بعد أكثر من عامين على هزيمة «داعش» في سوريا على يد التحالف الدولي وشركائه في قوات سوريا الديمقراطية، عاد التنظيم إلى حرب العصابات وزرع خلايا نائمة في جميع أنحاء شمال شرقي سوريا وشرقها، كما يفعل في محافظاتٍ عراقية.

وبحسب تقديرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، فإن ما بين 8000 و16000 من مقاتلي «داعش» ما زالوا متواجدين في سوريا والعراق، ومع استحكام المسلحين على المدى الطويل واستمرار عمليات تجنيد الشباب، يراقب مسؤولون محليون ظهورهم مجدداً.

اختطاف ثم قتل

“هند لطيف الخضر” 20 عاماً، وصديقتها “سعدة فيصل الهرمس” موظفتان في الإدارة الذاتية، قُتِلتا على يد خلايا داعش بالحسكة، ورُميت جثتهما بقرية “الدشيشة” بريف المدينة في منطقة صحراوية على الحدود العراقية.

«كانت عملية القتل تلك، رسالة للجميع»، يقول “شفان سلمو” قائد في قوات سوريا الديمقراطية في تقريرٍ لصحيفة (Washington Post).

فالمسلحون الذين سحبوا الضحيتين من منزلهما في وقتٍ مبكر من عام 2021، نقلوهما بالشاحنات عبر الصحراء إلى حيث مقتلهما، كانوا واثقين من أنه لن يقوم أحد بتعقب مسارهم.

وكان أحد مقاتلي التنظيم، وهو مجند مراهق يدعى “إبراهيم”، قد تفاخر قبل أيام بشعوره أنه لا يمكن لأحد المساس به، وقال لابن عمه: «نتحرك بحرية هنا»، وفقًا لرسائل صوتية عثرت عليها (قسد) في هاتفه. «لا تقلق، لا أحد يعرف حتى من نحن»، يضيف “إبراهيم”.

بداية انضمام القاتل للخلية

المراهق المنحدر من الحسكة، جُنّد في التنظيم من قبل رجل معروف لدى عائلته بأنه عضو في “داعش”، يدعى “أبو عمر”، وخلال مقابلته أثناء احتجازه في سجن الشدادي، أكد الشاب 18 عاماً، أنه كان ببساطة يتطلع لكسب بعض المال.

إلا أن ضباط استخبارات في (قسد) أشاروا إلى أنه منذ البداية طلب الانضمام إلى العمليات المسلحة للجماعة وأنه كان يتابع دعاية التنظيم على الإنترنت لفترة من الوقت، وأن سيرته الذاتية كانت شائعة بين هؤلاء المعتقلين لإشراكهم في الخلايا النائمة لداعش.

وبحسب الصحيفة، نقلاً عن ضابط في (قسد)، فإن هؤلاء «يشتركون بضعف تعليمهم. والمعنويات المنخفضة، ويجدون في حمل السلاح وسيلة لإيجاد القوة»، مؤكّداً أن التمهيد لضم إبراهيم للمجموعة «بدأ بدروس دينية مرتين في الأسبوع»، واصفًا المنهاج بـ «شيطنة الأشخاص الذين حاربوا التنظيم أو انضموا إلى الإدارة المحلية».

وسرعان ما اختير “إبراهيم” لتنفيذ المهمات، حيث طُلب منه في البداية نقل الدراجات النارية والحقائب عبر الصحراء، أما العملية التالية، فكانت قَتلُ رجلٍ كعقابٍ على ما يبدو، لأنه كان عضواً في قوات سوريا الديمقراطية.

التخطيط لقتل الامرأتين

يصف “إبراهيم” نفسه بأنه كان «عابر سبيل في ذلك الهجوم بدون أي تحذير مسبق عن عزم الخلية تنفيذ عملية القتل»، إلا أنه في رسالة صوتية عقب الحادثة بعدة أيام، يقول إنه من أطلق النار من البندقية، «لم أتوقف حتى رأيت دماغه ينفجر»، أخبر “إبراهيم” ابن عمه.

بعد أيام، بدأت خلية “إبراهيم” بالتخطيط لقتل الامرأتين اللتين شاركتا في برنامج ترعاه الإدارة المحلية لتمكين المرأة، ولم يتعرف المراهق على معظم الرجال الحاضرين في الاجتماع. «أحدهم أعطانا موقعاً في الصحراء وكان هناك ستة من أفراد خليتي»، يضيف “إبراهيم”.

من جهتها، قالت عائلة “هند” إن رجالاً مقنعين اقتحموا المنزل في السابعة مساءاً، وقيّدوا “هند” قبل أن يقتادوها في شاحنة إلى مكان مجهول، وبعد ساعة وبضعة دقائق، وصلت صورة جثة “هند”، إلى هاتف شقيقتها “هيام”.

وبحسب (قسد) في سجن الشدادة، فقد ألقي القبض على “إبراهيم” بعد عدة أيام بناءً على معلومات استخباراتية قدمها التحالف. «كنا نتعقبهم منذ فترة، أما بقية أفراد خلية “إبراهيم”، قُتِلوا بغارة جوية».  يقول أحد المسؤولين.

تقول (قسد) إن قواتها «قضت على عشرات الخلايا النائمة خلال الأشهر الأخيرة، غالباً باللجوء إلى معلومات استخباراتية من التحالف أو بدعم جوي منه. ولكن في المناطق النائية مثل الدشيشة والصحراء المحيطة بها بالقرب من الحدود العراقية، تقف التضاريس إلى جانب المسلحين».

«إذ تتواجد نقاط التفتيش بشكل قليل ومتباعد، وعلى طول الحدود السورية العراقية، يختبئ مقاتلو التنظيم في أنفاق مخفية أو في مبانٍ أفرغها قصف التحالف»، بحسب تقرير الصحيفة الأميركية.

خلايا مشتتة والتنظيم دون قيادة

وبحسب مسؤولين في (قسد)، فإن المسلحين المنتشرين في “الدشيشة”، غالباُ ما يكونون من المنطقة أو من العراق، وأن الخلايا التي تشبه خلية “إبراهيم” تضم نحو ستة أفراد، عادةً ما يتخذون قرارات فيما بينهم تكون ملتزمة بدعاية التنظيم الذي صار الآن بلا قيادة إلى حدّ كبير.

وتؤكّد قوات سوريا الديمقراطية أنه «رغم وجود بعض الاتصالات بين الخلايا، إلا أنها معزولة غالباً عن بعضها البعض، مما قد يجعل من الصعب تتبعها».

في غضون ذلك، يلقي قادة (قسد) باللوم على القوات النظامية بمناطق سيطرتها غرب نهر الفرات والتي تنشط فيها خلايا التنظيم، لأنها لم تبذل جهوداً حقيقية للتصدي للمسلحين، حيث منحتهم قاعدة لإعادة بناء أنفسهم.

ويحذّر التحالف و(قسد) من أن الخلايا المحلية يمكن أن تتعزز يوماً ما بهؤلاء الفارين من السجون ومخيمات النزوح ضعيفة الدفاع التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية في أماكن أخرى من شمال شرقي سوريا، والتي تأوي الآلاف من المقاتلين السابقين للتنظيم وعائلاتهم.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.