضرائب التصدير على زيت النخيل، أن مصنعي المواد الغذائية لديهم خيارات أكثر للزيوت النباتية التي يستخدمونها بكميات ضخمة.

أسباب ارتفاع أسعار الغذاء

تراجع مؤشر الفاو بشكل حاد عن أعلى مستوى سجله في آذار/مارس عند 159.7 لكنه لا يزال أعلى بعشر نقاط مما كان عليه قبل عام.

وكانت أسعار المواد الغذائية وزيوت الطعام قد ارتفعت في العالم إلى أعلى مستوياتها منذ 14 عاما، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وذلك بسبب تعطل إيصال المواد الغذائية إلى العالم، لا سيما منها الحبوب.

وتحتل صادرات الحبوب الأوكرانية المرتبة السادسة عالميا بنسبة 11 بالمئة، وزيوت الطعام التي تمثل صادراتها نسبة 55 بالمئة من أصل 80 بالمئة من صادرات روسيا وأوكرانيا للزيوت في السوق العالمية.

كما أن الزراعة في أوكرانيا تحتل المرتبة الثانية من حيث الأهمية بالنسبة للاقتصاد بعد الصناعة، حيث تشغل الأراضي الزراعية 71.3 بالمئة تقريبا من أصل مساحة أوكرانيا الكلية البالغة نحو 604 آلاف كيلومتر مربع.

وكانت أوكرانيا مصدر 7 بالمئة من حاجة السوق العالمية من الأسماك، لكن هذه النسبة تراجعت بعد احتلال شبه جزيرة القرم على البحر الأسود سنة 2014.

وتصدر أوكرانيا نحو 450 ألف طن من اللحوم سنويا، فيما يبلغ متوسط صادراتها من الحبوب تحديدا -كونها الأكبر والأبرز- فتبلغ نحو 50 مليون طن سنويا.

وأثرت الحرب بين روسيا وأوكرانيا بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي، لا سيما وأن البلدين من أكبر منتجي المحصولين الاستراتيجيين الذرة والقمح، فضلا عن الزيوت النباتية.

وكانت تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، قد تسبب بإرباك للسوق الغذائية، لما تساهم به روسيا وأوكرانيا بنحو 30 بالمئة من إجمالي الصادرات العالمية من القمح، فيما يصدر البلدان نحو 20 بالمئة من إجمالي صادرات الذرة، ونحو 80 بالمئة من صادرات زيت داور الشمس.

اقرأ/ي أيضا: لبنان مهدد بالانقطاع عن العالم.. ما القصة؟

عوامل تراجع أسعار الغذاء

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة