قضية اللاجئين العراقيين بين بيلاروسيا وليتوانيا: كيف تصرّفت الحكومة العراقية لمواجهة المأساة؟

قضية اللاجئين العراقيين بين بيلاروسيا وليتوانيا: كيف تصرّفت الحكومة العراقية لمواجهة المأساة؟

احتجاز مئات اللاجئين العراقيين على الحدود بين ليتوانيا وبيلاروسيا بات مشهداً مأساوياً تنقله كاميرات وسائل الإعلام إلى العالم أجمع. إذ يتجمّع لاجئون من إحدى عشرة جنسية عربية وأجنبية، كثير منهم عراقيون، في الغابات والمناطق المقفرة بين البلديين. في طقس بارد لا يمكن تحمّله. ولا يسمح لهم بالدخول إلى ليتوانيا أو العودة من حيث أتوا.

وباتت قضية عبور اللاجئين العراقيين إلى ليتوانيا عبر بيلاروسيا. بهدف الوصول إلى فنلندا أو السويد. قضية رأي عام أوروبية أكثر منها عراقية. ومن ثم تحوّلت إلى خلاف سياسي حاد. عصف بالعلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي وبيلاروسيا. وسط مطالبات عدة دول أوروبية للعراق بضبط تدفّق مواطنيه إلى ليتوانيا من خلال الأراضي البيلاروسية. أو إيقاف خط الطيران من بغداد إلى العاصمة البيلاروسية منسك.

لماذا يهرب اللاجئون العراقيون من بلادهم

يتحدث المواطن العراقي “محمد مهباش العنزي” عن تجربته القاسية، وهو أحد اللاجئين العراقيين، حاول الهجرة إلى أوروبا، مع عائلته المكونة من أربعة أفراد، للمرة الثالثة دون جدوى. إذ «سبق أن وصل إلى اليونان، وتمت إعادته إلى تركيا. ثم عاود الكرّة بعد بيع ممتلكاته. وأهمها سيارته التاكسي، التي كان يعمل عليها. ولكنها باتت استثماراً خاسراً. لأن ظروف العيش في العراق صارت مستحيلة. والحل الوحيد هو الهجرة إلى أقاربه في فنلندا». حسب تعبيره.

“العنزي” يقول لـ«الحل نت»: «كان المهرّبون يقولون لنا إن طريق الهجرة عبر بيلاروسيا جديد وغير مكشوف وسالك. ولكن لسوء الحظ. ولثقل حركة عائلتي. أو ربما نتيجة تواطؤ بين المهرّب والشرطة الليتوانية، تم احتجازنا في معسكر رهيب. يحوي كثيراً من اللاجئين العراقيين الآخرين. ويفتقر لأبسط مقومات الحياة».

ويضيف: «ما يقارب الألف لاجئ عراقي كانوا محتجزين معي. دون أي بادرة أمل بالعودة إلى العراق أو النجاح بالوصول للاتحاد الأوروبي. ويعانون من البرد الشديد وسوء التغذية».  

مسؤولية الحكومة العراقية عن أزمة اللاجئين

“على العبادي”، رئيس مركز “العراق لحقوق الإنسان”، حمّل الحكومة العراقية مسؤولية معاناة اللاجئين العراقيين على الحدود البيلاروسية-الليتوانية. بسبب «عدم قدرتها على تأمين حياة كريمة لمواطنيها. خاصة الشباب منهم». بحسب قوله.

ويضيف “العبادي” في حديثه لـ«الحل نت»: «لم تتمكن الحكومة العراقية من رعاية أكثر من ألفي عراقي، محاصرين بين ليتوانيا وبيلاروسيا. وهؤلاء اللاجئون العراقيون سبق أن تعرّض بعضهم للتهديد من الميلشيات والفصائل المسلّحة في العراق. والبعض الاخر عانى من طويلاً من البطالة. بسبب احتكار الأحزاب السياسية المتنفّذة فرص العمل لأنصارها. ولذلك هرب كثيرون من جحيم العيش داخل العراق. ليواجهوا جحيماً آخر على حدود الاتحاد الأوروبي».  

المفوضية السامية لشؤون اللاجئين العراقيين قدّرت عدد العالقين على الحدود بين بيلاروسيا وليتوانيا بثلاثة آلاف شخص، من احدى عشرة جنسية مختلفة. أكثر من ألف وخمسمئة منهم عراقيون.

“أندريه ماهيستش”، المتحدث الرسمي باسم المفوضية، أكد في تصريح رسمي «دعم المفوضية للعراقيين العالقين على حدود ليتوانيا وبيلاروسيا. من خلال التواصل مع السلطات المعنية في البلدين. بموجب القوانين الدولية، التي تعمل وفقها الحكومات ومنظمة الهجرة الدولية. وطالبت المنظمة بمساعدة اللاجئين العراقيين. إما بمنحهم اللجوء، أو إعادتهم طوعاً إلى بلادهم».

الموقف الحكومي من أزمة اللاجئين العراقيين

وزارة الخارجية العراقية أعلنت أنها «تناقش شؤون اللاجئين العراقيين، وظروفهم الإنسانية، مع منظمة الهجرة الدولية. لتسهيل إجراءات العودة الطوعية للراغبين منهم».

وبيّن “أحمد الصحاف”، المتحدث باسم الوزارة، في بيان رسمي، أنه «من الضروري مراعاة حقوق الإنسان والحالات الإنسانية الحرجة. وتوفير المتطلبات العاجلة للاجئين العراقيين. فضلاً عن مساعدة من يرغب منهم بالعودة إلى الوطن. بعد حصولهم على جوازات المرور».

الحلول الحكومية لا تعالج عمق مسألة اللاجئين العراقيين

إلا أن كثيراً من المراقبين والناشطين يرون أن مسؤولية الحكومة العراقية عن أحوال اللاجئين العراقيين لا تقتصر على عدم توفيرها ظروف الحياة الكريمة في العراق. بل أيضاً إهمالها لمعاناتهم الحالية على الحدود البيلاروسية-الليتوانية. وعدم تحركها الجدي لإنهاء تلك المأساة.

“إحسان الجيزاني”، الناشط العراقي في مجال الحقوق المدنية المقيم في ألمانيا، يقول لموقع «الحل نت»: «رغم موت لاجئين عراقيين بسبب البرد القارس على الحدود بين بيلاروسيا وليتوانيا فإن وزارة الخارجية العراقية لم تحرّك ساكناً. واكتفى متحدثها الرسمي “أحمد الصحاف” بنداء خجول. ناشد فيه كل العراقيين أن لا يكونوا هدفاً لشبكات التهريب والاتجار بالبشر».

واعتبر “الجيزاني” أن «ما قام به وزير الخارجية العراقي “فؤاد حسين”. بإرسال طائرات إلى بيلاروسيا لإعادة اللاجئين العراقيين. لم يكن أكثر من حركة استعراضية. لم تعالج جوهر القضية. فمن عادوا على متن الطائرات لم يكونوا من اللاجئين العالقين على الحدود. بل أشخاص استغلوا توفّر طيران مجاني إلى العراق. أما اللاجئون الفعليون فلم يصل لهم أي مدد حتى الآن. باستثناء ما تقدمه بعض المنظمات الإنسانية الأوروبية».

ويتابع الناشط العراقي: «الموقف الرسمي الآخر كان قيام الخطوط الجوية العراقية بإيقاف رحلاتها إلى بيلاروسيا. في محاولة منها على ما يبدو لضبط عملية تدفّق اللاجئين العراقيين إلى ذلك البلد، لأغراض الهجرة غير الشرعية نحو دول الاتحاد الأوروبي. وهذا بدوره لا يعالج جوهر المسألة».

ويختتم “الجيزاني” حديثه بالقول: «الاتحاد الأوروبي يرى أن هذا التدفق الكبير للمهاجرين عموماً، واللاجئين العراقيين خصوصاً. هو محاولة استفزازية انتقامية من قبل بيلاروسيا. رداً على العقوبات الأوروبية عليها. إلا أن هذا لا ينفي مسؤولية العراق عما يحدث. بالنظر لكون غالبية المهاجرين عراقيون».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.