كشف مشروع صحفي عابر للحدود هو الأوسع من نوعه في العالم، تحت اسم مشروع وثائق باندورا، تعاون فيه أكثر من 600 صحفي وصحفية، من 150 وسيلة إعلامية في 117 دولة، هُوِيَّة مالكين سريين لـ1500 ملكية عقارية، اشتراها أصحابها عن طريق شركات خارجية.

وتستند سلسلة التحقيقات، إلى أكثر من 11.9 مليون وثيقة مسربة حصل عليها الاتحاد الدَّوْليّ للصحفيين الاستقصائيين.

وتعد وثائق باندورا الرابعة بعد وثائق “بنما” وأوراق “بارادايس” وملفات “فينسن”، تكشف خفايا تهريب أموال صفقات النفط والسلاح وشركات الاتصالات غير الشرعية  إلى ملاذات آمنة، في مصارف حول العالم، وعبر شركات “أوف شور” تخفي هويات مالكيها.

من هم أبرز الساسة المذكورين في وثائق باندورا؟

تسريبات الملاذ الضريبي التي كشفت عنها وثائق “باندورا” ضمَّت قادة حكومات وزعماء، ومنهم رئيس الوزراء اللبناني، “نجيب ميقاتي”، وحاكم مصرف لبنان المركزي، وشقيقة ملك المغرب وحاكم دبي، بالإضافة إلى أمير قطر، وملك الأردن.

وتتضمن قائمة المالكين عدداً من كبار السياسيين الأجانب، وأشخاصاً متهمين بالفساد، ومانحين لأحزاب سياسية في بريطانيا.

وذكرت الأوراق رؤساء دول حاليون أبرزهم (“عبد الله الثاني بن الحسين”، ملك الأردن، و”فلاديمير بوتين”، رئيس روسيا، و”تميم بن حمد آل ثاني”، أمير دولة قطر، و”إلهام علييف”، رئيس أذربيجان، و”ميلو جوكانوفيتش”، رئيس الجبل الأسود).

كما ضمت القائمة، (“علي بونغو أونديمبا”، رئيس الغابون، “سبستيان بنيير”ا، رئيس تشيلي، و”فولوديمير زيلينسكي”، رئيس أوكرانيا، و”أوهورو كينياتا”، رئيس كينيا، و”غويلرمو لاسو”، رئيس الإكوادور، و”ديني ساسو نغيسو”، رئيس جمهورية الكونغو الشعبية).

أمّا الرؤساء السابقون فهم “سيزار جافيريا”، رئيس كولومبيا، و”أندريس باسترانا أرانغو”، رئيس كولومبيا.

وحملت الوثائق رؤساء الحكومات الحاليون، “محمد بن راشد آل مكتوم”، رئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة، و”باتريك أتشي”، رئيس وزراء ساحل العاج، و”أندريه بابيش”، رئيس وزراء جمهورية التشيك.

ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق، “توني بلير”، بالإضافة لـ”دومينيك ستراوس كان”، المدير العام لصندوق النقد الدولي.

وعلى مستوى العائلات المالكة، وردت أسم “خوان كارلوس الأول”، ملك إسبانيا السابق، والأميرة “للا حسناء”، أميرة المغرب.

في حين ورد اسم المدرب الحالي للفريق الملكي الإسباني”ريال مدريد”، “كارلو أنشيلوتي” ضمن وثائق باندورا.

ما حجم الثروات التي وردت في وثائق باندورا؟

وتعد “وثائق باندورا” هي الأحدث في سلسلة التسريبات على مدى السنوات السبع الماضية.

وتقدر قيمة العقارات التي اشترت في بريطانيا بأكثر من 4 مليارات جنيه إسترليني، ووردت تفاصيل عنها في وثائق باندورا المسربة عن شركات خارجية.

وفي الوقت الذي لا يُعد فيه تأسيس شركات خارجية في مناطق مثل «جزر فيرجن البريطانية (BVI)» أو في جمهورية بنما أمرًا غير قانوني بالضرورة، فإنه أصبح وسيلة شائعة تُستخَدم للتهرب من الضرائب وغسيل الأموال وغيرها من الممارسات المالية السرية.

وعادةً ما يرتبط نشاط الملاذات الضريبية بالفساد المالي، وكذلك تمثل ملجًأ آمنًا لأموال العصابات وتجار المخدرات، لما توفره من سرية للعملاء، وترتبط أيضًا بالشركات التي تسعى لتخطي لوائح الضرائب العالمية، فقد كانت تلك الملاذات مسؤولة عن 68% من تجاوزات ضرائب الشركات في جميع أنحاء العالم عام 2021.

وبعد صدور التحقيقات الصحفية، أصدر عدد من زعماء العالم بيانات ينفون فيها ما جاء في التسريبات، بعدما ظهرت أسمائهم ضمنها، من بينهم ملك الأردن، والعائلة الحاكمة في أذربيجان، بأنّهم اشتروا عقارات في لندن، عن طريق شركات خارج الحدود.

وبحسب الاتحاد الدَّوْليّ للصحافيين الاستقصائيين، فإن 10% من إجمالي اقتصادات العالم يمثل إيرادات مفقودة رسميًا لكنها موجودة في مراكز مالية خارجية على شكل شركات وهمية، وتقدر تلك الإيرادات المفقودة في العام الواحد بحوالي 800 مليار دولار، يحتفظ بها الأثرياء بعيدًا عن الالتزامات الضريبية.

ولكن، ما تأثير وثائق “باندورا” على السياسة العالمية؟

يرى الخبير والمحلل الاقتصادي الدكتور، “حسام عايش”، في حديثه لـ(الحل نت)، أنّ السؤال الذي سيتردد على لسان الشعوب هو: لماذا تم إخفاء هذه المعلومات والتستر عليها؟

ويعتقد “عايش”، أنّ «إبقاء هذه المعلومات سرية أو عدم التصريح عنها؛ لأسباب خاصة أو لأسباب تتعلق بالموقع السياسي، أو لأسباب تتعلق بالشعوب، وتتعلق أيضاً بالصورة التي ترغب هذه الشخصية بأن تعرف بها».

فالكشف عن هذه الأصول بالنسبة من وجهة نظر هذه القيادات المختلفة، هو أمر فيه الكثير من المخاطرة على أمنها، ولكن الآن قد تظهر الشكوك على المستوى الشعبي وعلى مستوى الإعلامي، وحتى على المستوى السياسي في العلاقات مع الدول الأخرى.

بينما تقول المحاضِرة في الاقتصاد في ‘‘الجامعة اللبنانية الأمريكية’’، والتي تشغل منصب أستاذ زائر بجامعة “جورج واشنطن” في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2016، الدكتورة “ليال منصور”، لـ(الحل نت)، إنّ: «تداعيات التهرب الضريبي بوثائق باندورا، هي ستنزع الثقة من هذه الشخصيات مع الدول التي تتلقى منها مساعدات مالية، خصوصاً البلدان الفقيرة كلبنان

وتشير “منصور”، إلى أنّ «ظهور هذه الشخصيات ضمن التحقيقات، هي إذان بأنّ ورقة صلاحياتهم العالمية انتهت».

ومن جهتها، ترى الصحافية والخبيرة الاقتصادية، “فيوليت بلعة”، أنّ فضيحة وثائق “باندورا” ستؤثر على سمعة القادة والشخصيات التي طالتهم الفضيحة، وتهدد المسؤولين السياسيين الذين لا زالوا في الحكم، ولا سيما لجهة ارتباطاتهم بالمجتمع الدَّوْليّ.

وتشير “بلعة”، خلال حديثها لـ(الحل نت)، أنّ الفضيحة ستطال جهود المجتمع الدولي نفسه، الذي يعلن دوما سعيه إلى تعزيز الشفافية والتحقيق في أنشطة التهرب غير المشروع، ولجوئه إلى التهديد بفرض عقوبات على أنشطة مماثلة.

وعليه وبحسب الخبيرة الاقتصادية، فإنّ فضيحة وثائق “باندورا” ستضع جهود المجتمع الدَّوْليّ، وخصوصًا مجموعة العشرين ومجموعة العمل المالي أو FATF، في ميزان الدِّقَّة، بحيث يتساءل المرء عن المعايير والإجراءات التي نفذ منها هؤلاء القادة لإخفاء ثرواتهم وللتهرب الضريبي.

وعلى الرغم من أن المعلومات التي تحيط عموماً بهذه الممارسات تظل سرية؛ لكن في الآونة الأخيرة، لم يعد الحفاظ على سرية المعلومات أمرًا سهلاً كما كان من قبل.

فتعمل بعض حكومات الدول الكبرى حاليا على تلقي معلومات تلقائيا من الملاذات الضريبية حول الحسابات المصرفية الأجنبية لمواطنيها.

فمثلاً الحكومة الأميركية، يمكنها القيام بذلك مع أنها واحدة من الملاذات الضريبية لبعض الأغنياء في الدول الفقيرة.

كيف أثرت وثائق سابقة على تغيير القوانين؟

كانت وثائق “بنما” هي إحدى كبرى عمليات تسريب الوثائق للصحافة في التاريخ؛ إذ سلَّم مصدرٌ مجهولٌ 11.5 مليون مِلَفّ سري من سجلات شركة «موساك فونسيكا» ومقرها بنما التي قدَّمت خِدْمَات لـ72 من قادة دول العالم الحاليين والسابقين لإخفاء أموالهم عن أعين الضرائب والرقابة.

وتضم الوثائق مراسلات بريدية، وحسابات بنكية، وسجلات عملاء يرجع تاريخها إلى 40 عامًا، وضمَّت القائمة 140 سياسيًّا، وأفراد عائلاتهم، وشركاءهم، ومسؤولين حكوميين في إفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية، وقدَّر فيه إجمالي الأموال في تلك الملاذات بـ ـ7.6 تريليون دولار أمريكي

وبعد تسريب الوثائق، فتح 150 تحقيقًا على الأقل في 79 بلدًا في قضايا تهريب ضريبي أو تبييض أموال، ومنذ ذلك الحين، أجرت بنما سلسلة إصلاحات لتعزيز الرِّقابة المصرفية ومعاقبة التهرب الضريبي بالسجن، إلى جانب تبادل المعلومات مع منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي.

ودفع تحقيق أوراق بنما، قيام الشرطة بحملات دهم واعتقالات وتحقيقات واستقالة شخصيات نافذة بمن فيهم رئيس وزراء ايسلاندا، وفي يناير/ كانون الثاني2017 اجتمع مسئولو الضرائب من 30 بلدا في باريس للتشارك في معلومات التحقيقات التي جرت بفضل نشر أوراق بنما. وقد ذكر مسئولون أستراليون، انه ترتب على الاجتماع أكبر تبادل دَوْليّ للمعلومات حول التهرب الضريبي عالميا.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.