مع تغير الخارطة العسكرية في سوريا وبالتزامن مع تغير تبعية كل من تلك المناطق إلى دول معينة، تقسمت الحدود السورية ومعابرها إلى عدة تقسيمات وخلق الواقع الحالي معابر داخلية متباينة في عمق الأراضي السورية.

معابر الشمال السوري

قبل عام 2011 كان لدى سوريا 11 معبراً وهي كسب وباب الهوى وباب السلامة و اكبس والراعي وجرابلس وعين العرب وتل أبيض ورأس العين والدرباسية والقامشلي.

في وقت سابق من السنة الحالية أوضحت الورقة البحثية الصادرة عن برنامج مسارات الشرق الأوسط التابع لـ “معهد الجامعة الأوروبية” أن المعابر الموجودة بين مناطق الشمال الشرقي والشمال الغربي لسوريا توفر كميات من النفط لمناطق الشمال الغربي عن طريق التهريب، مع عدم وجود بيانات دقيقة حول حجم النفط الذي يتم تهريبه إلى الشمال الغربي.

وبالحديث عن المعابر التي تربط الشمال الغربي لسوريا بتركيا، فهي تعتبر شريان حياة بالنسبة لهذه المنطقة بخاصة أن تركيا تبسط نفوذها فيها، إضافة إلى أن تركيا تغذي المنطقة بمختلف البضائع والمواد الأولية اللازمة للإنتاج وتمدها بالكهرباء عبر شركتين خاصتين، وتقوم تركيا باستيراد الفائض من المحاصيل الزراعية عبر التنسيق مع المجالس المحلية والهيئات المختصة، و تتيح للصناعيين والتجار عملية التصدير من الشمال السوري إلى مختلف دول العالم، وأشارت الورقة البحثية لنفس البرنامج أن مناطق الشمال الغربي تستورد كميات من النفط من الجانب تركيا، ليقترب استيراد الديزل من 45 ألف طن و 22 ألف طن من البنزين و 22 ألف طن من غاز البوتان عبر معبر باب السلامة شهرياً، بتكلفة تقدر بنحو 26 مليون دولار سنوياً.

إن الواقع الذي فرض على المعارضة السورية بالتجمع في بقعة واحدة في الشمال الغربي لسوريا خلق أيضاً بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة حكومة دمشق، معابر فاصلة تم إغلاقها منذ آخر عملية عسكرية شنتها القوات الحكومية وروسيا على مناطق في الشمال الغربي، ولكن الوضع الاقتصادي السيئ جداً الذي تعيشه مناطق الجنوب السوري أخرج روسيا عن صمتها لتضغط على المعارضة السورية لفتح هذه المعابر بخاصة مع انتشار فايروس كورونا عالمياً، ولكن التحرك الشعبي في الشمال رفضاً لفتح المعابر آتى أكله بعدم فتحها، لأن المستفيد من فتحها بحسب الأهالي هو تجار الحرب لدى سلطة حكومة دمشق.

حيث تعاني مناطق سيطرة حكومة دمشق منذ سنوات من ندرة في المشتقات النفطية وتضاعف أسعار المواد الغذائية ونقص القطع الأجنبي وانهيار في قيمة الليرة السورية.

تعتبر المعابر الحدودية محركاً أساسياً للنشاط الاقتصادي لأي دولة، وإذا ما امتلكت دولة ما حدود مع عدة دول فإن اقتصادها سيشد تنوع في قطاعاته التجارية والصناعية والزراعية والمصرفية، وإذا ما تحدثنا عن الجمهورية العربية السورية فإننا نتحدث عن دولة ذات مركز تجاري مهم جداً، كيف لا وهي صلة الوصل بين خمسة دول مجاورة لها وتملك منفذاً بحرياً يصل بالتجارة إلى مختلف دول العالم، وتعتبر منفذاً برياً بين القارات الافريقية والأسيوية والأوربية.

معابر الجنوب السوري

يربط كل من سوريا والأردن معبرين رئيسيين هما الجمرك القديم ومعبر نصيب الحدودي الذي يعتبر من أهم المعابر التي تربط سوريا بالأردن، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين سوريا والأردن نحو 1 مليار دولار أمريكي قبل عام 2011 بحسب وكالة “فرانس 24″، ولكن الأحداث التي تبعت مطلع العشرية الماضية وسيطرة فصائل المعارضة على الحدود مع الأردن قد دفع الجانب الأردني إلى إغلاق المعبر إلى أن أعادت حكومة دمشق سيطرتها على تلك المناطق عبر اتفاقيات تسوية مع فصائل المعارضة، ليعيد الأردن بعد ذلك تطبيع علاقاته مع دمشق.

ورغم أن معبر نصيب الحدودي يعتبر مفتوحا منذ صيف عام 2018م إلا أن الجانبين أعلنوا عن فتح المعبر بشكل رسمي في 29 أيلول/سبتمبر من العام الحالي.

يأتي فتح المعبر بعد أن توصل كل من الأردن ولبنان وسوريا ومصر لاتفاق يسمح بتوصيل الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان من خلال الأراضي السورية، بسبب أزمة المحروقات الخانقة التي يعاني منها لبنان، حيث طالب كل من مسؤولي لبنان والأردن الولايات المتحدة الأمريكية بتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا وعلى كل من يعيد العلاقات الاقتصادية والسياسية مع النظام السوري وذلك لتسهيل حركة التجارة بينهما.

وفي هذا السياق أوضحت غرفة صناعة عمان في وقت سابق أن حجم التبادل التجاري بين سوريا والأردن بلغ 108.76 مليون دولار خلال العام 2020م، حيث بلغت قيمة الصادرات الأردنية إلى سوريا نحو 63.9 مليون دولار، بينما بلغ مجموع ما تم استيراده من سوريا نحو 44.84 مليون دولار، وقد صرحت وزيرة الصناعة والتجارة والتموين في الحكومة الأردنية في نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي أن حجم التبادل التجاري بين الأردن وسوريا يصل إلى 100 مليون دينار أردني أي ما يعادل 141 مليون دولار أمريكي ووصفته بأنه في حدوده الدنيا.

أهداف افتتاح المعبر مع الأردن

يرى الباحث الاقتصادي في مركز “جسور للدراسات”، خالد تركاوي، أن فتح المعابر بين دمشق وعمّان له فوائد تتمثل بثلاث نقاط رئيسية، تأتي أولها من طبيعة سكان المنطقة الحدودية والتي تغلبها العشائرية وما بني بينهم من مصالح اقتصادية كانت قائمة قبل عام 2011، أما النقطة الثانية فإن مطالبة ما وصفهم بالبحارة الذين يقومون بنقل البضائع بين الجانبين بفتح المعابر يشكل ضغط على الحكومة الأردنية لفتح المعبر، وأشار إلى أن عدد أصحاب الشاحنات والعربات المتضررة من غلق المعبر يتعدى 1300 أي أننا نتحدث عن مئات العائلات المتضررة من عملية الإغلاق حسب تركاوي.

كما أوضح تركاوي بأن زيادة عمليات التهريب في النقاط الحدودية يقلق الجانب الأردني، وعليه فإن الجانب الأردني يتطلع لزيادة ضبط الحدود إذا ما تم فتح المعابر بشكل نظامي، وفق وصفه.

وأردف الباحث الاقتصادي خلال حديثه بأن الهواجس الأمنية التي تعتري الجانب الأردني أكبر من الغاية الاقتصادية لفتح المعابر، لأن القوة الشرائية الموجودة في مناطق حكومة دمشق، تقترب من الصفر بعد تقسيم سوريا لمناطق عديدة.
وفيما يتعلق بالفائدة التي ستجنيها دمشق بفتح يمكن أن يضيف صفة الشرعية للأسد وهو الأهم بالنسبة لحكومة دمشق بحسب تركاوي.

كما نفى تركاوي، وجود علاقة بين خط الغاز المصري الذي سيصل إلى لبنان عبر سوريا والأردن وفتح معبر نصيب وعلل ذلك بأن خط الغاز هو خط أنابيب تم وصله منذ عام 2009م، ويحتاج لصيانة فقط.

من جهته يرى الدكتور يحيى السيد عمر، الباحث في الاقتصاد السياسي، أن أي دولة يمكن أن تستفيد من فتح معابرها مع الدول الأخرى، وهذا الأمر ينسحب على حكومة دمشق، ففتح معبر نصيب من شأنه تسهيل مرور المنتجات السورية لا سيما الزراعية إلى دول الخليج العربي، هذا من الناحية النظرية.

لكن من الناحية التطبيقية، بحسب حديث السيد عمر لـ”الحل نت” فحتى الآن يعد أثر المعبر محدود نتيجة عقبات ذاتية وموضوعية، فالصادرات السورية لم تتحسن إلا بشكل بسيط جداً، وذلك بسبب تكاليف العبور الكبيرة التي تفرضها الأردن على الشاحنات السورية، وهذا الأمر يدفع للتساؤل عن سبب محاولة الأردن عرقلة مرور المنتجات السورية عبر أراضيه، رغم أنه صاحب المبادرة في فتح المعبر، وهنا قد يكون التفسير أن لفتح المعبر أهدافاً سياسية أكثر منها اقتصادية.

كما أكد السيد عمر، أن فائدة الأردن من فتح المعبر تعد منخفضة جداً وتتمثل في رسوم العبور على الشاحنات السورية، بينما الفائدة الحقيقية تتمثل بتجارة الترانزيت القادمة عبر تركيا وعبر مينائي طرطوس واللاذقية والتي تمر عبر معبر نصيب فالأردن وتنتهي في دول الخليج العربي.

وأضاف بأن هذه التجارة حالياً متوقفة بالكامل، فلا وجود لأي تدفق تجاري من تركيا، ولا عن طريق الموانئ السورية، وهو ما يعزز القول بأن لفتح المعبر أهدافاً سياسية أكثر منها اقتصادية، وهي تهدف للتمهيد لإعادة تعويم حكومة دمشق عربياً.

وأما بالنسبة للمعابر مع لبنان فمنذ ما قبل عام 2011 وما تبعها من أحداث لم تغلق المعابر بين لبنان وسوريا، وكان من مصلحة دمشق وبيروت عدم إغلاق الحدود فبعد عام 2011 انعكس حجم الفائض التجاري للبنان بعد أن كان لسوريا، مما وضع لبنان تحت ضغط ارتفاع الأسعار وخاصة أن لبنان بلد مستهلك وليس منتج.

تشير بعض الاحصائيات إلى أن التبادل التجاري بين الطرفين عام 2010 قد بلغ نحو 559 مليون دولار، إلا أنه لا توجد إحصائيات دقيقة حول التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الأخيرة نتيجة لعمليات التهريب الكبيرة بين الجانبين والوضع السياسي الذي يسود لبنان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.