الصراع هنا صراع على الملكية، ملكية الرجل من قبل المرأة، الصراع الذي يبدو في ظاهره بين سلطتين متحكمتين بمجاري الأمور، إلا أنه في العمق صراع على الخضوع، من التي يمكنها أن تحقق صفات المرأة الحنونة القادرة على تحقيق مطالب الرجل وحاجاته الحياتية بشكلٍ أكبر، والتي يحتاجها في كل تحركاته ومشاريعه، إذ يُعتبر الخلاف بين الأم وزوجة ابنها خلافاً إنسانياً يشترك به البشر في العالم وقديم قدم تشكل العلاقة الزوجية الأحادية، وأحياناً تكون نتائجه سيئة وتؤدي لفشل العلاقات الزوجية وانتهائها، فما هي دوافعه وأسبابه؟

الصراع من وجهة نظر الزوجة

«أعتقد أن الأم لا تستطيع تفهم حياة زوجة الابن ولا تعطيها ذلك الحق بأن تمارس خصوصيتها، يعيش أهل زوجي بقربنا، غالباً ما تتعامل والدة زوجي مع حياتي وكأنها امتداد لحياتها، لا أمتلك خصوصية أو قدرة على اتخاذ القرار في كثير من الأمور، أتفهم ذلك في بعض الأحيان، إلا أن هناك أشياء لا يمكن لأحد أن يشاركك فيها كزوجة، وهذا متعب ومدمر للعلاقة الزوجية».

“رغد زيد” (اسم مستعار)، تبلغ من العمر ستة وثلاثين عاماً، لديها طفلان وتعيش في بيت مجاور لعائلة زوجها، تصف علاقتها بوالدة زوجها بأنها «معقدة» وتتابع لـ(الحل نت): «لا تحدث مشاجرات بيننا، لكن تبقى تلك الاستفزازت موجودة دائماً، والتي تؤدي لمشاعر غير صحية، لا أستطيع أن أمارس حريتي بشكلٍ مطلق في ملبسي وتربيتي لأبنائي وحتى بعلاقتي مع أصدقائي، أحاول تفهم فارق العمر، لكن لا يمكنني تجاهل الأمر بالكامل».

في هذه العلاقة، كل طرف يحاول بأقصى ما يملك أن يكون هو المحق، فالأم لديها وجهة نظر لا يمكن لزوجة الابن أن تفهمها والعكس صحيح، امرأتان تقفان كل على طرف، فيما يكون الرجل في المنتصف يحاول أن يوفق بين رؤيتين لا وفاق بينهما، تعقيد العلاقة هنا بسبب الالتباس بفهم من المسيطر، الرجل أم إحدى المرأتين؟

تشارك “سهى العلي” (اسم مستعار)، “رغد” بالرأي، وهي المتزوجة منذ ما يقارب الخمس سنوات ولديها طفلة، تعيش مع عائلة زوجها، وتقول لـ(الحل نت): «لا تفسح والدة زوجي المجال لي لأشعر باستقلالي أو وجودي، أي حدث سيء يحدث معي وزوجي وابنتي ينسب لي فيما تبالغ في نَسْب النجاحات لابنها، لا يمكنها أن تفهم أنني أرغب بتربية ابنتي كما أراه مناسباً، لا تكتفي بأنها قامت بتربية أبنائها، بل إنها لا تفسح لي المجال لأجرب ذلك بنفسي».

تختلف تلك العلاقة من حالةٍ لأخرى، وذلك يرجع للوعي الذي يمتلكه الطرفان، بالإضافة لعمر الزوجة، فكلما كانت أصغر سيكون وقع الانتقادات عليها أكثر تأثيراً، وبالتالي سيؤدي إلى رد فعل ومشاجرات قد تصبح عائقاً في العلاقة الزوجية، تتابع “سهى”: «أنا غالباً ما أشعر بالنقص بوجود والدة زوجي، لكثرة انتقادها لي ولتصرفاتي، أحاول استيعاب أنها تعبت في تربية زوجي وتشعر بالحق بحمايته والاهتمام به، لكنها تلغي بذلك وجودي تماماً، وهذا مؤذٍ بشكلٍ كبير، لا أنكر أهمية وجود الجد والجدة في حياة الأطفال، فهم يتعلمون تفاصيلاً جميلة منهم، لكنني أفضل أن أفصل حياتي عن حياتهم، لأحظى بتجربتي الخاصة في التربية».

الأم وأسبابها

تُرجّع الدراسات النفسية أصول ذلك الخلاف إلى الغيرة التي تشعر بها الأم حيال ابنها، والذي تعبت بتربيته والاهتمام به لأكثر من عشرين عاماً، تمتلك الأم بالإضافة لشعورها بالأمومة والعاطفة شعوراً باستحقاق ملكية ابنها، فهو لها من رحمها، وتعرفه بكامل مراحل حياته وتحولاته ضعفه وقوته، كيف لامرأة أخرى أن تأتي وتحل محلها، أن تصبح موضع اهتمامه وحبه، أن تكون ملجأه وهي لا تزال على قيد الحياة، زواج الابن يشكل لدى بعض النساء انتزاعاً لجزء من وجدانهن يتشكل على أثره رد فعل بالرفض والبحث عن النقائص بشخص الزوجة.

“إلهام رشيد” (اسم مستعار)، سيدة في الخمسين من عمرها، تصف علاقتها بزوجة ابنها وتقول: «لا أكرهها، هي زوجة ولدي، لكني لا أستطيع تفهم اللا مسؤولية تجاه بيتها وعائلتها، معظم فتيات هذا الجيل يقضين وقتهنَّ مع الأصدقاء وفي التسلية، وينسين منازلهنَّ وحاجات أزواجهن، لا يمكنني أن أتقبل التغيير الذي أصاب عادات ولدي وسلوكياته».

تنقلب العلاقة إلى حالة من العداء المبطن عند أول خلاف في الرأي بين الأم وزوجة ولدها فتصبح جميع سلوكيات الزوجة غير مقبولة، ويؤثر ذلك على علاقة الأم بابنها، فهي لا ترضى أن يكون تابعاً لزوجته، تشترك معظم الأمهات بانتقادهنَّ لسلوكيات زوجات أبنائهنَّ فهنَّ لا يتوقفن عن المقارنة بين حياتهنَّ الزوجية واهتمامهنَّ بعوائلهنَّ وحياة أبنائهن، يؤثر الاختلاف بالعمر والانتماء لأجيال مختلفة على ذلك، ففتيات اليوم لا يمارسن حياتهنَّ ويربين أبنائهنَّ كما النساء قبل عشرين عاماً، لا يستطيع أي من الطرفين فهم ذلك ومراعاته، فلكل وقت خصوصيته وعاداته والثقافة الخاصة التي تحكمه والتي لا يمكن إسقاطها على واقع آخر.

النتائج المترتبة عن حدة هذا الصراع

“لمياء رزق” (اسم مستعار)، فتاة تبلغ من العمر تسعة وعشرين عاماً، تزوجت في سن الثامنة عشر وانفصلت عن زوجها بعد سنتين بسبب الخلافات مع والدته، وتقول: «لم أكن قادرة على تفهم مشاعرها في ذلك الوقت، كنت صغيرة وكان أي انتقاد يبكيني ويجعلني غاضبة أصرخ على زوجي، وقع زوجي في مأزق إلى أي طرف سينحاز، ثم بدأت المشاكل تتفاقم وتولد عنفاً من قِبله لينتهي زواجنا بالانفصال».

في حالات ليست بقليلة ينتج عن هذه الخلافات فشل للعلاقة الزوجية، حيث يصل الزوج للمرحلة التي يقرر فيها إنهاء المشكلة، وبالطبع يكون ذلك بإبعاد الطرف الذي لا يعتبر من صلب عائلته، فيقرر الطلاق يترك ذلك أثره على الجميع، لكن الزوجة هي الأكثر تضرراً، تتابع “لمياء”: «كان يمكنني أن أجد حلولاً لخلافاتي معها، الآن عندما أراجع ذلك أشعر بأني أخطأت، لكنني كنت غير واعية كفاية في ذلك الوقت لفهم تعلقها بابنها، وشعورها بأنها تعبت في تربيته ومساندته وبأنني دخيلة على حياتها، ولكن في نفس الوقت لم تفهمني هي أيضاً ولم تحتضنني، بل كنت أشعر بكرهها لي ولم أستطع التعايش مع ذلك».

المشكلة في هذا الصراع بأنه تكريس لسيطرة الرجل، فعندما تضطهد النساء بعضهنَّ سيؤثر ذلك على حياتهنَّ الشخصية ويزيد من خضوعهنَّ للرجل، العلاقة بين الأم وزوجة ولدها هي إحدى العلاقات شديدة الحساسية في جميع المجتمعات، قد تمتلك خصوصية مختلفة في مجتمعنا بسبب العادات والأعراف المجتمعية المبالغ بها، لكنها لا يمكن أن تكون علاقة سلبية إن تم التعامل معها من قبل الطرفين بفهم ووعي، فالأم ينبغي عليها تقبل الحياة الجديدة لابنها وانتهاء مسؤوليتها تجاهه، وفهم الاختلاف في السلوكيات بينها وبين الزوجة وأن هذا طبيعي، ويترتب على الزوجة أيضاً تقدير مشاعر الأم وتعلقها بولدها والذي تعتبره إحدى منجزاتها وأن تستمع لرأيها، والأفضل لطرفي العلاقة أن ينفصلا مكانياً لأن التواصل اليومي حتماً سيؤدي لمشاكل وخلافات مهما كانت صغيرة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.