مجزرة المقدادية: كيف أثّر الصراع السياسي بعد الانتخابات العراقية على نشاط تنظيم داعش؟

مجزرة المقدادية: كيف أثّر الصراع السياسي بعد الانتخابات العراقية على نشاط تنظيم داعش؟

زادت مجزرة المقدادية، التي ارتكبها عناصر تنظيم داعش في قرية “الرشاد”. الواقعة بقضاء المقدادية في محافظة ديالى شرقي العراق. مخاوف المواطنين العراقيين من تصاعد نشاطات التنظيم المتطرف.  

ويربط كثير من المراقبين بين عمليات التنظيم الأخيرة والخلافات السياسية العميقة بين الأحزاب والقوى العراقية بعد الانتخابات النيابية. إذ يستغلّ عناصر داعش انشغال المؤسسات الأمنية والسياسية العراقية بتلك الخلافات لتنفيذ الضربات، وتوسيع نفوذ التنظيم. ما يؤدي لسقوط عشرات المدنيين. كما حدث في مجزرة المقدادية.

ولم يكن الهجوم الأخير في ديالى الأول من نوعه. فقد ارتفعت وتيرة هجمات داعش خلال الأيام الماضية. وخاصةً في مناطق ديالى وكركوك ونينوى.

ورداً على مجزرة المقدادية توعّد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي بالثأر من الفاعلين. قائلاً إنَّ «الحادثة لن تمرّ مرور الكرام».

فيما أدانت أوساط سياسية واجتماعية المجزرة. داعية للعمل على التصدي لتحركات داعش الأخيرة. وتجاوز الخلافات السياسية التي يستغلها التنظيم المتشدد.

وكانت مجموعةٌ من الأحزاب الخاسرة في الانتخابات الأخيرة قد أبدت اعتراضها على النتائج.  عبر احتجاجات وتظاهرات. فضلاً عن تهديدات طالت الحكومة العراقية ومفوضية الانتخابات. في حال لم يتم إعادة العد والفرز اليدوي لنتائج الاقتراع.

تفاصيل من المقدادية

وبحسب مصدر محلي من محافظة ديالى فإن مجزرة المقدادية وقعت «بعد قيام مسلحين ينتمون لتنظيم داعش باختطاف أربعة من أبناء قرية “الرشاد”. وأثناء عملية التفاوض لإطلاق سراح المختطفين. تم قتل المخطوفين الأربعة. إضافة إلى أحد عشر فرداً من وجهاء القرية».

المصدر يضيف، في إفادته لموقع «الحل نت»، أنَّ «قرية الرشاد، التي تعرّضت للهجوم، محاطة بالبساتين الزراعية. ومعقدة من الناحية الجغرافية. وقد قام أهالي القرية، وهم من أبناء قبيلة “تميم”، إحدى أكبر القبائل العربية في العراق، بحمل السلاح لملاحقة عناصر داعش. فتعرّضوا لإطلاق نار كثيف من البساتين القريبة».

موضحاً أن «قرية “نهر الإمام” المجاورة كانت معقلاً للعناصر المسلّحة من القاعدة وداعش طيلة السنوات الماضية. وهي تبعد أربعة كيلومترات عن قرية “الرشاد”. ولم تستطع القوَّات الأمنية السيطرة عليها، وإنهاء ملاذات التنظيم المتشدد فيها. وربما كان هذا العجز أحد أهم أسباب مجزرة المقدادية».

وتعدّ محافظة ديالى واحدة من أكثر المحافظات العراقية التي تشهد حضوراً للتنظيمات المتطرفة منذ عام 2003. بسبب طبيعتها الجغرافية. فهي تضمّ أكبر البساتين الزراعية في العراق. فضلاً عن كونها محافظة متعددة المكونات. وتنتشر بها قوات عسكرية ذات انتماءات مختلفة. مثل الجيش النظامي العراقي والحشد الشعبي وقوات البيشمركة.

مجزرة المقدادية والتقاعس الأمني

“طارق العسل”، الخبير المختص في الشؤون العسكرية، يؤكد أن «قيام تنظيم داعش بمجزرة المقدادية له عدة أسباب، ولم يكن وليد الصدفة».

مبيناً، في حديثه لموقع «الحل نت»، أنَّ «الضعف الاستخباراتي الواضح على الأجهزة الأمنية العراقية. وانشغالها بحماية تظاهرات الأحزاب الخاسرة في الانتخابات. إضافة لعدم قدرتها على إنهاء تواجد عناصر داعش في مناطق استراتيجية مهمة في البلاد. مكّن التنظيم المتطرّف من توسيع نفوذه، وارتكاب جرائم مثل مجزرة المقدادية».

وأشار إلى أنّ «التنظيم بات أكثر قوة. وأصبح بموضع الهجوم. بعد تزايد أعداد عناصره، وانتشاره بمناطق استراتيجية، ترتبط مع طرق مهمة. يستطيع من خلالها تأمين حركته بين شمال العراق وغربه».

وتابع حديثه بالقول: «لهذا القوة المستجدة أسباب كثيرة. منها الخلافات السياسية التي تعصف ببغداد وأربيل. والأساليب القديمة التي تحارب بها القوات الأمنية عناصر داعش. فضلاً عن أن التنظيم بات يكسب تعاطفاً كبيراً بين عددٍ من المواطنين. بسبب الظلم الذي تعرض له سكان المناطق المحررة، على يد الميلشيات الموالية لإيران. ولذلك فإن التصدي للتنظيم، ومنع تكرار حوادث مثل مجزرة المقدادية، يقتضي جهوداً سياسية وعسكرية وفكرية متضافرة».

وحذرت تقارير إعلامية مختلفة في وقتٍ سابقٍ من انتشار تنظيم داعش في مناطق مختلفة من العراق. مثل جبال “مخمور” في نينوى. ومناطق الحويجة والرشاد جنوبي كركوك. إضافة لأطراف مناطق “خانقين” في ديالى. وصحراء الأنبار ووادي حوران.

وتقول مصادر محلية إن «أكثر من ستمئة عنصر من داعش ينتشرون في  جبل “قراجوغ” بقضاء مخمور. ويعتبرون تلك المنطقة عاصمة جديدة للتنظيم. ومنها ينطلقون لمناطق أخرى عبر طرق استراتيجية، تربطهم مع جزيرة نينوى وتلال حمرين». ما يثير المخاوف من إمكانية تكرار مجزرة المقدادية.

 

تصعيد القوى الخاسرة سيكرّر مجزرة المقدادية

“عباس سروط”، عضو لجنة الأمن في البرلمان العراقي السابق، يرى أن «استمرار الخلافات السياسية بشأن نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة سيكون له انعكاسات سلبية على الوضع الأمني في العراق. ويمكن اعتبار مجزرة المقدادية نذيراً لما يمكن أن تواجهه البلاد».

لافتاً، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «تنظيم داعش يحاول استغلال الخلافات بين القوى السياسية لتنفيذ مخططاته وهجماته. ولهذا على كل القوى الاسراع في حلِّ كافة الخلافات، وتوحيد الصفوف. لمنع أية خروقات أمنية أو عسكرية».

وأضاف أنَّ «الخلافات السياسية في العراق كبيرة جداً. وربما تكون لها تداعيات على المستوى الأمني وحتى الاجتماعي. ولهذا يجب حسم تلك الخلافات وفق منطق الحوار والقانون. لا بأسلوب التهديد والتصعيد. لآن المستفيد الوحيد من هذا هو تنظيم داعش. الذي بات من الواضح أنه يمر بمرحلة قوة. تتطلّب تكاتفاً سياسياً وأمنياً. لإيقاف الخطر القادم. ومنع تكرار مجزرة المقدادية».

وكان “جون بيرنان”، القائد العام لقوَّات التحالف الدولي في العراق وسوريا، قد أشار إلى أن «تنظيم داعش لايزال يشكَّلُ تهديداً حقيقياً. لذلك يجب مواصلة دعم القوات الأمنية العراقية وقوات البيشمركة. لمنع تفاقم خطر التنظيم المتشدد». وهو ما يأمله كثير من المراقبين العسكريين العراقيين. الذين يرون أن انقطاع الدعم اللوجستي من التحالف الدولي قد يساهم بتكرار مآسي مثل مجزرة المقدادية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.