النفوذ الروسي في سوريا: هل ستتخلى موسكو عن بعض حلفائها في سوريا في سبيل التوصل لتفاهم مع واشنطن؟

النفوذ الروسي في سوريا: هل ستتخلى موسكو عن بعض حلفائها في سوريا في سبيل التوصل لتفاهم مع واشنطن؟

يتحدّث كثير من المتابعين للملف السوري عن احتمالية التوصّل إلى تفاهم بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في سوريا، للاتفاق على خارطة طريق، ترسم معالم الحل السياسي في البلاد.

تقارير صحفية عديدة أشارت مؤخراً إلى إمكانية إيجاد تسوية سياسية في سوريا، منذ توافق الولايات المتحدة وروسيا في مجلس الأمن الدولي، مطلع شهر تموز/يوليو الماضي، على تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود السورية.

وبحسب تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية، نشر في تموز/يوليو الماضي، فإن «انعقاد القمة الثنائية، بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في مدينة جنيف السويسرية منتصف حزيران/يونيو، يمكن أن يمهّد الطريق لتعاون أميركي روسي أكبر في سوريا، بما يتجاوز المحادثات على المستوى الوزاري بين البلدين، التي كانت تجري خلف الأبواب المغلقة».

فهل يمكن أن نشهد توافقات بين روسيا وأميركا في الفترة المقبلة، خاصة مع ميل واشنطن إلى تغيير طبيعة تواجدها في المنطقة، وإعادة نشر قواتها؟ وهل ستؤدي هذه التطورات السياسية إلى تغيير في استراتيجيات التعامل مع عدد من الدول الإقليمية، وخاصة إيران؟

 

عوامل التفاهم

“أيمن عبدالنور”، المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الأميركية، قال لموقع «الحل نت» إن «التوافق الروسي الأميركي على تسوية سياسية في سوريا أمر مستبعد الحدوث خلال الفترة المقبلة، ويبقى معلقاً بتوفّر عدة عوامل».

وأضاف: «يجب توفّر الرغبة السياسية لدى البلدين، والدافع كي يبذلا الوقت والجهد اللازم، لتحقيق مثل ذلك التوافق. ويبدو أن روسيا متحمسة للوصول إلى تسوية سياسية، لأنها متضررة من الوضع الحالي في سوريا أكثر من الولايات المتحدة، فالروس بحاجة إلى حل كي يحوّلوا نصرهم العسكري على الأرض إلى نصر اقتصادي وإعلامي وسياسي».

وبيّن المحلل السياسي أنه « ليس بإمكان الروس أن يتعاملوا مع المسألة السورية بوصفها ملفاً منعزلاً عن أي ملف إقليمي أو دولي آخر، فسوريا ستكون جزءاً من التفاهمات، التي يمكن أن تنشأ بين روسيا والولايات المتحدة، حول عدة مواقع أخرى من العالم».

 

حاجة موسكو إلى واشنطن

مجلة “فورين بوليسي” اعتبرت أن «واشنطن وحدها من يستطيع توجيه الصراع السوري نحو الحل، إذا ما عززت المحادثات الثنائية مع موسكو». مشيرة إلى إنه «رغم توتر العلاقات الأميركية الروسية، على عدة جبهات، إلا أن هناك احتمالاً لتسوية بين واشنطن وموسكو».

ولفتت إلى أن «إبرام صفقة لا يعني الإذعان لرغبات روسيا، فهناك عدة أدوات النفوذ، يمكن لواشنطن استخدامها للضغط على موسكو لقبول الصفقة، أحدما أن تتمسك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالموقف القائل إن العقوبات الاقتصادية، التي تعطل عملية إعادة الإعمار في سوريا، لن ترفع قبل حدوث الانتقال السياسي».

من ناحيته أشار الباحث السياسي “محمود إدريس” إلى أنه «إذا ما جرى اتفاق بين الروس والأميركيين بشكل مباشر، و تم حفظ المصالح الروسية، فهذا سيؤدي إلى تأييد الروس لإعادة هيكلة جزء كبير من النظام السياسي الحالي في سوريا، بما يدفع لتحقيق انتقال سياسي حقيقي».

وأضاف في حديثه لموقع «الحل نت»: «روسيا، ورغم كل ما حققته من مكاسب على الأرض في سوريا، لا تستطيع تأمين استراتيجية خروج مناسبة حتى الآن، من دون دعم دولي، بما يضمن مصالحها الاقتصادية والجيوستراتيجية».

وأشار إلى أن «الجهود الروسية منصبّة حاليا على إعادة الإعمار، ومنع انهيار حكومة دمشق على الصعيد الاقتصادي، إلا أن الروس ينتظرون صفقة كبرى مع واشنطن بخصوص سوريا».

 

الصراع الروسي-الإيراني

وحول الموقف الأميركي من إيران في سوريا قال “إدريس”: «ما تريده واشنطن من موسكو هو تعاون جدي ومثمر لإخراج الإيرانيين من سوريا، وعندها يمكن لواشنطن أن تتجاوب مع الرغبة الروسية للتنسيق بين البلدين، وطالما وقفت موسكو عاجزة عن إنجاز هذه المهمة، ستبقى واشنطن رافضة لأي حل سياسي، يلبّي رغبة موسكو».

متابعاً: «روسيا تعتبر الوجود الإيراني في سوريا عائقاً محتملاً أمام قدرة الرئيس السوري بشار الأسد في بسط سيطرته على أكبر جزء من سوريا. ولذلك فقد تصل موسكو إلى مرحلة، تعتبر فيها الوجود الإيراني مصدر إزعاج لجميع الأطراف، والتخلّص منه سيثير ارتياح الجميع، وفي مقدمتهم واشنطن».

وقد تمثّل إزاحة الوجود الإيراني من سوريا هدفا مشتركاً، يمكن لروسيا والولايات المتحدة التنسيق بشأنه، والانطلاق منه لتعزيز توافقاتهما الأولية. وهذا ما أشارت إليه صحيفة “ذا هيل” الأميركية، في تقرير تحليلي نشرته أواخر نيسان/أبريل الماضي، أكد أن «الولايات المتحدة، في عهد إدارة الرئيس بايدن، لن تعمل على تحدى الوجود الروسي في سوريا، ما يعني أن النفوذ الروسي سيتمدد أكثر في المستقبل دون عائق أميركي، ولذلك فإن تحالف موسكو مع طهران سيفقد مبرره، لأنه كان موجهاً أساساً ضد النفوذ الأميركي في سوريا».

وتابع التقرير: «ما قد تفعله موسكو هو العمل على تنمية حلفاء داخل نظام الأسد، وكذلك مع الأطراف المعارضة، يمكننا أيضاً أن نتوقّع من روسيا أن تواصل غض الطرف عن الهجمات الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية داخل سوريا، التي تساعد روسيا على إبقاء النفوذ الإيراني محدوداً، من دون أن تضطر إلى تحمّل هذه المسؤولية الثقيلة بنفسها».

واختتم التقرير بالإشارة إلى أنه «من المرجح أن يتم دعم النفوذ الروسي في سوريا، إلى حد ما، من قبل حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، الذين يرون أن وجود روسيا هناك أفضل من وجود إيران».

فيما نوّهت دراسة، نشرها مركز “الإمارات للسياسات” العام الفائت، إلى أن «سوريا تشكّل مسألة جوهرية في استراتيجيتي روسيا وإيران، ومع اقتراب النزاع السوري من نهايته، بدأت تظهر التناقضات بينهما، لجهة الأسلوب الواجب اتباعه، لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المتوخاة».

وأشارت الدراسة إلى أنه «من المرجّح أن يأخذ الصراع على سوريا بين روسيا وإيران طابعاً صامتاً، وسيكون من بين أهم أدواته: الوكلاء المحليون؛ والأجهزة الاستخباراتية؛ وربما بعض التحالفات المتضاربة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.