أعلنت كل من الشركة السورية للاتصالات الحكومية وشركتا MTN وسيريتل في 21 أيلول الماضي، رفع أسعار الاتصالات على أن يبدأ ذلك من 1 تشرين الأول الحالي، وجاء الإعلان الرسمي بعد يومين من حديث مصادر حول ضرورة رفع الأسعار لأسباب عدة، نشرته وسائل إعلام مقربة من القصر الجمهوري دون تسمية جهة تلك المصادر.

ورفعت شركتا الخليوي سعر الدقيقة للخطوط مسبقة الدفع من 13 إلى 18 ليرة سورية، ولاحقة الدفع من 11 إلى 15 ليرة، وتبعاً لبيان الشركتين، فقد كانت أسباب الرفع واحدة وهي “ضمان استمرارية تقديم الخدمة وجودتها”، رغم أن جودة الخدمات المقدمة محل انتقاد بشكل دائم وخاصة في المناطق الريفية وطرقات السفر.

لكن، المصادر التي مهّدت إلى قرار الرفع قبل صدوره بيومين تقريباً، أكدت أن أسباب رفع الأسعار هي أن شركات الاتصالات من أكثر القطاعات المتضررة جراء الحرب، وأصبح من الصعب جداً الموازنة بين النفقات والإيرادات مع ارتفاع سعر الصرف، إضافة إلى أن رفع الأسعار سينعكس على زيادة الأجور والرواتب للحفاظ على العاملين المؤهلين والحفاظ على الخدمات وتنفيذ المشاريع.

ويعتبر قطاع الاتصالات الخليوية في سوريا من أكثر القطاعات ربحاً لعدم وجود منافسة حيث تتمركز الأرباح بشركتين خليوي وشركة اتصالات وانترنت واحدة، ففي قطاع الاتصالات الأرضية والانترنت ADSL تنفرد السورية للاتصالات بهذا القطاع عبر تقديم خدمة الاتصال الأرضي إضافة إلى تأمين البوابات عبرها حصراً، بينما يمكن للشركات الخاصة شراءها منها لاحقاً للمتاجرة بها، في حين لا توجد سوى شركتي اتصالات خليوية وتشغيل كل القطاع محصور بهما منذ 2001 تقريباً.

ورغم محاولة إظهار شركتي الخليوي على أنهما على حافة الخسارة، إلا أن المصدر الذي صرّح بذلك، تعرض للانتقاد من قبل الشارع السوري كونه لم يشر إلى أن الشركتين مدرجتين في البورصة وينشران تقارير أرباحهما بشكل دوري، وتستفيد الحكومة السورية من عائدات الشركتين بغض النظر عن خسارة أو ربح الشركتين وذلك بحسب نسب معينة ثابتة من الإيرادات.

حصة الحكومة السورية 56.7 مليار ليرة من أرباح سيريتل في 2020

رغم فرض الحراسة القضائية على (سيريتل) والمشكلة التي حصلت مع “رامي مخلوف” العام الماضي، والحديث مؤخراً في 2021 عن صعوبة موازنة الإيرادات مع النفقات، إلا أن الشركة حققت نهاية 2020 إيرادات وصلت إلى نحو 248 مليار ليرة سورية، ووصلت حصة الحكومة منها إلى نحو 56.7 مليار ليرة، في حين بلغت أرباح الشركة الصافية 80.7 مليار ليرة سورية.

وفي الربع الأول من العام الجاري، ارتفع صافي إيرادات سيريتل إلى 89.5 مليار ليرة مقابل 58.8 مليار ليرة في الفترة المماثلة من 2020، وارتفع صافي الربح بنفس الفترة لـ26.25 مليار ليرة بعد استبعاد أرباح فروق تقييم القطع البنيوي غير المحققة البالغة نحو 70 مليون ليرة (وهو ما تربحه الشركة نتيجة انخفاض قيمة الليرة وارتفاع سعر الصرف)، مقابل أرباح قاربت 17.4 مليار ليرة في الربع الأول من 2020.

واقتطعت الحكومة من الإيرادات ككل (ليس الأرباح الصافية) في الربع الأول من العام الجاري نحو 19.93 مليار ليرة لحساب الخزينة العامة للدولة، وهذه الحصة تشمل حصتها مضافاً إليها أجور الترابط مع الشركة السورية للاتصالات، والأجور والمساهمات السنوية للهيئة الناظمة للاتصالات والبريد.

واستناداً للأرقام، أرباح (سيريتل) تتنامى بشكل سنوي، حيث وصل مجموع أرباحها من آخر قرار تم فيه رفع أسعار الاتصالات عام 2016 حتى الربع الأول من 2021 إلى نحو 300 مليار ليرة.

وعيّن القضاء الإداري في أيار 2020 حارس قضائي على سيريتل المملوكة لـ “رامي مخلوف”، وتم تعيين رئيس مجلس إدارة الشركة السورية للاتصالات “محمد مازن المحايري” بصفة حارس قضائي على أن يتقاضى شهرياً 10 ملايين ليرة سورية كأتعاب، وبهذا القرار فقد “رامي مخلوف” صلاحيته في الشركة، وانتقلت للحارس الذي من صلاحياته إدارة الأموال التي خضعت للحراسة القضائية، ومسك الدفاتر.

وفي تموز الماضي، أصدر الحارس القضائي قراراً بإسقاط عضوية شركة (راماك) للمشاريع التنموية التي يملكها “رامي مخلوف” من عضوية مجلس إدارة (سيريتل)، وبعد أسبوعين انتخبت الشركة مجلس إدارة جديد وفازت أربع شركات بالتزكية، وهي: شركة الأجنحة المساهمة، وشركة بيشاور للاستثمار، وشركة الواثق، وشركة الأمجاد المتألقة، إضافة إلى عضوية “ربيع ابراهيم سميا” من غير المساهمين.

ويعتبر “إيهاب مخلوف” شقيق “رامي مخلوف” الوريث الخفي للشركة ولو بنسبة أقل مما امتلكه رامي سابقاً، لكنه يعتبر الشخص الموثوق فيه حالياً في الشركة، وهو من أعلن ولاءه للسلطات بعد الخلاف مع “رامي مخلوف”، حيث قدم حينها استقالته من منصب نائب رئيس مجلس إدارة (سيريتل) وكتب على صفحته الشخصية في (فيسبوك) أن سبب الاستقالة هو خلافات مع رامي، على طريقة تعاطيه مع الإعلام، ومع الملف القانوني والمالي للشركة.

وأضاف “إيهاب مخلوف” أن «شركات الدنيا لا تزحزح ولائي لقيادة رئيسنا وقائدنا بشار حافظ الأسد»، على حد تعبيره.

وإيهاب هو شريك في شركة (بيشاور) للاستثمار التي باتت عضواً في مجلس الإدارة بعد استبعاد (راماك)، وقد حاز في آب 2020 على عقود تشغيل الأسواق الحرة بعدما كانت وزارة الاقتصاد فسخت العقد مع رامي إثر الخلافات، ويملك إيهاب حالياً سلطة على باقي الشركات في مجلس الإدارة الجديدة لسيريتل التي كان النفوذ فيها سابقاً لرامي.

MTN تعوض خسائرها رغم طرحها بيع حصتها في سوريا

في 2020 تعثرت شركة MTN وهو العام الذي طلبت الحكومة منها دفع مليارات الليرات كبدل ترخيص، وخسرت في ذلك العام نحو 4 مليارات ليرة سورية، وذلك رغم تحقيقها إيرادات وصلت لأكثر من 120 مليون ليرة سورية، أخذت منها الخزينة 25 مليار ليرة دون النظر إلى خسائر الشركة أو مراعاتها.

لكن MTN عادت لتعوض خسارتها خلال النصف الأول من 2021 قبل قرار رفع أسعار المكالمات لتحقق صافي ربح نحو 26.7 مليار ليرة خلال النصف الأول بإيرادات نحو 87.6 مليار ليرة، حصة الحكومة منها تقريباً 17 مليار ليرة.

وقالت مجموعة MTN الجنوب إفريقية (الشركة الأم) في شباط الماضي (2021)، إنها ما تزال ملتزمة بالتفاوض على بيع حصتها البالغة 75% في سوريا مقابل 65 مليون دولار، بعد إخضاعها للحراسة القضائية بذات الشهر بتهمة مخالفة شروط عقد الترخيص الذي تتحجج الحكومة بأنه حرمها من المليارات.

وخلال 2020، طالبت هيئة الاتصالات شركتي الخليوي بدفع 233.8 مليار ليرة مستحقة لخزينة الدولة، وقالت إنها دفعة إضافية على بدل الترخيص الابتدائي الممنوح لهما عام 2015، وأعلنت حينها MTN نيتها الدفع بينما رفض رامي مخلوف مالك سيريتل، ليتضح لاحقاً أن MTN أيضاً لم تدفع.

ونص اتفاق الترخيص للشركتين على أن تسدد كل شركة 50% من إيراداتها السنوية إلى الدولة خلال السنة الأولى للرخصة، ثم تصبح النسبة 30% في السنتين الثانية والثالثة، و20% خلال باقي سنوات الرخصة، بينما يقول بيان الحراسة القضائية أن الحصة هي 21.5% من مجموع الإيرادات.

وفي آب 2020، أعلنت مجموعة MTN العالمية نيتها الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط والتركيز على إفريقيا، وبيّنت أن البداية ستكون ببيع حصتها في سوريا البالغة 75% إلى (تيلي إنفست) التي تملك 25% في الشركة نفسها، واستقال من عضوية مجلس إدارة الشركة حينها  كل من “محمد بشير المنجد”، و”نصير سبح”، و”جورج فاكياني”.

انقلاب القصر!

وتمت تسمية شركة (تيلي إنفيست) كحارس قضائي على الشركة في سوريا شباط الماضي، وسبق ذلك تعيين “نسرين ابراهيم” المقربة من “أسماء الأسد” وهي شقيقة “يسار إبراهيم” مدير الملف الاقتصادي في القصر الجمهوري، ممثلةً لإنفست في MTN إلى ما قبل صدور قرار الحراسة القضائية على الشركة بساعات، حيث استبدلت نسرين بـ “محمد حمدون”.

وشغلت “نسرين ابراهيم” منصب نائبة رئيس مجلس إدارة MTN سورية ممثلة عن شركة (تيلي إنفست) بين 2020 و2021، في الفترة التي شهدت انقلاباً على “رامي مخلوف” حتى صدور قرار الحراسة القضائية.

والحراسة القضائية، إجراء تحفظي يحمل صفة مؤقتة، ريثما يتم الانتهاء من موضوع النزاع، وهو في قضية شركتي سيريتل وMTN دفع مبالغ مالية مقابل تحويل صيغة الترخيص من BOT إلى دائم، وترتب على سيريتل 134 مليار ليرة سورية، وتقريباً 100 مليار ليرة سورية على MTN.

وإلى اليوم لم يدخل المشغل الثالث إلى الخدمة في سوريا، الذي يشارك بتأسيسه “يسار إبراهيم” منذ 2017 وأعيد تدوير اسم الشركة المشغلة في 2020 بخضم المعركة مع “رامي مخلوف” و MTN حين كان يتم التحضير للانقلاب على حيتان القطاع.

السيطرة على المشغل الثالث قبل عمله

في 2017، تم تأسيس شركة تدعى (وفا للاتصالات) يحق لها الاستثمار بمجال الاتصالات، عبر مدير “يسار إبراهيم” مع شخصين آخرين، أبرزهم “علي نجيب إبراهيم” وهما مِن عائلة واحدة.

لم يعلن رسمياً عن الشركة حتى عام 2020، وبالتزامن مع الإشكاليات في القطاع، بدأ تحريك ملف شركة (وفا) وتم تأسيس أكثر من شركة اتصالات من خلال “علي ابراهيم” وحده ودون أي زخم إعلامي.

حيث أسس (سبيس تيل) التي ليس لها أي وجود على الأرض، التي يحق لها الاستثمار في مجال الاتصالات، وبعدها بشهر أسس شركة تيلي سبيس للاتصالات، والتي يحق لها كما يحق لسابقتها.

وأسس علي أيضاً نهاية عام 2019 شركة تدعى البرج الذهبي، يحق لها تقديم الأبراج المعدنية والخدمات اللازمة للاتصالات والأعمال الإنشائية الخاصة بها، ودخل علي أيضاً في تأسيس المشغل الثالث (وفا تيليكوم) عبر شركته (تيلي سبيس)، وبهذا يكون المشغل الثالث مسيطر عليه محلياً تماماً، بعد أن كان هناك حديث عن مساعي لاستثمار إيراني فيه.

معلومات متقاطعة من مصادر في الحكومة السورية، أكدت لموقع (الحل نت) سابقاً، أن (وفا للاتصالات) التي أسسها يسار وعلي وشخص آخر عام 2017، باتت معروفة أنها تقوم بإجراء مقابلات مع موظفي (سيريتل) و(إم تي إن) بعد الإطاحة بـ “رامي مخلوف”، وخبر احتمال سيطرتها على المشغل الثالث بات مشاع شعبياً، وتسرّب من موظفي الشركتين.

وبعد فرض العقوبات الأميركية على “يسار ابراهيم” في آب 2020، توجهت السلطات السورية إلى إعادة التفكير بأسلوب الإعلان عن الشركة وإخفاء القائمين خلفها.

وتابعت المصادر «بعد حوالي الأسبوعين من فرض العقوبات على يسار، تم تغيير اسم الشركة المؤسسة عام 2017 من وفا للاتصالات إلى يوتيل، وبدأ التحرك فعلاً لتأسيس مجموعة شركات أغلبها مجهول، لتدخل في تأسيس شركة جديدة للمشغل الثالث بنفس اسم وفا لكن هذه المرة المؤسسون شركات وليس أشخاص».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.